jo24_banner
jo24_banner

الحـدود القلقـة ج1

م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : اتسمت العلاقات السورية – التركية بالتوتر الدائم منذ ما قبل استقلال سوريا ، تأسس هذا التوتر على مسار طويل ومتراكم من السياسات العدائية ، التي تأسست بدورها ايضا على العديد من عوامل التنافر ، كالذاكرة التاريخية التي تختزن تجربة مريرة إبان الحكم العثماني ، وما شهدته من تهميش وظلم واستعباد للعرب ، وإعدامات للأحرار في الساحات العامة ، وتدمير ثقافي ممنهج لبلاد الشام وعروبتها ، ثم النزاع على الحدود واحتلال لواء الاسكندرون وفصله عن الوطن الأم سوريا بالتاّمر مع فرنسا ، والاختلاف على الموارد المائية والمشاريع التركية الهادفة الى الإضرار بالأمن القومي السوري ، وليس انتهاءا بالقضية الكردية ... كما تلعب العوامل الجيواستراتيجية دورا بالغا في هذا التوتر ، حيث يتنافس البلدان على ريادة الدور الاقليمي في المنطقة ، نظرا لموقع البلدين الجيواستراتيجي الذي يشكل مجالا للتنافس السياسي والعسكري .

وصل توتر العلاقات بين البلدين ذروته بشكل واضح عام 1957 م ، بعد تأسيس حلف بغداد وانضمام سوريا الى مصر في شجب هذا الحلف وإدانة سياساته ، واتباع سوريا لسياسة تقدمية معادية للنفوذ الأمريكي المتنامي في المنطقة ، بعد تراجع النفوذين الفرنسي والبريطاني ، كما واجه البلدان ظرفا عصيبا في عام 1998 م ، عندما حشدت انقره جيوشها على الحدود السورية ، لإرغام دمشق على إبعاد الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من أراضيها ، وإغلاق معسكرات التدريب التابعة لحزب العمال الكردستاني المنتشرة على الأراضي السورية .

لا ينحصر التوتر بين البلدين على بعديه التاريخي والجيواستراتيجي ، بل يتعدى ذلك الى التداخل الديموغرافي في مناطق التخوم ، وحتى في العمق المتبادل ، وفي التكوين الديني والثقافي ، الذي يتأتى من الحدود القلقة ، ومن قلق الاثنيات وحقوقها في الدفاع عن الذات ، وايضا من خلال هيمنة العامل القومي الذي يشكل اساسا للتوتر في المثلث العربي – التركي – الايراني ، والشعور التركي الدائم بالتفوق النسبي في هذا المعيار ، نظرا لتراجع التضامن العربي مع سوريا ، واعتماد دمشق على هشاشة النسيج الإثني التركي وقابليته للتفكك والاضطراب .

بدأت العلاقات بين البلدين بالتحسن التدريجي منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا ، وقد وصلت الى حد التعاون الاستراتيجي ، وأقدمت دمشق على تقديم تنازلات عديدة من أجل تحسين هذه العلاقات ، التي تزامنت مع ازدياد الضغوط الامريكية والغربية على سوريا ، لاجبارها على التخلي عن محور المقاومة ، وتحديدا على اجبار سوريا على التخلي عن الحركات الجهادية المناوئة لاسرائيل كحركتي الجهاد الاسلامي وحماس وحزب الله اللبناني ، ومنحت دمشق تركيا دورا خاصا ومميزا في رعاية مفاوضات سياسية غير مباشرة بين سوريا واسرائيل ، وفتحت الأسواق السورية في وجه البضائع التركية ، ووقعت مع انقرة اكثر من خمسين اتفاقية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين .

استفادت دمشق من علاقاتها الاستراتيجية مع انقرة في تعزيز دورها الاقليمي ، وتفادي مواجهة عسكرية غير ضرورية مع تركيا ، كما منحتها دورا رياديا في المثلث الايراني – السوري – التركي ، وساهم هذا المثلث مع المحور التركي القطري اّنذاك ، في انفراج علاقات دمشق مع الاخوان المسلمين السوريين ، وخاصة بعد حرب تموز عام 2006 م ، ويسجل لدمشق تحديدا أّنذاك ، تحويل العلاقات العربية مع دول الجوار ( ايران – تركيا ) الى عامل قوة وإسناد للموقف العربي ، وافشال المخطط الاسرائيلي القديم ، الذي قاده رئيس الوزراء الاسرائيلي بن غوريون فيما سمي بنظرية " شد الأطراف " التي تجعل من حدود دول الجوار العربي الثلاث ( تركيا ، ايران ، اثيوبيا ) ، حدودا متوترة لاشغال العرب في معارك جانبية بعيدة عن الصراع العربي الاسرائيلي .

الغريب في الأمر ، ان تحسن العلاقات السورية التركية لاقى استحسانا رسميا عربيا ، في ظل تعرّض العلاقات السورية الايرانية للنقد اللاذع والرفض الدائم من معظم النظام العربي الرسمي ، وبعض الفعاليات السياسية العربية ، رغم وضوح الموقف الايراني تجاه قضية الصراع العربي الاسرائيلي ، وربما يعود ذلك الى البنية المذهبية لكل من ايران وتركيا ، والتباس الأبعاد الأيدولوجية والسياسية لكل منهما ، بالاضافة الى كون تركيا عضوا في حلف شمال الاطلسي ، وذات علاقات مميزة مع واشنطن ، الامر الذي يريح النظام الرسمي العربي في التعامل مع انقرة ، بعكس الموقف من طهران الذي يحاول النظام العربي وضعها في مصاف الخطر الأول على الأمن القومي العربي ، بديلا عن الكيان الاسرائيلي ، وخاصة بعد احتلال العراق ، وما تبعه من تداعيات إقليمية ودولية .
تابعو الأردن 24 على google news