تضخم الذات وبراءة الاختراع في صناعة "النموذج السياسي" .. رواية وزير عابر للحكومات
الشعور بتضخم الذات لدى وزير الخارجية ناصر جودة، بدا واضحاً في لهجته أثناء حديثه عن كونه عابرا للحكومات، وحجر الرحى الذي لا يتبدل في أي تشكيل وزاري، معتبرا أن هذه ليست مشكلته، وإنما هي مشكلة الحكومات قصيرة العمر، التي يجبره واقعها على الانتقال من حكومة إلى أخرى.
غرور الرجل تجسد في كل إيماءة وكلمة تفوّه بها خلال مقابلته مع قناة رؤيا مساء الأحد، كما بدا في حديثه عن الشأن الداخلي الأردني أنه لا يرغب بالنظر خارج إطار حقيبة الخارجية، حيث قال -وبكل ثقة- إن "النموذج الاردني يحظى باعجاب العالم.. ونحن بخير".
لا ندري عن أي عالم يتحدث وزير الخارجية، غير أن ما يجري في الشارع الأردني يؤكد أننا "لسنا بخير"، وأن إمعان السلطة في سياسة التأزيم أوصلت الاحتقان الشعبي إلى أعلى درجاته، لا سيما في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، وغياب الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
الدعم الدولي المشروط بخطوات إصلاحية ينجزها النظام الأردني، تقلّص في الآونة الأخيرة إلى أدنى درجاته، الأمر الذي دفع بصناع القرار إلى اللجوء لمنظومة الدول النفطية، والاستجابة لكافة رغبات الشقيقة الكبرى (السعودية) من أجل الحصول على التعويض المالي.. وبطبيعة الحال فإن نموذج الردّة عن الإصلاح يحظى بإعجاب بعض الدول، التي لا يمكن اعتبارها -سواء بالعرف الدبلوماسي أو غيره- عالما قائما بذاته.
وبلغت حالة الغرور بالرجل أعلى درجات التهكم واللامبالاة في النظر إلى مطالب الحراك الشعبي، ليستخدم لغة ساخرة في غمزه ضد أحزاب المعارضة الأردنية، ويعود إلى خطاب الاتهامات و"الأجندة الخارجية" في حديثه حول العلاقة مع الشقيقة الأخرى "مصر"، حيث قال إن على الأردن أن يطلب وساطة الحركة الاسلامية لدى المصريين لحلّ مسألة الغاز، لا سيما بعد وصول محمد مرسي إلى السلطة !!
تصريحات جودة تكشف التوجهات الرسمية بالمضي في ذات السياسات التي دفعت باتجاه التأزيم عبر معركة "كسر العظم" مع الحركة الاسلامية، وتجاهل المطالب الشعبية المتعلقة بالإصلاح السياسي، بذريعة التخوف من وصول الاسلاميين إلى السلطة.
وفي سياق هجومه على المعارضة السياسية، قال جودة: "كيف يطالبون بتعديل الدستور ويحكمون بان مجلس النواب القادم مزور وهم يرفضون المشاركه في الحوار"، متناسيا قيام السلطة بتجاوز مخرجات لجنة الحوار الوطني والضرب بها عرض الحائط، شأنها شأن كافة الحوارات واللقاءات التي تنصلت من التزاماتها السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء، والتي كان آخرها لقاء رئيس المجلس النيابي السادس عشر ولجنة التوجيه الوطني مع العاملين في المواقع الالكترونية لمناقشة قانون المطبوعات.
إقرار القوانين وفرض الأمر الواقع، ثم طلب الحوار بشأنها، حرفة تميّزت بها الإدارة الأردنية التي تفرّدت بمنطقها الخاص في إدارة الحياة السياسية.. وقد يكون هذا هو النموذج الذي تحدث عنه جوده، والذي من شأنه أن يثير دهشة العالم، وليس مجرد إعجابه .
حالة العناد والفوقية وتجاهل الشعب، عبّرت عن نفسها في حديث معالي الوزير، حيث هاجم أيضا الإرادة الشعبية التي عبّرت عنها عشيرة العبيدات عبر رفضها لتعيين أحد أبنائها سفيرا لدى "اسرائيل"، وقال "نستغرب الجدل الدائر حول تعيين سفير للأردن في اسرائيل، ونؤكد أن السفير وليد عبيدات سيقوم بواجبه كدبلوماسي محترف"، على حد تعبيره.
الجدير بالذكر، أن هذا الوزير "العابر للحكومات"، من المرشحين لرئاسة الديوان الملكي في المرحلة المقبلة، و يمكن لأي مراقب قراءة سيناريوهاتها الكارثية عبر التصريحات البهيّة التي ندت عن معاليه.