الإرث المعرفي والديموقراطية
م. احمد سمارة الزعبي
جو 24 : في رحلة البحث عن الدولة الديموقراطية العادلة ، نستحضر أشكال الديموقراطيات المعاصرة ، سواء في دول أوروبا الغربية ، او في دول شرق اّسيا ، او الديموقراطيات الناشئة في دول أمريكا اللاتينية ، هي رحلة البحث نفسها عن أنظمة ديموقراطية ، تحترم التعدد وحق الاختلاف ، والتداول السلمي للسلطة ، وحقوق الانسان ، وحرية التفكير والتعبير ، وحيث ان العديد من الديموقراطيات المعاصرة لم تنشأ بسهولة ، او ربما ولدت ولادات عسيرة ، فهذا يؤشر ايضا الى ان عملية الوصول الى الدولة الديموقراطية ، عملية طويلة وشاقة ، لا تتوقف ولا تكتمل ، بل هي صيرورة تراكمية تنشأ وتنمو بطرق مختلفة ، وحسب الظروف الخاصة في كل بلد .
سادت في البلاد العربية ثقافة تقليدية ، تمتدجذورها الى البداوة في صحراء شبه جزيرة العرب ، او ربما الى حيث انهيار سد مأرب ، وبداية هجرة القبائل العربية البدوية الى بلاد الشام ، وهي ثقافة لا تعترف بمفاهيم الديموقراطية والحريات الشخصية ، ولا تعنى البتة بحقوق الانسان ، ولا بأي مظهر من مظاهر التحول الديموقراطي المنشود ، وليس في قاموسها تداولا للسلطة ، لا بل فان من أهم سماتها العلاقات الأبوية المتمثلة بسلطة الأب المطلقة في التحكم بأفراد اسرته ، مرورا بشيخ القبيلة وسلطته على أفرادها ، وصولا الى رئيس الدولة وسلطته المستبدة في حكم الشعب ، حيث الدولة كما القبيلة ، تنتقل فيها السلطة وراثيا لابناء شيخ القبيلة او رئيس الدولة ، كما تم فيها تكريس الاستبداد عن طريق رجال الدين ، الذين سايروا الحكام المستبدين طلبا للسلامة والرزق ، وهم ما عرفوا بالتاريخ بشيوخ السلاطين ، ففي المجتمعات العشائرية والأبوية وحتى في الدولة الدينية ، يصبح الحاكم هو السلطان المستخلف في الأرض ، ويصبح مفهوم الحرية هو الطاعة لولي الأمر ... ومع تزاوج الطاعة السياسية بالطاعة الدينية تتشكل اولى مداميك الاستبداد ، وعلى مر تاريخ أمتنا ، كانت السلطة الاستبدادية بصفة عامة هي القاعدة ، وممارسة أشكال من الديموقراطية هي الإستثناء ، فالأزمة تمتد بجذورها الى الموروث الثقافي ، حيث ينابيع الثقافة الموروثة التي تجعل الناس نفسها ، مهياة للقبول بالاستبداد ومتواطئة معه .
ان إلقاء مسؤولية استعصاء عملية العبور نحو الدولة الديموقراطية على الثقافة الموروثة والإرث المعرفي ، لا يعني تبرئة كل الأسباب الأخرى ، كأشكال وبنية وطبيعة التحالفات الحاكمة ، وعلاقة البرجوازيات المحلية وارتهانها وتبعيتها للمركز الراسمالي العالمي ، وما يتبعها من علاقات المركز مع دول المحيط ، والعديد من الأسباب الأخرى وعلى رأسها فشل مشاريع التنوير مطلع القرن الماضي ، لكن تسليط الضوء على مكامن الضعف في هذا الإرث الكبير ، يساعد كثيرا في تجاوزه ، واستنباط طرائق ووسائل وأدوات جديدة للخروج من هذا المأزق .
فشل مشاريع التنوير منذ بداية القرن الماضي ، مرده الى التخلف والتجزئة ، وغياب المصلحة الحقيقية للبرجوازية العربية أّنذاك في تبني المشروع النهضوي العربي ، بسبب بنيتها الداخلية وارتهانها للتبعية ، وتحالفاتها مع الانظمة السياسية المرتهنة للدول الغربية ، و" ربما " بسبب الأصول غير العربية للكثير من الجماعات البرجوازية في كل من القاهرة ودمشق وبغداد ، حيث غلب عليها الأصول التركمانية والألبانية والأفغانية ، ومن قوميات كردية وفارسية ، ومن بخارى وسمرقند ونيسابور ، والتي انحازت جميعها الى أفكار الحركات الصوفية والسلفية في مواجهة المشروع القومي ، التي تعاطت معه باعتباره مشروعا غربيا او ملحدا ، يلغي أحلام وأوهام مشروع الخلافة ، الذي بدأ بالظهور في مصر وبلاد الشام ، تحت تاثير أفكار ابن تيمية وحسن البنا .
أثبتت تجارب شعوب أمريكا اللاتينية وشعوب شرق اّسيا ، فشل المنظومات المعرفية الشمولية في استيعاب وإدارة الواقع المتعدد والمتنوع ، وعدم قدرتها على تحديد توجهاته التطورية وصيرورته التاريخية ، وهذا يحمّل القوى الديموقراطية العربية مسؤولية الاستفادة من هذا الإرث الانساني ، عبر هدم العقل الأحادي ، والتصدي للهجوم اللاعقلاني للفكر الشمولي ، من خلال صياغة مشروع قومي ديموقراطي ، يحافظ على التعدد والاختلاف في سياق العمل المشترك ، ويتبنى مصالح القاعدة الواسعة من الشرائح الاجتماعية الوسطى والفقيرة والمهمشة ، كما يفرض على القوى الديموقراطية إخضاع الإرث المعرفي للنقد ، من أجل تجاوز هيمنة الوعي العقائدي والاستبداد الأيدولوجي ، وإعادة الاعتبار للعقل ، والاستفادة من تجارب الشعوب التي أنجزت برامج تحولها الديموقراطي ، والعمل على الربط بين المهام الوطنية اليومية وبرنامج التحول الديموقراطي " المرن والتدريجي " المنشود .
