فعاليّات التضامن مع غزّة.. ماذا بعد؟
تامر خرمه
جو 24 : العدوان الصهيوني العنصري على الشعب الفلسطيني، واجهته موجات غضب شعبيّة واسعة امتدّت إلى معظم دول العالم. رغم انحياز وتواطؤ الحكومات الغربيّة مع الإجرام "الاسرائيلي" والصمت العربي الرسمي إزاء الجريمة التي يقترفها العدوّ بحق الغزّيين، عكست مسيرات التضامن مع المقاومة حالة شعبيّة مدركة لحقيقة الصراع الذي تخوضه المقاومة الباسلة ضدّ المستعمر الإحلالي. معركة حاول الإعلام الدولي تصويرها على أنّها مجرّد حرب بين طرفين "اعتدى" كلّ منهما على الآخر، في محاولة تشويه مبتذلة للواقع الذي فرضه الاحتلال.
وفي العالم العربي، احتشدت كافّة القوى الطليعيّة، التي خاضت معركة التحرّر من ظلم واستبداد الأنظمة الدكتاتوريّة خلال السنوات الثلاث الماضية، تحت لواء القضيّة الفلسطينية. فلسطين كانت بوصلة مختلف قوى المعارضة السياسيّة العربيّة، على اختلاف منطلقاتها الفكريّة والسياسيّة. حقيقة نسفت نظريّة المؤامرة التي حاول البعض ترويجها لمناهضة مطالب الربيع العربي.
الساحة الأردنيّة على وجه الخصوص شهدت تطوّراً لافتاً. الحراك السياسي عاد لفرض نفسه على المشهد تحت شعار المقاومة الفلسطينيّة، بعد انحساره في الآونة الأخيرة مقابل تصاعد الحراك الاجتماعي المطلبي.
منذ هبّة تشرين، تراجع الحراك السياسي المطالب بالإصلاح حتّى انحسر تماماً، نتيجة لمخاوف الناس من سيناريوهات محتملة قد تكون مشابهة لنتائج الثورة السوريّة. ولكن الحراك الاجتماعي المطلبي –الذي شهده الأردن قبل ثورة تونس بخمس سنوات- عاد لتصدّر المشهد من خلال إضرابات العمّال وموظّفي القطاع العام والمؤسّسات الحكوميّة.
أمّا اليوم، فقد عادت الشعارات السياسيّة بفرض نفسها على المشهد المحلّي، شعارات ومطالب مرتبطة بمستقبل الأردن الذي لا يمكن فصله عن القضيّة الفلسطينيّة. قوى المعارضة السياسيّة وجدت في هذه التطوّرات ما يمكّنها من العودة إلى الشارع تحت عنوان التضامن مع غزّة. ولكن..
هناك مسألتان تقودان إلى الاستنتاج بأن ما نشهده اليوم من فعاليّات التضامن مع فلسطين ومحاولات لتعبئة الشارع الغاضب، لا يمكن أن يشكّل تراكماً يقود إلى تحقيق مطالب وأهداف ملموسة، سواء فيما يتعلّق بمطلب إلغاء وادي عربة أو الارتقاء بالموقف الرسمي إلى مستوى الطموحات الشعبيّة. أضف إلى ذلك أنّه بمجرّد انتهاء العدوان الاسرائيلي فإن الأمور ستعود كما كانت عليه، دون أن تنجح قوى المعارضة السياسيّة في تنفيذ مشروعها المتعلّق بتحقيق التغيير، وحمل السلطة على التراجع عن سياساتها الداخليّة والخارجيّة.
المسألة الأولى ترتبط بعدم الربط بين القضيّة الفلسطينيّة والمطالب الشعبيّة على المستوى المحلّي، باستثناء المطالبة بطرد السفير الصهيوني وإلغاء معاهدة وادي عربة، لم يستند خطاب المعارضة السياسيّة إلى العلاقة بين المشروع الصهيوني وإملاءات المؤسّسات الماليّة الدوليّة، وأجندة السفارة الأمريكيّة، التي يترجمها صنّاع القرار في الأردن بكامل حذافيرها. هذا الفصل بين القضيّة الفلسطينيّة والمعضلة السياسيّة الاقتصاديّة على المستوى المحلّي، سيحول دون تطوّر فعاليّات التضامن مع غزّة إلى حالة شعبيّة تفرض تغيير السياسات والمواقف الرسميّة.
مسألة أخرى ستجعل من القوى السياسيّة رهينة ردّات الفعل دون تحقيق أيّ مطلب أرض الواقع، حتّى مجرّد سحب السفير الأردني من "تلّ أبيب". هي مسألة يمكن تلخيصها بعبارة العزف المنفرد أمام كاميرات الإعلام.
