سلطة المال..
تامر خرمه
جو 24 :
عند الحديث عن الديمقراطيّة، فإن أوّل ما يتبادر إلى الذهن مسألة فصل السلطات، وعدم تركيزها في يد جهة واحدة دون غيرها. أمّا التعريف الكلاسيكيّ لتلك السلطات فقد اتّفق على أنّها: السلطة التنفيذيّة، والتشريعيّة، والقضائيّة.
في الأردن سئمنا الحديث عن ضرورة فصل السلطة التشريعيّة عن تلك التنفيذيّة. بصراحة كلا السلطتين يديرهما ذات المركز الأمني السياسي المعروف للجميع، لذا قد يكون من المفيد اتّخاذ مقاربة أخرى للديمقراطيّة، وتسليط الضوء على ضرورة فصل سلطتين بعينهما، خارج التسميات المتعارف عليها.
ولتبقى السلطة التشريعيّة تابعة للتنفيذيّة، التابعة بدورها لذلك المركز. لم يعد هنالك أمل! ولكن هلاّ استجاب صوت العقل والحكمة لضرورة فصل ما يمكن تسميته بالسلطة الماليّة عن السلطة السياسيّة؟!
دوائر صنع القرار ليست أمنيّة في كلّ الأحوال، فللحيتان الصوت الأكثر صخبا في الوقت الراهن. أبناء الطبقة الثريّة، التي استولت على مقدّرات الوطن وباعت معظمها، نجحوا في وضع بصماتهم على كلتا السلطتين، التشريعيّة والتنفيذيّة، فلم يعد للتدخّلات الأمنيّة تلك الأهميّة التي تصادر أيّ أمل في الديمقراطيّة، بعد أن استبدلت التطوّرات الاقتصاديّة- الاجتماعيّة أصحاب رؤوس الأموال بتلك الأجهزة.
البلاد تدار اليوم وفقا لمصالح من يتاجر بها، ويفرض ما يشاء من قوانين منحازة لمصالحه الماليّة الشخصيّة، على حساب قوت الناس من جهة، وأمن واستقرار البلاد من جهة أخرى.
لا بدّ من قرع ناقوس الخطر! الأمر ليس وكأنّ الأجهزة الأمنيّة تمسك بكلّ أوراق اللعبة. أصحاب "البيزنيس" نجحو في سحب البساط من تحت تلك الأجهزة، بل وحملهم على معاونتهم لتنفيذ أجندتهم الذاتيّة الضيّقة.
السلطة الحاكمة في الأردن اليوم هي السلطة الماليّة دون منافس، الأمر الذي دفع كثيرا من الشرائح الاجتماعيّة إلى الشعور بالاغتراب على أرض الوطن، وبالتالي إلى انتظار أيّة فرصة مناسبة للتنفيس عن غضبة مضريّة لن تبقي ولن تذر، في حال انفجارها.
في هذا السياق تمكن قراءة السياسة الاقتصاديّة الرسميّة، التي تصرّ كلاّ من الحكومة ومجلس النوّاب على المضيّ بها، رغم الفشل الناجم عنها، ورغم مخاطر انفجار الأوضاع، في ظلّ تطوّرات إقليميّة بالغة الخطورة.
ارحموا الأردن! هذا البلد الصغير لا يحتمل كلّ صلف هذه المغامرة.
ضريبة المبيعات تتجاوز قيمتها ما يناظرها في أكثر الدول ثراء، والمقابل الذي يحصل عليه المواطن كخدمات لا يكاد يذكر، واليوم يتحدّثون عن "إصلاح" النظام الضريبيّ دون المساس بمصالح الأغنياء، وليس الطبقة الوسطى كما يروّجون!
هل وصل جماح الرهان بحاضر ومستقبل الدولة إلى تلك الدرجة؟ ماذا لو انفجر الناس؟ وبالطبع سينفجر كلّ من لا يجد قوت عياله، هل يعتقد جلاوزة "البيزنيس" أنّهم سيكونون في مأمن وقتها؟
إدارة البلاد بعقليّة أمنيّة مناقض بالتأكيد لكلّ مبادئ الديمقراطيّة، بيد أن إدارتها بعقليّة طبقيّة إقصائيّة لا ترى الناس إلأ على أنّها أدوات لمراكمة المزيد من الأرباح، فهو الأمر الأكثر قبحاً والأكثر خطورة على الجميع.
فصل السلطات.. هذا وحده ما يضمن مستقبلنا، والمقصود هنا فصل سلطة رجال الأعمال عن السلطة السياسيّة، لكم استثماراتكم، ولكن اتركوا الدولة بعيداً عن عبثكم الانتحاريّ!