تجاوز الكوتا الوزارية.. محطة الاختبار الأولى بعد انتقال النسور من النيابة إلى الرئاسة
رئيس الوزراء المكلف د. عبدالله النسور، بصدد المرور بأولى محطات الاختبار لقدرته على تلبية متطلبات واستحقاقات المرحلة، فهل ينجح الرئيس في تجاوز الأرقام الصعبة، العابرة للحكومات، كجعفر حسان وناصر جودة، ليعكس شخصيته في التشكيلة الحكومية المرتقبة عبر اختيار أسماء جديدة، والتحرر من قبضة الكوتا الوزارية ؟
كوتا الديوان وكوتا الأجهزة الأمنية كانت على الدوام تحكم طبيعة وتشكيلة الحكومات المتعاقبة.. والمطلوب كأول بادرة لقدرة الحكومة المقبلة على تجاوز الأزمة الراهنة، أن يتجاوز النسور واقع الكوتا إلى طموح الولاية العامة، عبر اختيار أسماء جديدة من أصحاب الكفاءات الذين لم تثار حولهم المواقف السلبية من قبل الشارع أو المعارضة السياسية.. فإذا كانت الحكومة السابقة ستلد نفسها في التشكيلة الوزارية المرتقبة، واقتصر دور النسور على تحقيق الشعبية لتلك الحكومة من أجل استحقاقات الانتخابات النيابية، فإن الرجل سيكون قد عبّر عن رغبته بالحصول على اللقب دون وجود نيّة حقيقيّة لإنقاذ الوطن.
وبالإضافة إلى اختبار الأسماء الذي سيعكس مدى قدرة النسور على التعبير عن إرادته وتحقيق الولاية العامة، فإن الواقع السياسي يفرض أيضا تشكيل حكومة رشيقة متجانسة، لا تتجاوز في عددها الرقم المطلوب، لتكون قادرة على الانسجام والاتفاق على تصوّر واحد، وبرنامج محدد يمكّنها من تصريف الأزمة، وتجاوز حالة التخبّط التي هيمنت على أداء حكومات التجريب السابقة.
أما فيما يتعلق بالبيان الوزاري، فإن المنشود أن لا يتضمن غير ما ستحققه الحكومة المرتقبة على أرض الواقع، بعيدا عن خطابات التسويف الدعائية، فشخصية النسور -الذي انتقل من النيابة إلى الرئاسة- تذكرنا بتلك القصاصات الورقية، التي اعتاد حملها في جيبه طيلة الوقت، لتسجيل ملاحظاته وترتيب أفكاره وفق ما ينسجم مع الواقع.
وبعد نجاحه في اجتياز اختبار التشكيل، سيكون الرئيس أمام محطات حاسمة تفرضها الضرورة الوطنية، ولا بد من بادرة حسنة، تتمثل بالإفراج عن معتقلي الحراك الشعبي والانفتاح على قوى المعارضة السياسية، والمضي بخطوات إصلاحية جديّة تبدأ بالتراجع عن قانون المطبوعات العرفي، وإقرار قانون انتخاب ديمقراطي يحقق مشاركة سياسية حقيقية.
لا يستقيم الحديث عن الإصلاح قبل رفع القبضة الأمنية عن وسائل الإعلام، والدفع باتجاه صناعة إعلام ينتصر للحقيقة والحريات، بعيدا عن البروباغاندا الكلاسيكية التي قوّضت أسس الصحافة في وسائل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وعبّرت عن ذهنية عرفية تعود للعصور البائدة.
كما أن تصريحات الرئيس التي قال فيها إنه لن يتم التراجع عن قانون الصوت المجزوء لا تبشر بالخير، فليس من المستحيل إيجاد مخرج دستوري لتغيير قانون الانتخاب، الذي لن يؤدي إلا إلى إعادة تدوير البرلمان السابق، الأمر الذي لن يسعف في إخراج السلطتين التشريعية والتنفيذية من دائرة التخبط السياسي.
ولن تقود الانتخابات النيابية المقبلة إلى الخروج من الأزمة الراهنة في حال تم إجراؤها وفق القانون الحالي، كما أن الإصلاح الحقيقي يحتم على الرئيس المكلف اختيار فريقه الاقتصادي من خارج بورصة الأسماء المألوفة، فالاستمرار في اللجوء إلى جيب المواطن لحلّ الأزمة الاقتصادية، والإمعان في سياسات رفع الأسعار، وتصفية المؤسسات الوطنية، ومراكمة المزيد من الديون، من شأنها أن تفتح الباب واسعا على أسوأ الاحتمالات، حيث أن الضرورة الوطنية باتت تحتم إيجاد فريق اقتصادي يجترح حلولا حقيقية للأزمة الاقتصادية الخانقة، بحيث يكون إقرار قانون ضريبيّ عادل هو الخطوة الأولى نحو طوق النجاة.