قوى المعارضة السياسيّة التي انقسمت نتيجة تداعيات الأزمة السوريّة والتطوّرات التي شهدتها الساحة المصريّة، مازالت مصرّة على حالة الانقسام دون محاولة رأب الصدع والتوافق على مشروع محدّد على المستوى الأردني المحلّي. الأحزاب لم تدرك فيما يبدو ضرورة العمل المشترك فيما يتصل بفعاليّات التضامن مع غزّة. الحركة الإسلاميّة تنظّم فعاليّاتها الخاصّة التي تقتصر على عضويّة وأنصار الحركة، كما يتنظّم الأحزاب القوميّة واليساريّة فعاليّاتها دون التنسيق مع القوى الأخرى، سواء الإسلاميّين أو الحراكات الشبابيّة والشعبيّة المستقلّة.
هذا العزف المنفرد جعل من فعاليّات التضامن خجولة للغاية بالمقارنة مع التظاهرات الحاشدة التي شهدتها عواصم أوروبا وكذلك مدن الولايات المتحدة. مؤسف أن تفوق أعداد المشاركين في تلك الفعاليّات الأعداد التي تشهدها الساحة الأردنيّة بعدّة أضعاف.
وبالنسبة للحركة الإسلاميّة، فإن انسجام المواقف الرسميّة الأردنيّة والمصريّة والسعوديّة يشكّل تحديا خطيراً بالنسبة للحركة، قد يقود إلى تكريس عزلتها والاستفراد بها. الاخوان المسلمين -في الأردن تحديداً- أدركوا أن العودة إلى الشارع تحت عنوان القضيّة الفلسطينيّة هو البوّابة التي تمكّنهم من تصدّر المشهد مجدّداً.
قبل سنوات كرّست قيادات الأخوان –على مستوى التنظيم العالمي- جهودها للوصول إلى السلطة. وبعد الانقلاب العسكري في مصر، تغيّرت المعادلة وباتت فرصة الاخوان في الوصول إلى دوائر صنع القرار الرسمي ضئيلة للغاية. واليوم تدرك قيادات الحركة فيما يبدو أبعاد هذا التغيّر في المعادلة السياسيّة. لذا كان من الطبيعي أن يبادر الاخوان إلى تنظيم فعاليّات ترتبط بالقضيّة الفلسطينيّة باعتبارها مسألة محسومة ولا يوجد أيّ خلاف عليها، على مستوى المعارضة السياسيّة، وباعتبار أن القضيّة تشكّل النافذة الوحيدة التي تمكّن الحركة من العودة إلى صدارة المشهد.
مقابل هذا الفهم والإدراك لما ينبغي عمله، مازالت فعاليّات "السولو" تشكّل العائق الذي يحول دون تمكّن الحركة من قيادة الشارع الأردني كما كان الوضع خلال السنوات القليلة الماضية، وفي حال بقيت فعاليّات الحركة الإسلاميّة مقتصرة على جمهورها فإن ما نشهده اليوم لن يتجاوز حدود ردّة الفعل التي ستتلاشى بمجرّد انتهاء العدوان الإجرامي على قطاع غزّة. هنا سيعود الإسلاميّون إلى مربّع العزلة السياسيّة. لا يمكن الخروج من حدود هذه العزلة دون تبنّي مقاربة جديدة، بعيداً عن ذهنيّة الإقصاء ولعبة العزف المنفرد.
وفي العالم العربي، احتشدت كافّة القوى الطليعيّة، التي خاضت معركة التحرّر من ظلم واستبداد الأنظمة الدكتاتوريّة خلال السنوات الثلاث الماضية، تحت لواء القضيّة الفلسطينية. فلسطين كانت بوصلة مختلف قوى المعارضة السياسيّة العربيّة، على اختلاف منطلقاتها الفكريّة والسياسيّة. حقيقة نسفت نظريّة المؤامرة التي حاول البعض ترويجها لمناهضة مطالب الربيع العربي.
الساحة الأردنيّة على وجه الخصوص شهدت تطوّراً لافتاً. الحراك السياسي عاد لفرض نفسه على المشهد تحت شعار المقاومة الفلسطينيّة، بعد انحساره في الآونة الأخيرة مقابل تصاعد الحراك الاجتماعي المطلبي.
منذ هبّة تشرين، تراجع الحراك السياسي المطالب بالإصلاح حتّى انحسر تماماً، نتيجة لمخاوف الناس من سيناريوهات محتملة قد تكون مشابهة لنتائج الثورة السوريّة. ولكن الحراك الاجتماعي المطلبي –الذي شهده الأردن قبل ثورة تونس بخمس سنوات- عاد لتصدّر المشهد من خلال إضرابات العمّال وموظّفي القطاع العام والمؤسّسات الحكوميّة.
أمّا اليوم، فقد عادت الشعارات السياسيّة بفرض نفسها على المشهد المحلّي، شعارات ومطالب مرتبطة بمستقبل الأردن الذي لا يمكن فصله عن القضيّة الفلسطينيّة. قوى المعارضة السياسيّة وجدت في هذه التطوّرات ما يمكّنها من العودة إلى الشارع تحت عنوان التضامن مع غزّة. ولكن..
