2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

في أحوال الكلام والكتابة !

ماجد شاهين
جو 24 : ( 1 ) اقتراب من النصّ !

لا ينفع ، ورغم التزويق والتلوين ، أن نكتب نصّا ً من غير روح ٍ أو من دون فاكهته .. و التحريض فاكهة النصّ / فاكهة الكتابة ودمها .. الكتابة ورغم اتّساع نطاق حضورها ووجود مئات آلاف الكاتبين ، لا تنبني على رواية تالفة أو وعي غائب !

والنصّ ُ بلا تحريض أو موقف ٍ لا يساوي الحبر الذي أريق له أو الوقت الذي استغرق لإخراجه إلى الهواء ... فحين يفقد النص ّ جذوة التحريض يصير بلا لزوم ويظلّ عاجزا ً ، ولا يمكث في ذاكرة الناس .. والتحريض بوح / قول / تفكير / اعتراض ٌ / اقتحام ٌ يرافق ذلك مقدرة على القول والتفتيش .

وإذا ما اتفقنا على أنّ للنص ّ روحا ً يتحرك بها ومعها ، فإنه ( أي النصّ ) إذا غابت عنه فكرة الاقتحام ( من دون إيذاء ) يفقد فاكهته ويصير بلا ماء ولا ذاكرة ويغدو بالضرورة بلا ساقين ، فيما تكون روحه خاوية أو جافّة أو تكاد أن تذوي ... والمطلوب من النصّ / الكتابة ، التوغل في جوّانيات المشهد ، ولا يكتفي بقراءة مستعجلة هنا أو هناك .

حتى في العشق لا تنفع كتابة من دون تحريض ٍ على الاقتحام ، أي الشجاعة في الاقتراب من الآخر ، ولا ينفع شوق ٌ من دون تحريض .. وهنا يأتي دور النصّ وتحضر ُ اقتحاماته .. وفي الخراب لا ينفع سوى الوضوح كذلك ، فالكتابة عن الخراب لا تجدي بالتحسيس عليه أو الإشارة من بعيد ٍ نحوه ، بل بالغوص في تضاعيف أدواته والبحث
عن وسائل نافعة لطرد العفن ، من دون صراخ فارغ !

كنت ألملم ُ ما خبأته ذات تجل ّ ٍ ، هنا جملة ، هنا فاصلة .. هناك نصف كلمة وهناك خصلة من كستناء أو من شعر تركته راحلة في ذمة الورد ريثما تعود ... كنت أحاول الكتابة في النص ّ وشروطه ، فاقتربت من أوراق في الزوايا فوجدت نصّا ً يمكث قريبا ً من وجه فتاة طالعة لتوّها من شقاء التراب ، اقتربت من النصّ / الفتاة / الوجه / التراب ... وكان النصّ !

الكتابة عن الوجد وجد ٌ وجوى ... والكتابة بلا انشغال حقيقي ّ ، لا تعني سوى هرطقة أو تسويد بياض ٍ مؤقت ... الكتابة انزياح إلى جهة الحياة والموقف ، وما دون ذلك احتراف ٌ للعبة الغياب !


( 2 ) حين نقرأ سؤال النافذة !

افتحوا الشبابيك !

.. جملة يطلقها كاتبها في الأرجاء ، ويفسرّها عديدون وفق أحوالهم واهوائهم وأمزجتهم وتقلّبات أوجاعهم و ربّما وفق ما يحتاجونه من هواء أو ما يرغبون في طرده من هواء !
..
حين يفتح أحدهم النافذة ليستقبل كميّة ً إضافيّة من الهواء يحتاج إليها ، قد يكون آخر يفتح النافذة ليشمّ رائحة ورد ٍ ينتظرها .. و هناك ثالث يفتح النافذة ليطرد ما يمكن طرده من الروائح التي لا تروق إليه و قد يكون رابع ٌ يريد أن تنفتح النافذة لكي يرى الشمس أو القمر أو اليمام القريب .. فيما خامسٌ يفتح النافذة لكي يسمع أصواتاً واضحة ً يصدرها متعاركون في الجوار أو لكي يسترق السمع أو النظر إلى آخرين يلوذون بزاوية هنا او هناك ويتهامسون .
..
تلك حكاية الكتابة ، والجملة التي يقرؤها كثيرون فتصير جملة ً جديدة مع كلّ قاريء جديد ، وتحمل معنى مغايراً في كلّ مرّة تنفتح فيها النافذة !
..
الكلام قد يفتح النوافذ والشبابيك و يطلّ إلى الناس والشمس والهواء والنهار والليل والورد والمنازل العتيقة و المصاطب والشوارع الضيّقة والأرصفة و الأزقّة التي تفضي إلى اشتهاءات أوقاتنا وبوحنا .
.. وهكذا الكلام ، ينفع حين نفتح النافذة ، إلا ّ في حال ٍ نمقتها ، تلك يصير الكلام عنها قاسياً و قد تعلق به رائحة العفن و يذوي معه الورد ، إنّه كلام التلصّص !
..
افتحوا النوافذ على الأشياء كلّها ولكن دعوها مغلقة في وجه سارقي اللحظة ، لا تفسحوا في المجال فرصة ً لــ ِ ( معكّري الصفو / يابسي القلوب والمشاعر ) أن يذهبوا بأوقاتكم الجميلة و يفسدوا عليكم بهجتكم .
..
لا ينفع أن نفسّر كيف تنفتح النافذة !
ولكلّ كائن نافذته و هواؤه و زقاقه و وقته و قراءته للنافذة والهواء .



