jo24_banner
jo24_banner

هذا رأيي في اليسار

سامر حيدر المجالي
جو 24 :

ننتظر سقوط النظام السوري، ليس من أجل جرائمه فقط، وإنما لأن سقوطه هو حتما سقوطٌ لنظام مفاهيمي واسع نخر جسد هذه الأمة وسيطر على مخرجاتها النضالية العفنة فترة طويلة من الزمن...
إنه ما يُسمى بـ اليسار أو التقدمية أو الاشتراكية، وقد ألبسوه في مناسبات كثيرة ثوب القومية العربية. هي مجموعة من المفاهيم الطوباوية التي ترتكز على فهم أحادي للدنيا، وتنهل من مسلمات غارقة في الانحراف العقلي...


هذا النظام المفاهيمي يقوى ويشتد في نفوس حامليه حتى يتحول إلى عقيدة. لأنه لا يحتمل إلا أن يكون عقيدة سمتها الأساسية أنها إقصائية، ومشحونة بالكراهية والاحتقار لكل من يخالفها أو حتى يقف منها موقف الحياد.

هذا اليسار عاث في جسد الأمة (نضالا!!) منذ خمسين أو ستين عاما. ونقول (عاث نضالا) لأننا نستنكر النضال بالصورة التي يسوقونها هم. تلك الصورة التي طبعت كل النكسات الكبرى التي حدثت خلال الخمسين سنة الأخيرة ببصمة يسارهم ورموزه وقادته، واخترعوا لها مسميات تخلو من كل معنى واقعي سوى لجاجة الحروف وصلصلتها الفارغة، مثل كلمات الممانعة والمجابهة. نضالهم هذا هو خراب اليمن مرورا بنكسة حزيران وحرب الخليج الأولى والثانية، وصولا إلى ذبح سوريا اليوم، وقبل هذا ومعه جرائم القذافي وسنوات ضياعه وملاحم مجده التافهة، ومذابح الأسد الأب وارتداده بالوطن السوري قرونا إلى الوراء. ولا أقل من ذلك الشعبوية والتقدمية التي كادت أن تطيح بالأردن دولة وكيانا وشعبا في عام السبعين، لولا أن منَّ الله علينا بالخلاص فحقن دم هذا الشعب الواحد.


الصورة النضالية التي قدمها اليسار بفسادها وانحطاطها، جاءت من كون حامليها مبتورين عن جسد هذه الأمة، ومقطوعي الصلة بنبضها وتاريخها. فلا الاشتراكية ولا المادية الجدلية ولا الطبقات ولا حتى القومية لها جذور تنتمي إلى الفضاء الذي تشكلت فيه هذه الأمة. والقومية التي ننفيها هنا هي قومية المصطلح المولد للاعتقادات، وليست قومية الواقع المبني على لحمة اللغة والتاريخ والمعتقد. تلك القومية التي نصحو وننام عليها ونعتز بانتمائنا لها. فالعرب لم يكونوا بحاجة إلى هرطقات مادية كي توحدهم في حطين وعين جالوت والمنصورة وليبيا المختار وغيرها من مواقف التاريخ المجيد. ولم يأتهم مخلص من سيبيريا أو فنزويلا كي يقول لهم ما ينبغي عليهم فعله في مواجهة المستعمرين البريطانيين والفرنسيين والطليان. قومية العرب لها جذور ضاربة في الوجدان الجمعي، تنهل من أيام زنوبيا والحارث الرابع وذي قار وامرؤ القيس وحاتم الطائي. قومية توجت بالإسلام دينا ومعتقدا، إسلام الصحراء التي يتفنن هؤلاء الشاذون اليوم في سبها وهجاء كل ما ينتسب إليها.


فأين قوميتهم من ذلك؟ إنها مشوشة جدا، ولا تكاد تلمح لها وجها، إلا ما اتصل بفئتهم وتبنى نظرتها للحياة. هنا يجتمع العاملان القاتلان في تحويل هذه الفئة من الناس إلى وبال على أوطانهم. العامل الأول عامل غربتهم والعامل الثاني عامل انغلاقهم وطوباويتهم. ليجعل كل شعب حكموه ضحية من ضحايا التاريخ (انظروا إلى مجازر سوريا ومذابح القذافي وسجون عبد الناصر وكيماوي صدام) وانظروا إلى كم السطحية النضالية التي يعيشها هؤلاء، حين رضوا في السنوات الأخيرة من الغنيمة بالإياب ومن الممانعة بالكلام ومن النضال الواقعي بنضال النظرية والحرب خارج الحدود، وبأيدي الآخرين.


إنها عبادة الذات، وليست تماثيل حافظ الأسد سوى مخرج واحد من مخرجات هذه العبادة. وليست المؤامرة التي تستغرق كل شيء في هذا الدنيا سوى وجه من وجوهها. والمؤامرة المتضخمة هذه برهان أكيد على شيء يسمونه في علم النفس بافتراق الأضداد، أي تلاشي المناطق الرمادية من الحياة وسيطرة الأبيض والأسود فقط. فأنت إما ممانع أو خائن. وأنت إذا لم تؤيد إجرام الأسد فأنك عميل لساركوزي والأطلسي. وإن لم تكن (عربيا) على طريقتهم فأنت صهيوني تفوح من عباءته رائحة النفط والدولار. وافتراق الأضداد هذا بالمناسبة مرض نفسي لا يبقي ولا يذر. وكل ذلك نتيجة طبيعية لذوات غير طبيعية تقمصت فكرا قادما من غياهب الشذوذ الفكري. والنتيجة الحتمية أن تحتقر هذه الذوات كل آخر، حتى لو كان أهلها وشعبها، وأن يكون هذا الاحتقار والشذوذ والبؤس الإنساني هو الرصاص الحقيقي الذي يوجه إلى رؤوس الأطفال وأجساد الشيوخ وبطون الحوامل...


لا تنظروا إلى جرائمهم فحسب بل انظروا إلى كلامهم ومقالاتهم في جرائدنا. انظروا إلى تعلقهم بالكلام وتحاشيهم للواقع. انظروا لأفكارهم العمومية التي تتحاشى الدخول في التفاصيل، لأنها جاهلة ولأنها تعتقد نفسها قد احتكرت الحقيقة وقبضت على أصلها البعيد. انظروا إلى رومانسياتهم العتيدة التي جعلتهم بعضا من مخلفات عصور بالية.


انظروا إليهم أصناما في عالم من الأصنام، وادعوا الله أن يعجل بيوم يتحطمون فيه مع كبيرهم.....

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير