jo24_banner
jo24_banner

الاستراتيجية التركية تجاه سوريا

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : مرتكزات أساسية تحكم السلوك السياسي والعسكري التركي تجاه سوريا ، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي فيها ، فمنذ ما قبل استقلال الدولة السورية ، شكلت أزمة الحدود المرتكز الاول الذي يحكم مستوى العلاقات بين البلدين ، وكان لاقتطاع لواء الاسكندرون بتواطؤ من فرنسا ، الأثر البالغ في استمرار حالة التوتر وعدم الثقة بينهما على مر العقود ، لا بل فان انقرة لا تخفي أطماعها في مدينة حلب ، باعتبارها من أملاك الدولة العثمانية ، وهذا بالطبع ينطبق على الأطماع التركية في شمال العراق ، وتحديدا في مدينة الموصل .

المرتكز الثاني في السياسة التركية تجاه سوريا ، وايضا بغض النظر عن طبيعة السلطة السياسية فيها ، المسألة الكردية وتاثيراتها على الحلم التاريخي للأكراد في اقامة دولتهم العتيدة ، وانعكاساتها على الأمن القومي التركي ، والمحاولات التركية الدؤوبة لاجهاض اية امكانية لمنح الأكراد حكما ذاتيا ، في اي بقعة من الدول التي يتواجدون فيها ، لكنها في الشأن السوري تتلخص بالاضافة الى ذلك ، في مطاردة حزب العمال الكردستاني ، وهذا ما وسم العلاقات السورية التركية بالتوتر ، حتى توقيع اتفاق اضنة عام 1997 م ، والذي انهى وجود الحزب بشكل علني في الأراضي السورية ، وابعاد زعيمه عبدالله اوجلان عن دمشق .

تستخدم انقرة عامل المياه لتضييق الخناق على كل من دمشق وبغداد ، وهي بحكم سيطرتها على منابع نهري دجلة والفرات ، تستخدم ورقة المياه كورقة ضغط لتحسين شروطها التفاوضية مع العاصمتين ، كما ان اقدام تركيا على بناء سد اتاتورك ، أدى الى تقليل حصة البلدين من المياه ، وساهم في تقليل منسوب المياه في نهري دجلة والفرات ، الامر الذي ادى مع الجفاف الذي اصاب المناطق الشمالية الشرقية من سوريا ، الى هجرات كبيرة باتجاه مراكز المدن ، مشكلة احزمة من المناطق الفقيرة والمهمشة ، والتي شكلت بيئات حاضنة للجماعات المسلحة في الأزمة الحالية .

المرحلة الاستثنائية في تاريخ العلاقات بين البلدين كانت بعد تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في انقرة ، حيث وقع البلدان العشرات من الاتفاقيات التي تعزز وتطور العلاقة بين البلدين ، لكن هذه العلاقة اصيبت بانتكاسة مرة اخرى بعد تفجر الأوضاع الأمنية في سوريا مطلع عام 2011 م ، وانحياز تركيا الى المعسكر المنادي باسقاط الرئيس السوري بشار الاسد .

استفادت تركيا من العاملين الجيوسياسي والطائفي في تحكمها بالجزء الأهم من الملف السوري ، فتقديم أراضيها كمنطقة دعم واسناد للجماعات المسلحة ، واستضافتها للعديد من قيادات المعارضة السورية ، واحتضانها للعشرات من الاجتماعات والمؤتمرات للمعارضة السورية ، كل هذه العوامل وغيرها مكنت انقرة من لعب دور محوري في ادارة الأزمة السورية ، وهيأت لها من الظروف والمعطيات لتقدم نفسها للغرب ، ولواشنطن تحديدا باعتبارها القوة الاقليمية التي يعتمد عليها في ضبط ايقاع المنطقة والتحكم بمسارات الحل فيها ، وتحديدا ملف الصراع العربي الاسرائيلي .

لطالما انتظرت تركيا المبررات للاعتداء على سوريا ، وما اقدمت عليه انقره من تحشيد لقواتها على الحدود السورية عام 1957 م ، انتصارا لحلف بغداد ، واستعدادها لاجتياح الاراضي السوري ابان حرب تشرين المجيدة ، وتهديدها المستمر في الوقت الراهن لسوريا وامنها الوطني ، الا دليلا على الاحلام العثمانية لتركيا في اعادة امجادها الغابرة في دمشق ، ولا زالت تركيا ومن خلفها واشنطن تعمل على ضرب محور ( طهران – بغداد – دمشق ) ، لصالح محور يضم مجموعة من الدول على المقاس التركي ، تكون فيه لانقرة اليد الطولى في التحكم بسيادتها وارادتها ومخزوناتها الاستراتيجية ، وبالتالي شرق أوسط كبير على المقاسين التركي والأمريكي .

تحلم تركيا بسوريا خالية من الأسد ، كما تحلم بخطوط النفط والغاز القادمة من العراق والخليج العربي ، تعبر الأراضي السورية باتجاه ميناء جيهان التركي ، وتحلم ايضا في التحكم بأكبر مخزون للنفط والغاز ممتد من أقاصي شرق سوريا حتى البحر المتوسط ، وداخل المياه الدولية المقابلة للشواطيء السورية ، وربما تحلم بان تستحوذ على أوراق الشرق الأوسط الكبير كلها ، لكن حسابات الحقل ربما لن تتطابق مع حسابات البيدر ، نظرا لحساسية الملف السوري ، الذي يحتاج الى تسوية ربما خارج الحسابات التركية ، وربما لا يحقق أحلامها ، هذا ان لم يكن لسوريا الجيش والشعب ، ولحلفاء سوريا ، كلمة الفصل في وضع حد لهذا النزاع الطويل والدامي .
تابعو الأردن 24 على google news