( 3 ) الفاصلة حاضرة !

الفاصلة ُ حاضرة ، والنقطة وعلامة التعجّب و علامة الاسفهام والحروف الكثيرة ، كلّها هنا عند صندوق الكلام .. لكنّ !
.. هل تنفع الكلمات فوق سطور مرتبكة ؟
.. لا تنفع الكتابة حين تغدو الفكرة ملتبسة و غائمة و ناشفة الريق !
الفكرة جائعة ، رغم أنّ " طعام الحروف " لا يغيب و ماء الكلام زلال و الورق ناصع كما القلب النقيّ .. الفكرة جائعة ولا يطيب ُ لها طعام ٌ ، فلسانها يابس ٌ و الماء لا ترطّب ريقها الناشف .
...
الفكرة ضجرة ٌ !
و الحرف ُ يتوه بين علامتيّ التعجّب والاستفهام ، و الصفحة اكتفت بالبياض !
.. الفكرة ، وفي طريقها إلى ترطيب اليباس ، تحاول أن " تقطع " الشارع ، فتتريّث و تُفزَع ُ من خشية أن تدهمها مركبة طائشة أو تطالها شتيمة من غاضب ٍ فقد جيوبه .
.. ماذا لو التقت فكرة ُ الغاضب الذي فقد سرير بوحه وفكرة الغاضب الذي نفد رغيفه و فكرة الغاضب الذي تغيّر طعم الماء في فمه و فكرة الغاضب الذي ذهب ليخلع ضرسه الموجعة فوجد نفسه عند " إسكافيّ " في زاوية الشارع ؟
..
الفكرة حين لا تجد رصيفها ، تُجَن ّ ُ !
و الكلام حين يفقد رغيفه ، يغدو " هرطقة ً " و محض َ هراء !
..
الفكرة مرتبكة ٌ يشوبها التباس و يعتورها وجع ٌ و يعوزها أن تغوص عميقا ً في البحر ، لكي تترطّب !
.. في انتظار أن تعود الفكرة من بحرها ، أخشى أن يبهت لون الكلام !



( 4 ) لا كلام !

لا كلام !
.. المفردة الطالعة من البال تترنّح في طريقها إلى الضوء ، فتسقط ُ هباء ً !
.. الحروف تنهمر بلا معنى ، ما الذي " يرنّح ُ " المفردات فليفّها دوار الرأس و تنفقد منها البوصلة ؟
....
الرأس ليست متصدّعة / مصدوعة .. لكنّها تتدحرج كيفما اتفق فيطير الكلام بلا كلام و ترتطم الحروف بالجدران .
.. كأنّما آخر الليل تصير الغين سيناً و الفاصلة علامة استفهام ، ويصير الدفتر " صحن َ بطاطا " والكتاب ُ يغدو " برميل كاز " !
....
هكذا حين يترنّح الجسد و تدور الرأس بسطوة " كأس ماء نقيّة " أو بـــ ِ
" رشفة زائدة " من بن ّ ٍ رديء .
.. هكذا تتكبّد الكلمات خسائر بوح ٍ فادحة حين تروح الرأس إلى " انهماك في رائحة الطريق " ، كأنما الطريق خسرت الندى وربحت " العطب " !
....
حين تترنّح الحروف وتهرب من " ضفائر الكلام " ، ذاك يسمّونه ( دوار الحرف ) أو أنّ " الكلام يغادر مواعيده " !
.. حين " لا معنى أو لون في الحرف " ، يكون " البُنّ " غدا تراباً أو طيناً
، و تكون " أقلام الرصاص " غدت " عيدان نبش الأسنان " بعد و جبة التهام فاسدة .

