عرانيس و جيران !

بائع ُ " عرانيس الذرة المسلوقة " ، اكتفى بــ ِ " عشرة عرانيس " اشتراها سائق الباص للمسافرين معه إلى مدينة مجاورة .. و عربته الخشبية ، التي تتحرك بعجلات ثلاث ، ركنها إلى رصيف و نادي طفلا ً لكي يبيع و يحرسها و يأكل ما يشاء من العرانيس .
البائع ، بالثياب التي لها رائحة الذرة ، اقتعد مكانا ً ليس بعيدا ً عن الشارع و لكنه على مسافة ليست قريبة من " العربة " .
الولد / البائع البديل / كان ينادي لكي يبيع .
البائع جلس هناك و أخرج " قصاصات ورقيّة " من جيوب بنطاله و قميصه ، و لم يستهلك أكثر من عشر دقائق لكي يطلّ إليها ، إلى أوراقه ، ثم عاد و دسّها في كيس من الخيش كان يحمله مربوطاً إلى يد العربة الخشبيّة ، ورجع إلى مكان جلوسه و دس ّ يده إلى داخل سرواله ، و أخرج دفترا ً صغيرا ً من جيب ٍِ السروال الداخليّة .
تناول القلم القريب و كتب : بعنا عشرة عرانيس واكتفينا بما قالته امرأة سألت عن لون العرانيس و لم تشتري .. و ننتظر أن نلمح وجها ً في طرف الشارع .
و أعاد الدفتر إلى جيب السروال .

في أثناء مناداة الطفل لكي يستدعي المشترين ، كان صوت من عند مجاورين ، ينهر الطفل و يدعوه لكي يغادر المكان أو يخفض صوته ، فثمّة امرأة لم تنم منذ عشر سنين ، كان أصابها وجع ٌ في الصدر و ضاقت أنفاسها ، تريد أن تنام .
**
نهض البائع و اقترب من دلو العرانيس و أخرج منه ستّة عرانيس
و وضعها في كيس ٍ أسود اللون و ناولها إلى الطفل لكي يبعثها إلى حيث الجيران .

لم يفطن البائع إلى أن العرانيس نفدت / الدلو غدا فارغا ً ، إلا ّ حينما حاول أن يمنح الطفل شيئا ً من الذرة المسلوقة .

الشارع فارغ تماما ً
لا عربة ولا عرانيس ذرة مسلوقة
و لا بائع يقتعد الرصيف
و لا طفل صغيرا ً ينادي في الناس
و لا دفتر خربشات
و لا امرأة تنتظر
و لا جيران ينهرون الباعة
و لا شيء واضحا ً سوى عشر نساء مريضات بالفراق و شخص يحلم أن يبيع الناس ما يشتهون .
كان عامل النظافة يحلم أن يغدو بائع ترمس ٍ أو بائع عرانيس ذرة مسلوقة و يحلم أن يرى امرأة كانت ناولته رغيفا ً بالزيت والزعتر و قدّمت له عند الرصيف كأسا ً من الشاي ، حين كان يجمع القمامة .
فطن إلى صوت ٍ خشن ٍ يناديه و يطلب إليه أن يصحو إلى موعد عمله .