هناك مسألتان تقودان إلى الاستنتاج بأن ما نشهده اليوم من فعاليّات التضامن مع فلسطين ومحاولات لتعبئة الشارع الغاضب، لا يمكن أن يشكّل تراكماً يقود إلى تحقيق مطالب وأهداف ملموسة، سواء فيما يتعلّق بمطلب إلغاء وادي عربة أو الارتقاء بالموقف الرسمي إلى مستوى الطموحات الشعبيّة. أضف إلى ذلك أنّه بمجرّد انتهاء العدوان الاسرائيلي فإن الأمور ستعود كما كانت عليه، دون أن تنجح قوى المعارضة السياسيّة في تنفيذ مشروعها المتعلّق بتحقيق التغيير، وحمل السلطة على التراجع عن سياساتها الداخليّة والخارجيّة.
المسألة الأولى ترتبط بعدم الربط بين القضيّة الفلسطينيّة والمطالب الشعبيّة على المستوى المحلّي، باستثناء المطالبة بطرد السفير الصهيوني وإلغاء معاهدة وادي عربة، لم يستند خطاب المعارضة السياسيّة إلى العلاقة بين المشروع الصهيوني وإملاءات المؤسّسات الماليّة الدوليّة، وأجندة السفارة الأمريكيّة، التي يترجمها صنّاع القرار في الأردن بكامل حذافيرها. هذا الفصل بين القضيّة الفلسطينيّة والمعضلة السياسيّة الاقتصاديّة على المستوى المحلّي، سيحول دون تطوّر فعاليّات التضامن مع غزّة إلى حالة شعبيّة تفرض تغيير السياسات والمواقف الرسميّة.
مسألة أخرى ستجعل من القوى السياسيّة رهينة ردّات الفعل دون تحقيق أيّ مطلب أرض الواقع، حتّى مجرّد سحب السفير الأردني من "تلّ أبيب". هي مسألة يمكن تلخيصها بعبارة العزف المنفرد أمام كاميرات الإعلام.
قوى المعارضة السياسيّة التي انقسمت نتيجة تداعيات الأزمة السوريّة والتطوّرات التي شهدتها الساحة المصريّة، مازالت مصرّة على حالة الانقسام دون محاولة رأب الصدع والتوافق على مشروع محدّد على المستوى الأردني المحلّي. الأحزاب لم تدرك فيما يبدو ضرورة العمل المشترك فيما يتصل بفعاليّات التضامن مع غزّة. الحركة الإسلاميّة تنظّم فعاليّاتها الخاصّة التي تقتصر على عضويّة وأنصار الحركة، كما يتنظّم الأحزاب القوميّة واليساريّة فعاليّاتها دون التنسيق مع القوى الأخرى، سواء الإسلاميّين أو الحراكات الشبابيّة والشعبيّة المستقلّة.
هذا العزف المنفرد جعل من فعاليّات التضامن خجولة للغاية بالمقارنة مع التظاهرات الحاشدة التي شهدتها عواصم أوروبا وكذلك مدن الولايات المتحدة. مؤسف أن تفوق أعداد المشاركين في تلك الفعاليّات الأعداد التي تشهدها الساحة الأردنيّة بعدّة أضعاف.
وبالنسبة للحركة الإسلاميّة، فإن انسجام المواقف الرسميّة الأردنيّة والمصريّة والسعوديّة يشكّل تحديا خطيراً بالنسبة للحركة، قد يقود إلى تكريس عزلتها والاستفراد بها. الاخوان المسلمين -في الأردن تحديداً- أدركوا أن العودة إلى الشارع تحت عنوان القضيّة الفلسطينيّة هو البوّابة التي تمكّنهم من تصدّر المشهد مجدّداً.
قبل سنوات كرّست قيادات الأخوان –على مستوى التنظيم العالمي- جهودها للوصول إلى السلطة. وبعد الانقلاب العسكري في مصر، تغيّرت المعادلة وباتت فرصة الاخوان في الوصول إلى دوائر صنع القرار الرسمي ضئيلة للغاية. واليوم تدرك قيادات الحركة فيما يبدو أبعاد هذا التغيّر في المعادلة السياسيّة. لذا كان من الطبيعي أن يبادر الاخوان إلى تنظيم فعاليّات ترتبط بالقضيّة الفلسطينيّة باعتبارها مسألة محسومة ولا يوجد أيّ خلاف عليها، على مستوى المعارضة السياسيّة، وباعتبار أن القضيّة تشكّل النافذة الوحيدة التي تمكّن الحركة من العودة إلى صدارة المشهد.
مقابل هذا الفهم والإدراك لما ينبغي عمله، مازالت فعاليّات "السولو" تشكّل العائق الذي يحول دون تمكّن الحركة من قيادة الشارع الأردني كما كان الوضع خلال السنوات القليلة الماضية، وفي حال بقيت فعاليّات الحركة الإسلاميّة مقتصرة على جمهورها فإن ما نشهده اليوم لن يتجاوز حدود ردّة الفعل التي ستتلاشى بمجرّد انتهاء العدوان الإجرامي على قطاع غزّة. هنا سيعود الإسلاميّون إلى مربّع العزلة السياسيّة. لا يمكن الخروج من حدود هذه العزلة دون تبنّي مقاربة جديدة، بعيداً عن ذهنيّة الإقصاء ولعبة العزف المنفرد.