jo24_banner
jo24_banner

سوريا والاسد الابن

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : سياسة الانفتاح الاقتصادي ، التي رافقت العهد الجديد ، للرئيس بشار الاسد ، ارتكزت على فتح المجال وتقديم التسهيلات للبرجوازيتين المالية والعقارية ، على حساب البرجوازيات الصناعية والزراعية والسياحية ، والبرجوازيات الصغيرة ، المتمثلة بقطاعات الحرفيين والمهنيين وصغار الكسبة ، والتي تساهم في إضفاء بعدا اجتماعيا على التنمية الاقتصادية ، حيث اقتصر نشاط البرجوازية المالية على قطاعي الأسواق المالية والخدمات ، فيما نشطت البرجوازية العقارية في تجارة الاراضي والعقارات ، وتشييد عقارات جديدة ، بحيث أدى ذلك الى تشكيل طبقة غنية جديدة ، استفادت من قربها من النظام ، على حساب البرجوازية التقليدية ، فاستحوذت على معظم النشاطات الاقتصادية المتنامية ، فيما أغرقت البلاد بالعديد من الشرائح الفقيرة والمهمشة ، خاصة في القرى والبوادي والأرياف ، كما أن تطور العلاقات التركية السورية ، وتوقيع العشرات من الاتفاقيات الثنائية ، فتح أبواب الاسواق السورية على مصراعيها ، لتدفق البضائع التركية ، ومنافسة المنتجات السورية في عقر دارها ، لا بل فقد زاحمتها في أسواقها التقليدية ، كالعراق والخليج العربي ، مما أضعف الاقتصاد السوري ، وحد من قدرته على النمو ، ترافق ذلك أيضا ، مع موجات الجفاف ، التي اجتاحت شمال البلاد وشرقها ، وتقنين أنقرة للمياه المتدفقة على نهر الفرات ، العصب الرئيسي لري المناطق الزراعية الشمالية والشرقية ، مما ساهم في دفع مئات الالوف من الفلاحين ، للهجرة الى مراكز المدن ، مشكلين أحزمة واسعة من المناطق المهمشة ، والتي تفتقر للحد الأدنى من مقومات العيش الكريم ، كما شكلت هذه الأحزمة ضغطا كبيرا على البنى التحتية لمراكز المدن ، وما نتج عن كل ذلك من تنامي ظاهرة البطالة وبلوغها مستويات عالية ، في ظل استمرار سيطرة القبضة الأمنية على البلاد ، وعدم السير في مشروع الإصلاح السياسي ، الذي كان من المفترض ان يترافق مع سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها دمشق .

عانت سوريا كثيرا من الضغوط الامريكية ، فالاستراتيجية الأمريكية بعد انهيار حلف وارسو ، اعتمدت على استكمال السيطرة على دول الاتحاد السوفياتي السابق ، وعلى مشروع الشرق الأوسط الكبير ، من خلال العمل على تفكيك البنى السياسية التقليدية في المنطقة ، وهو ما سمي اّنذاك بالفوضى الخلاقة ، عبر مشاريع براقة ، كالثورات الملونة ، كما في أوكرانيا وجورجيا ، وكان للاحتلال الأمريكي للعراق ، وقع الصاعقة على صناع القرار في دمشق ، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي اّنذاك الى دمشق وشروطه المعروفة ، وتداعيات اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان ، والعدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 م ، واصطفاف العرب بين معسكر معتدل ... ومعسكر ممانع ، مثل مجموعة من الدول أسمتها واشنطن بالدول المارقة ، واحتضان سوريا لجماعات تتهمها واشنطن بالإرهاب ، كحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية .

الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية ، دفعت دمشق للتفكير بحلول فوق عادية ، مستفيدة من موقعها الجيواستراتيجي للربط بين القارات الثلاث ، ووجود أراض زراعية شاسعة متاحة للاستثمار المحلي والإقليمي ، وموارد بشرية مؤهلة للتعاطي مع الاستثمارات على كافة المستويات الصناعية والزراعية والخدمية .

الرؤية السورية تجسدت في مشروع " استراتيجية البحار الأربعة " ( الابيض ، الاسود ، قزوين ، الخليج العربي ) ، وتهدف هذه الاستراتيجية ، الى إقامة أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول المطلة على هذه البحار ، وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بينها ، وتنظيم الاستثمارات المشتركة ، وإقامة المناطق الحرة ، مما يمكنها من تحقيق أمنها واستقرارها ، وقدرتها على التصدي لأية مشاريع تستهدفها ، وتستهدف أمنها الاقليمي ، وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير .

من الأخطاء التي ارتكبتها دمشق ، في العمل على تنفيذ وإدارة رؤيتها الاستراتيجية ، إعطاء البعد الاقتصادي ، أولوية كبرى ، على حساب الملفين الداخلي والسياسي ، وهو عامل لا يمكن الركون اليه ، في ظل مسلسل الاستهدافات للدولة السورية ، وفي ظل هيمنة الإدارة الأمريكية ، على القرار السياسي ، للعديد من البلدان ، التي تشكل مرتكزا أسياسيا ، في استراتيجية دمشق ، حول البحار الأربعة .
تابعو الأردن 24 على google news