سادت في البلاد العربية ثقافة تقليدية ، تمتدجذورها الى البداوة في صحراء شبه جزيرة العرب ، او ربما الى حيث انهيار سد مأرب ، وبداية هجرة القبائل العربية البدوية الى بلاد الشام ، وهي ثقافة لا تعترف بمفاهيم الديموقراطية والحريات الشخصية ، ولا تعنى البتة بحقوق الانسان ، ولا بأي مظهر من مظاهر التحول الديموقراطي المنشود ، وليس في قاموسها تداولا للسلطة ، لا بل فان من أهم سماتها العلاقات الأبوية المتمثلة بسلطة الأب المطلقة في التحكم بأفراد اسرته ، مرورا بشيخ القبيلة وسلطته على أفرادها ، وصولا الى رئيس الدولة وسلطته المستبدة في حكم الشعب ، حيث الدولة كما القبيلة ، تنتقل فيها السلطة وراثيا لابناء شيخ القبيلة او رئيس الدولة ، كما تم فيها تكريس الاستبداد عن طريق رجال الدين ، الذين سايروا الحكام المستبدين طلبا للسلامة والرزق ، وهم ما عرفوا بالتاريخ بشيوخ السلاطين ، ففي المجتمعات العشائرية والأبوية وحتى في الدولة الدينية ، يصبح الحاكم هو السلطان المستخلف في الأرض ، ويصبح مفهوم الحرية هو الطاعة لولي الأمر ... ومع تزاوج الطاعة السياسية بالطاعة الدينية تتشكل اولى مداميك الاستبداد ، وعلى مر تاريخ أمتنا ، كانت السلطة الاستبدادية بصفة عامة هي القاعدة ، وممارسة أشكال من الديموقراطية هي الإستثناء ، فالأزمة تمتد بجذورها الى الموروث الثقافي ، حيث ينابيع الثقافة الموروثة التي تجعل الناس نفسها ، مهياة للقبول بالاستبداد ومتواطئة معه .
ان إلقاء مسؤولية استعصاء عملية العبور نحو الدولة الديموقراطية على الثقافة الموروثة والإرث المعرفي ، لا يعني تبرئة كل الأسباب الأخرى ، كأشكال وبنية وطبيعة التحالفات الحاكمة ، وعلاقة البرجوازيات المحلية وارتهانها وتبعيتها للمركز الراسمالي العالمي ، وما يتبعها من علاقات المركز مع دول المحيط ، والعديد من الأسباب الأخرى وعلى رأسها فشل مشاريع التنوير مطلع القرن الماضي ، لكن تسليط الضوء على مكامن الضعف في هذا الإرث الكبير ، يساعد كثيرا في تجاوزه ، واستنباط طرائق ووسائل وأدوات جديدة للخروج من هذا المأزق .
فشل مشاريع التنوير منذ بداية القرن الماضي ، مرده الى التخلف والتجزئة ، وغياب المصلحة الحقيقية للبرجوازية العربية أّنذاك في تبني المشروع النهضوي العربي ، بسبب بنيتها الداخلية وارتهانها للتبعية ، وتحالفاتها مع الانظمة السياسية المرتهنة للدول الغربية ، و" ربما " بسبب الأصول غير العربية للكثير من الجماعات البرجوازية في كل من القاهرة ودمشق وبغداد ، حيث غلب عليها الأصول التركمانية والألبانية والأفغانية ، ومن قوميات كردية وفارسية ، ومن بخارى وسمرقند ونيسابور ، والتي انحازت جميعها الى أفكار الحركات الصوفية والسلفية في مواجهة المشروع القومي ، التي تعاطت معه باعتباره مشروعا غربيا او ملحدا ، يلغي أحلام وأوهام مشروع الخلافة ، الذي بدأ بالظهور في مصر وبلاد الشام ، تحت تاثير أفكار ابن تيمية وحسن البنا .
أثبتت تجارب شعوب أمريكا اللاتينية وشعوب شرق اّسيا ، فشل المنظومات المعرفية الشمولية في استيعاب وإدارة الواقع المتعدد والمتنوع ، وعدم قدرتها على تحديد توجهاته التطورية وصيرورته التاريخية ، وهذا يحمّل القوى الديموقراطية العربية مسؤولية الاستفادة من هذا الإرث الانساني ، عبر هدم العقل الأحادي ، والتصدي للهجوم اللاعقلاني للفكر الشمولي ، من خلال صياغة مشروع قومي ديموقراطي ، يحافظ على التعدد والاختلاف في سياق العمل المشترك ، ويتبنى مصالح القاعدة الواسعة من الشرائح الاجتماعية الوسطى والفقيرة والمهمشة ، كما يفرض على القوى الديموقراطية إخضاع الإرث المعرفي للنقد ، من أجل تجاوز هيمنة الوعي العقائدي والاستبداد الأيدولوجي ، وإعادة الاعتبار للعقل ، والاستفادة من تجارب الشعوب التي أنجزت برامج تحولها الديموقراطي ، والعمل على الربط بين المهام الوطنية اليومية وبرنامج التحول الديموقراطي " المرن والتدريجي " المنشود .