jo24_banner
jo24_banner

الثورة ... النكسة ... التصحيح في سوريا

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : شكلت ثورة الثامن من اّذار عام 1963 م ، الخلفية الرئيسية ، لقراءة المشهد السياسي السوري ، منذ ستينيات القرن الماضي ، حتى يومنا هذا ، حيث عززت من سيطرة المؤسسة العسكرية السورية على مقاليد البلاد ، مدعومة بأحزاب الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين ، بدءا من حزب البعث ، ومرورا بالناصريين والقوميين والشيوعيين ، وإن شاب هذه الأحزاب بما فيها البعث ، بعض الإنشقاقات والاستدارات والتغيير في التحالفات ، والتي اخذت في معظم الأحيان ، طابعا مناطقيا او طائفيا ، حتى داخل البعث نفسه ، حيث برزت ( اللجنة العسكرية ) ذات الطابع الطائفي ، ومجموعات اكرم الحوراني وامين الحافظ وجاسم علوان ذات الصبغة المناطقية .

جاءت الثورة بقيادة أحزاب ( البعث والناصريين والمستقلين ) ردا على الانفصال الذي قام به ضباط دمشقيون مدعومون من البرجوازية التقليدية ، وتم تشكيل المجلس الوطني الاول برئاسة لؤي الاتاسي ، الذي استقال ، قبل ان يقوم البعثيون باحكام سيطرتهم على الثورة ، وعلى مقدرات البلاد بشكل عام ، والتخلص من الكتلة العسكرية الأتاسية ممثلة ب ( لؤي الاتاسي ، فيصل الاتاسي ، زياد الاتاسي ) ، بالاضافة الى التخلص من كتلة الضباط الدمشقيين عبر الثورة على الانفصال .

واجه البعث العديد من التحديات ، كالمعركة مع الناصريين وعبد الناصر من خلفهم ، الذين اعتبروا انفسهم اصحاب الثورة الشرعيين ، كما واجه الحزب عصيانا مدنيا في حماه ، قادته جماعة الاخوان المسلمين بقيادة مروان الحديد ، الذي سيكون له ولتحركه لاحقا ، أثرا بالغا في سيرورة التحولات والصراعات ، على طبيعة المشهد السوري حتى يومنا هذا ، وواجه البعث أيضا صراعات كبيرة بين أجنحة الحزب المتناحرة ، انتهت بسيطرة القيادة القطرية للحزب ممثلة باللجنة العسكرية ( محمد عمران ، صلاح جديد ، حافظ الاسد ، واخرون ) على الحزب والدولة ، واللذين عينوا نور الدين الاتاسي ( حمص ) رئيسا للجمهورية ، كرسالة تطمين للشارع السياسي في المدن التقليدية ، التي أخذت تميل رويدا رويدا ، باتجاه التيار الإخواني في البلاد ، بعد ان تخلصت اللجنة العسكرية من قيادة الحزب التاريخية ( ميشيل عفلق ، منيف الرزاز ، شبلي العيسمي ، امين الحافظ ، صلاح البيطار ، اكرم الحوراني ،... ) ، وقد أوكل الحزب المهمات السياسية والمدنية الى شخصيات مثلت الريف السوري بشكل عام ، وبعض الاسماء المنحدرة من البرجوازية التقليدية ، فيما سيطرت اللجنة العسكرية على الجيش ، الذي كان يتحكم بكافة المفاصل المهمة للدولة ، بعد ان أقدمت على إبعاد الكثير من الضباط المشكوك بولائهم للقيادة الجديدة ، وخاصة الضباط المنحدرين من البرجوازية التقليدية ، بحيث أصبحت سمة قيادة الجيش ذات ملامح طائفية .

تفاقمت الخلافات داخل اللجنة العسكرية ، اثر نكسة حزيران عام 1967 م ، حيث حمّلت اللجنة العسكرية بقيادة الرجل الأقوى في الحزب والجيش ( صلاح جديد ) مسؤولية الهزيمة الى وزير الدفاع اّنذاك حافظ الاسد ورئيس أركانه مصطفى طلاس ، ووصل الصراع ذروته ، بعد أحداث ايلول عام 1970 م ، عندما أرسل صلاح جديد قواتا عسكرية لاجتياح الاردن ، دعما للفصائل الفلسطينية في قتالها ضد الجيش الاردني ، وامتناع الاسد عن تقديم التغطية الجوية لهذه القوات ، الأمر الذي دفع بالقيادة القطرية للحزب ، الى اقالة الاسد وطلاس ، واحالتهما الى محكمة حزبية ، لكن الاسد لم ينصع للقرار ، وقام بحركة انقلابية ضد رفاق الامس ، فيما سمي بالحركة التصحيحية .

لم يصل الأسد الى السلطة في قلب دمشق ، إلا وكان قد هيأ الاجواء ، بما يتناسب وطموحاته السياسية ، فقد وضع ابناء ريف اللاذقية ، في المناطق الأكثر تأثيرا ونفوذا في الجيش ، مع حفاظه على مناصب رئيسية لابناء البرجوازية التقليدية المضمون ولاءهم للسلطة الجديدة ( مصطفى طلاس ، حكمت الشهابي ، عبد الحليم خدام ، محمد زهير مشارقه ) ، فيما ترك السلطة الحزبية والسياسية ، لأبناء الريف السوري ( عبدالله الاحمر ، محمود الزعبي ، ناجي جميل ، محمد جابر بجبوج ، .. ) ، اما السلطة الاقتصادية ، فتركها الأسد لأبناء المدن التقليدية ، لاسترضاء الغالبية السنية القادرة على تزكية النظام ، باعتباره نظاما وطنيا ، يمثل كافة الشرائح الاجتماعية في البلاد ، بالاضافة الى استفادته من قدرات هذه البرجوازية في دعم الاقتصاد الوطني ، والانفتاح على الدول العربية ، وخاصة دول الخليج .
تابعو الأردن 24 على google news