ارتباك الراقصين أم رداءة العازف ؟!
العاشق ُ يتهيّأ لــ ِ " موعد ٍ مُرتقب ٍ " بالارتباك و بالانشغال في مؤشّر الوقت ، فيظلّ يمدّ بصره إلى هناك حيث الموعد والمكان ، و ينظر في ساعته كأنما الدقائق المتبقيات تساوي دهراً !
... والمريض الذي ينتظر " كشف اختباراته الطبيّة " بعد معاينة الطبيب ، يظلّ منشغلاً باحتمالات عديدة ، يرافقها " وجع وخوف من فقد ٍ و خشية من حزن مُقيم " .. و يذرع المكان أو يقبع في مقعده بلا حراك .
... و المغنّي وراء كواليس المسرح ، قبيل الانكشاف إلى الجمهور ، يمرّن ريقه و يحاول التخلّص من رهبة الموقف أو رهبة الإطلالة الأولى ، فتراه يدندن من غير اتجاه إلى أن تنزاح الستارة و يصير في بؤرة المشهد .
... وعازف العود ، يمرّن أصابعه و أوتار عوده على " نغمة البدء / مفتاح العزف والغناء " لكي يصيب في قلوب المستمعين وأذهانهم مكان استحسان و رضى !
... والكاتب ، يصارع الورق قبل الحروف الأولى ، وقد يمزّق منها الكثير ولا يلوي على شيء .. أو ينفرج تلعثمه وانتظاره و يسوّد ورقته بالكلام الجميل و الفكرة الطازجة ، أو إذا ما " استعصت المفردة " يروح إلى الصمت و تنكسر في نفسه روح الفكرة وتغيب .
... والممثل المسرحي و بائع الترمس و الخطيب في منبر و المتحدث في مهرجان ٍ و السياسيّ الذي يخطب ودّ الأمّة و الفقير البائس حين يكون على موعد مع مؤونة أو مساعدة أو رغيف خبز .. و كثير من الحالات والاحتمالات .
...
تلك نماذج ، بلا حصر ، تطلّ على الحياة والناس ، في كلّ يوم وتصادف ما ينفعها وما يقصيها من الميدان والساحة .. والحياة نزال بالكلمة أو اليد أو الفكرة أو الأغنية أو العزف أو التمثيل أو الاستعطاء أو تناول الدواء أو بالحبّ !
...
ما أروع مقارعة الحياة و الصراع معها بفكرة العشق والمحبة والخير !
ولكن ّ الأحوال تتبدّل وتغدو الأوقات بلا طعم أو لون أو فائدة حين ينفع العشق وحين لا ينفع العزف ولا تنفع الكتابة ولا الدواء !
...
الحياة الآن تشبه رقصة تالفة لا إيقاع فيها سوى أن تتلوّى الأجساد ، ليس طرباً وانتشاءً .. بل من شدّة القهر والوجع !
ولمناسبة الحديث عن الرقص ، ما الذي يربك الراقصة ( بوصفها تمارس لعبة الإدهاش ) قبيل انكشافها أمام الناس وعند بدء أدائها لدور ٍ في مسرح الرقص أو مسرح الحياة ؟
.. هل ترتبك الراقصة وتنسى إيقاع رقصتها ، هل تنحى باللائمة على الطبّال ( عازف الإيقاع ) أم على الجمهور ؟
.. في الأصح ّ ، هل ترتبك الراقصة من ضيق بدلة الرقص أم من انكشاف الجسد أم لون القماش ؟
...
نعود ونسأل : هل نرتبك كلّنا بسبب ٍ من وعي المتفرجين أم بسبب ٍ من اهتزاز ثقتنا بذواتنا ؟