jo24_banner
jo24_banner

المناخ العام في الدولة ملتبس

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 :

نعيش مع أكثرية الناس في مناخ ملتبس ، تصّدمنا فيه السياسة ، وأهواؤها وتفاعلاتها كل يوم ، ويشدّنا فيه المقدس والمبجّل والمتخيّل ، ونصبو الى مفاهيم مثالية ومجتمع مثالي ودولة مثالية ، نعتقد ان فيها الحل السحري لأزماتنا المستحكمة والمتتالية ، كمن يلتفت يمنة ويسرة بحثا عن طوق نجاة ، نقرر ثم نتراجع ، نقول شيئا ، ونفعل غيره ، نعدل قوانين وأنظمة ، لنعود نعدلها مرة أخرى ، نجرب بعض الأسماء ، كمن يجرب فرسا في سباق الخيول ... ألم يعد من الضروري ان نتجاوز هذه الطريقة من التفكير ؟! ، التي نكتشف من خلالها اننا في حلقة مفرغة خبيثة ، ندور حول أنفسنا دورة كاملة ، لنعود أدراجنا مرة اخرى الى نقطة الصفر !! ألم يحن الوقت ، لنوقع نظرتنا للحياة والأشياء ، وان نخوض في القضايا المسكوت عنها ؟؟!!.

ان منطق الحياة وصيرورتها ، لم يعد يقبلان استمرار الصيغة المفتعلة ، لواجهة ديموقراطية ، ترتكز على شكل المؤسسات الحديثة ، المحلّاة ببعض حقوق الانسان ، والمرتكزة على جذر استبدادي في صورته الحالية ، كما ان الاصلاح ، لا يستقيم بمعزل عن الانسان ، المستهدف الأول من كل خطوات العملية الإصلاحية ، فما دام المواطن يعيش بعيدا عن كل ما يخطط له ويعمل له ، ولا يشعر بحضور الدولة في حياته اليومية ، فان العملية الإصلاحية برمتها تحتاج الى وقفة تأملية ، والا ، فلمن نعمل ونخطط ونبني ؟؟!! ، ما دام نسبة لا يستهان بها من المواطنين ، لا تشعر انها جزء من العملية التنموية ، لا بل ولا تثق باية اجراءات ايجابية تستهدفها ، والأدهى من ذلك ، ان نسبة اخرى ( لا يعلمها الا الله ) تجد في الجماعات الإرهابية ، أنموذجا للدولة المنشودة ، فما الذي حدث ؟؟، ومن أوصلنا الى ما وصلنا اليه ؟؟!!.

المطلوب بدون مواربة ، مصالحة حقيقية بين الدولة والمجتمع ، وهذا لن يتأتى الا من خلال ترميم جسور الثقة عبر مشاركة حقيقية للناس في الهم الوطني ، والقرار الوطني ، وتمكين الشعب من اختيار ممثليه بكل حرية ، ومحاسبة يقتنع بها الناس للفاسدين ، بطريقة لا تشوه الأبرياء ، ولا يختلط فيها الحابل بالنابل ، ولا تسيء الى الوطنيين والمنجزات الوطنية .

المطلوب بكل بساطة ، ترسيخ مفهوم الدولة ، في مواجهة الانفلات السياسي والأمني ، وفي مواجهة الفساد والترهل والاستحواذ والتسيب الاداري ، وفي مواجهة تغول السوق وانفلاته من كل الضوابط ، وفي مواجهة طبقة سياسة تجبّرت وأثرت على حساب المواطن والوطن ، بحيث أصبحنا نشهد اكثر من عائلة شبه حاكمة ، ترث وتورث ، على حساب الغالبية المصدومة والمقهورة .

المطلوب بكل وضوح ، مواجهة ضبابية مفهوم الحرية ، بعيدا عن الانصياع لضغوط الجهات المانحة ، لفرض مفاهيم وأشكال للحرية ، بعيدة عن أعرافنا وثقافتنا وهويتنا الدينية والقومية ، وليست من أولوياتنا الوطنية ، وايضا بعيدا عن ضغوطات النخب السياسية المحلية التي تخلط مفاهيم الديموقراطية والحريات العامة ، تحت عناوين فضفاضة ، فالديموقراطية عملية لا لبس فيها لتداول السلطة عبر الانتخابات ، وفق قانون يستجيب لطموحات الغالبية العظمى من الناس ، بعيدا عن التصنيفات والتخوفات ، التي ربما تعكس مصالح وأجندات محددة ، قانون انتخابي لا تطغى فيه الجغرافيا على المواطنة ، ولا تهضم فيه الأكثرية العددية لمراكز المدن ، حقوق المواطنين في القرى والبوادي والأرياف .

ان الوطن بحاجة لكل مواطنيه ، مهما اختلفت أفكارهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية ، شريطة ان يكونوا جميعا تحت سقف الوطن ، يعيشون فيه حياة حرة كريمة ، وان يكون الوطن المبتغى والمأمول ، هو خلاصة قناعات الناس ، الأحرار ، المتحررين من سطوة الفقر والجوع والاقصاء والتهميش ، المتحررين من سطوة رأس المال السياسي ، المتحررين من سطوة التدخلات السياسية والأمنية في " محمد يرث ومحمد لا يرث " المتحررين من الخطاب الديني البراغماتي ، الذي يستخدم الدين في تحقيق الأهداف السياسية ، الأحرار التوّاقين للاطمئنان على مستقبل أطفالهم ، قبل مصالحهم الشخصية الاّنية ، التوّاقين الى مجتمع هو بالتأكيد ، الفضاء الحيوي للحرية ، حيث يلتقي الناس ويتفاعلون تفاعلا حرا ، بعيدا عن انتماءاتهم العرقية او الدينية او الاقليمية او المناطقية او العشائرية ، وهذا لم ولن يتحقق ، الا عندما يشعر المواطن بطعم المواطنة أولا ، ثم بأمنه وكرامته والإطمئنان على حاضره ومستقبله ، من خلال دولة القانون ( الدولة الحديثة القوية العادلة ) .

تابعو الأردن 24 على google news