لا كلام ، ولا شيء في الرأس سوى دوارها !


( 5 ) الكاتب و لون بشرته واسم جده العاشر !

القاريء العربيّ ، باستثناءات محدودة ، بارع في محاولة " التغميس خارج صحن الكلام " .. العرب ُ يحاكمون الكاتب ولا يحكمون على كتابته و يحاكمون مكان الكتابة ولا يحتكمون إلى الفكرة المكتوبة ، و يحاكمون نوايا يفترضونها في ذهن الكاتب ويسألون عن أصل الكاتب و فصله و لون بشرته و اسم جده العاشر ، ولا يحكمون على المفردة الواضحة !
... العرب ، وكثيرون منهم يسعون بيننا ، في شوارعنا و في أماكن جلوسنا ، يؤلّفون الحكاية و يصدقّونها ويدفعون الناس إلى تصديقها ويختصمون حولها و يشعلون الحرائق لكي يكتوي بالنار من يختلف معهم .
...
المدهش والمخيف والمميت والخارج عن السياق ، أن ّ العربيّ حين يجد من يتفق مع فكرته ، يهبّ رافضاً فكرة الاتفاق و يصل به الأمر إلى نفي فكرته التي كان طرحها وصارع لأجلها محاوريه ومجاوريه ، ثمّ لا يتورّع عن الزعم بأنّه كان يجرّب وحسب أو كان يلهو وحسب أو كان يمازح وحسب .

... هكذا نحن ، نتقاتل من أجل فكرة ، و ننزع إلى نشرها بالقوّة والعنف ، وحين يقترب منّا الآخر ، ربّما ابن جلدتنا وشريكنا في الحياة ، وحين يرضى الآخرون بالأمر الواقع و عندما يقتنعون بالفكرة ، نعود إلى إقصاء الفكرة من أساسها و نطلب إلى الآخرين أن يقبلوا بلعبتنا وشروطنا .
.. العربيّ ، و في جملة مختصرة ، قد لا يعرف ماذا يريد !


( 6 ) و أخيرا ً : لماذا الكتابة ؟


لماذا تكتب هنا ولماذا لا تكتب هناك ؟
هنا ، لا تعني المكان ، بل تعني الموضوع والفكرة والظرف !
هذا سؤال الأصدقاء وغيرهم ،
وكأنّما هم يطلبون كتابة على المقاس السياسيّ أو الاجتماعي ّ أو اليوميّ الخاص بهم لوحدهم ... ويغفلون ، عن قصد أو سهو ٍ ، أن ّ الكتابة حالة تمليها أو تفرضها شروط أخرى في ذهن الكاتب ، ومن أبرزها : الوعي والوجع والموقف وحاجة الناس ، والمقصود بحاجة الناس هو ما يظنّ الكاتب أن الناس تجتمع عليه أو تناقشه أو تستفيد من إثارته .. أو هي الكتابة التي تدافع عن الناس .

والكتابة قد تنفلت من هذا وذاك وتتجه نحو ( اللحظة ) ، فالكتابة اليوميّة هي بنت اللحظة وبنت الشارع وبنت الأصوات الصادرة عن ضجيج الناس وشغبهم و أصوات العربات و عن لون الجدران ولون الشارع وعن تقاطعات السعي نحو الحياة الحرّة ، والكتابة لا تنبني على مزاعم وادّعاءات وتخرّصات وأوهام ، وإلا ّ فستكون هنا كتابة الفزعة والفراغ و التسلية ... ولن نقترب من الفزعة والفراغ والتسلية إلا ّ بالقدر الذي لا يجرح ولا يهدر الوقت ولا يهد ّ العزائم .

ماذا استفدنا من الكتابة و وجعها ؟
السؤال في يقيني ساذج و تافه و خبيث ،
والأكثر جدوى و نفعا ً أن يكون السؤال : ماذا استفاد الناس من كتابة هنا أو هناك ؟
والإجابة متروكة لوعي الناس وتقديرهم و تقييمهم وتقويمهم .

الكتابة حياة وبوح وشجن وارتباط بالناس ،
والكتابة قتال شرس إذا استلزم الأمر للدفاع عن الحق والخير والجمال والحريّة ،
والكتابة مشروع مفتوح على الوعي والتنوير .

بغير ما قلناه في السطور السابقة ، لا نفهم الكتابة ، بغير عين القاريء و بوصلته لا نفهم الكتابة ، بغير التواضع واحترام تجارب الآخرين لا نفهم الكتابة ، وباختصار : من دون الناس لا تنفع كتابة ولا ينفع حبر !
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير