مقالة يوميّة بـــ ِ 333 قرشاً !
في سنة 2004 عدت ُ للعمل في صحيفة " العرب اليوم " ، بعدما كنت عملت لوقت قصير فيها " مندوبا ً ومديراً لمكتبها في مادبا " في بداية التأسيس ( 1997 ) / وكنت غير متفرّغ للمهنة حينذاك .. وفي رحلة العودة إلى العمل كنت غير متفرّغ، وعملت مندوبا ً للصحيفة في مادبا و جوارها .
.. في شهر رمضان من السنة التي تلت ( 2005 ) ، كنت كتبت ( متطوّعا ً / بلا مقابل ماليّ ) نحو 27 مقالة ً يوميّة في ملحق رمضان الذي أصدرته الصحيفة وكانت تشرف عليه زميلة محترمة، لم أكن أعرفها حينها.
.. بعد انقضاء شهر الصوم المبارك، بفترة قصيرة، كنت أكتب تقريراً يتعلّق بأحوال الناس في مادبا، وكنت استخدم الكتابة الورقيّة (ما أجملها !) وكنّا نرسلها للصحيفة من خلال جهاز ( الفاكس ) أو باليد .. المهم أنّي كنت أكتب منجعياً وأجهّز مفاتيح التقرير وعناوينه، و إذا باتصال هاتفيّ من سكرتيرة رئيس التحرير، ولم أكن اتصلت بها من قبل ولم تكن هي فعلت كذلك، وقالت لي بالحرف : الأستاذ ( أبو حسام ) يريد الحديث معك!
.. سألتها : من هو أبو حسام، في لحظة ارتباك ، ونسيت أن رئيس تحريرنا آنذاك، أقصد رئيس تحرير العرب اليوم ( حين كانت العرب اليوم) هو الأستاذ المحترم طاهر العدوان ( أبو حسام ) الذي كنا نحبه ونحترمه وما زلنا كذلك .. ومن فوري نفضت الغبار عن دماغي وأزحت شيئاً من توتري وارتباكي الذي جاء بسبب أنّ هذه المكالمة الأولى في الحياة التي ستكون بيني وبين الفاضل رئيس التحرير، و ربّما لم نتحدث مشافهة قبل ذلك بالمرّة .
.. كنت منجعياّ فوق سرير متهالك وأكتب عليه، هكذا كانت عادتي المحبّبة، ونهضت جالساً، و انتظرت صوت العم أبي حسام، فجاء وقال بالحرف: مرحبا ماجد كيفك؟
فقلت : الحمد لله ، هلا عم ّ أبو حسام .
فقال : اسمع ، مقالة يوميّة خمسة أو ستة أيّام في الأسبوع ، مائة وخمسين كلمة أو حولها ، كتابة اجتماعية قريبة من الناس كما كنت تكتبها في ملحق رمضان ... هل أنت جاهز لذلك؟
قلت ومن دون تلكؤ: نعم سأكون جاهزاً في الوقت المحدّد .
قال: على بركة الله، طيّب ، جهز أنموذجين أو ثلاثة وهاتهم يوم الخميس .
... وكان أن جهزت المطلوب بما يليق، وخصّصت المقالة الأولى للتعريف بالفكرة وبالزاوية و حملت النماذج وسافرت إلى العاصمة ووصلت إلى الصحيفة ودخلت إلى مكتب رئيس التحرير و سلّمت عليه ورد السلام بطريقة اوحت إليّ أنه لا يعرفني أو لا يعرف شيئاً عن الموضوع .
... الأمر هذا كان يوم الخميس 1 / 12 / 2005 ، وكان في مكتب رئيس التحرير نائبه الأستاذ محمد كعوش ، قلت : أستاذ طاهر أن طلبت منّي نماذج لمقالات لزاوية يوميّة، نظر في وجهي بشكل سريع و قال : خلص ابعثهم عند ( ... )، زميلة كانت تجهز الصفحة التي كانت تنشر زاويتي .
... قلت له شكراً وغادرت وكانت توقعاتي أن لا مقالة ولا زاوية ولا ما يحزنون وأن الرجل ألغى الفكرة من ذهنه، هكذا أوحى إليّ سلوكه في الدقائق القليلة التي قابلته فيها قبل قليل .
...
ابتداء من، بعد يومين من القصة ، الأحد 4 / 12 / 2005 ، كانت المقالة الأولة وكما حدّدتها .. واستمرت الزاوية إلى ما قبل استقالتي ( بلا سبب وبمزاج غير مستقر وحسب) بأسبوع ، وذلك في شهر تشرين الأول لسنة 2006 .
.. كان مجلس التحرير، كلّما يناقش المقالات والزوايا ، يعطي رأيا ً بالإجماع أن مقالة ( المجنون ماجد شاهين ) تُعدّ واحدة بين الأكثر تميّزاً في الكتابة الاجتماعية ( ساخرة قليلا ً وناقدة و إنسانيّة ) على مستوى الصحافة المحليّة كلّها .. هكذا كان يقول رئيس التحرير و سواه .
... ولأن ّ الكتابة كانت مميّزة والعمل الصحافيّ كان متقنا ً / مهنيّا ً و معلوماتيّاً و شموليّاً / قرّر رئيس التحرير بعد ثلاثة أشهر من إطلاق المقالة صرف مكافأة مالية للكاتب ماجد شاهين مقابل المقالات اليوميّة .
... المكافأة كانت مائة دينار، قرّروا صرفها لي ولزميلي الكاتب المبدع إبراهيم جابر إبراهيم عن زاويته المقابلة لزاويتي في الصفحة ذاتها وبعدها تبدلت المواقع .
....
مائة دينار عدّا ونقدا، تلك كانت مكافأة لكاتب قالوا إنّه من أفضل مجموعة كاتبين متخصصين في المقالة الاجتماعية والساخرة ، نعم هكذا ، وبحسبة سريعة تكون مكافأة المقالة الواحدة أربعة دنانير و خمسة وخمسين قرشاً ( يوميّا) في حال كانت المقالة لخمسة أيّام في الأسبوع ( 22 يوماً في الشهر) ، وتكون المكافأة ثلاثة دنانير وثلاثة وثلاثين قرشاً ( يوميّا) في حال كانت المقالة لستة أيام في الأسبوع ( 25 - 26 يوما ً في الشهر).
....
يا بلااااااااااااااااااااااااااااااش !!
مقالة بحبرها و دمها وروحها وفكرها وورقها وما يتبعها من ملاحظات ونتائج ودورها في تقديم ما ينفع للناس أو دورها في تطوير الوعي نحو قصص وحكايات شعبيّة وغيرها ... هذه المقالة الواحدة كانت بسعر يتراوح بين ( 3.33 - 4.55 ) ديناراً أو في الأصح ّ بين ( 333 قرشاً - 455 قرشاً ).
.. كانت الأوقات طيّبة، رغم ما كنّا نقرؤه في الملامح والوجوه، ورغم الذي كنّا نراه من بدايات ( التجزئة الإعلامية والتفتيت والسقوف التي لهذا دون ذاك)، فالأوقات كانت نافعة.