2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الايقاع بالملك

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

المراقب للمزاج السياسي العام لطبقة السلطة الأردنية اليوم، يرى عجباً، فالمصيبة بالغة أوجها. والأنفاس تتقاصر حد الانقطاع والهرولة لإجراء الانتخابات تتسارع خطواتها ..... وكأن الحكومة بأفقها السياسي المتواضع وقد صارت بين نارين لا تملك إلا أن تتصرف هكذا ... نار رأس الدولة (الملك) وإصراره على إجراء الانتخابات هذا العام ولا تقوى الحكومة على مخالفته مخافة أن تحترق بناره. ونار القوى الشعبية الفاعلة سياسيا ً التي لا تريد الانتخابات ولا قانونها. ليس لهذه القوى نفوذاً على الحكومة ،لكن الأخيرة متأكدة من قدرة هذه القوى الشعبية على تحويل هذه العملية برمتها إلى عملية عبثية ولدت ميتة بالأساس ناهيك عن إمكانية استثمارها ضد الحكومة.إذا كان الأمر هكذا !!فلماذا الإصرار الحكومي على متابعة عملية عبثية لن تقدم شيئا ً ولا تؤخر ؟!!

دولة الرئيس (كما صار واضحا ً) جاء لينفذ فقط، ليطيع فقط، لا لكي يقود، أو يناقش أو يرى أو يجتهد، رغبات الملك وتوجيهاته أوامر واجبة الطاعة والتنفيذ وليحدث ما يحدث بعد ذلك...إذن هو يجري الانتخابات لمن أراد لها أن تــُجرى، وبأي شكل ورغم كل شيء ، ليحدث إذن ما يحدث والعذر له متوفر سلفا ً فلماذا يحجم أو يتردد؟؟!! إن الملك هو الذي أراد ذلك إذن فالحكاية إياها " اللي فوق هيك بده" وعليه أن يتحمل المسؤولية في هذا الأمر .هم لاشك متأكدون أن الفوضى قد تحل بعد الانتخابات المفروضة ولن ينفع في تهدئة الأحوال ، تجمع بعض الأفراد هنا ، وقلة هناك يجمعهم المحافظون للتعبير عن الولاء ، في المناطق البعيدة عن مراكز التأثير في الحضر. ولن ينفع إغراء البعض والإيحاء للبعض الآخر من قبل السادة الح افظين بإرسال برقيات تأييد جوهرها نفاقي وشكلها كذلك ، فالقاصي والداني يعرف أن جماعات الإسلام السياسي، وبعض القوى الوطنية إذا قالت فعلت .... وقد قالوا بأنهم لن يدعو رجالات الحكومة أن يفرضوا عليهم أي شيء بالقوة أو بالمعاندة والتجاهل ، وإنهم سوف يستثمرون نتائج إجراءات الحكومة المتسرعة، لغايات المعارضة وزيادة زخمها، وهم بحاجة ماسة إلى ذلك في المرحلة المقبلة. وفي الأفق مدعاة للشك بأن في الأمر مكيدة للإيقاع بالملك ، فهو الذي وعد وأراد وأمر بإجراء الانتخابات، والحكومة أطاعت ونفذت كعادتها، ومسؤولية ما قد ينتج عن ذلك التسرع واقعة لا محالة عليه. فلماذا لا تـُسـرع الحكومة بتنفيذ أوامره وتضعه في هذا الموقف المحرج؟؟!! سيما أن ما في المناخ السياسي الأردني ما يبرر ذلك.
إن التوجهات السياسية لطبقة السلطة قد دخلت منعطفا ً جديدا ً منذ أن تشكل ذاك التوافق المريب بين النواب والحكومة في الآونة الأخيرة، بشكل بدا وكأنه تآمر على الشعب أو ضده، فهل يمكن أن يكون ذلك انحيازا ً بدهاء بدوي أردني من هاتين المؤسستين المفصليتين إلى الشعب ومطالبه الإصلاحية وبخاصة الإستراتيجية منها ضد مصلحة النظام والملك ؟ ربما!! وإلا ما معنى هذا التسرع وذاك التصرف بطريقة سوف تدفع لناس دفعا ً إلى الخروج للشوارع والميادين والمناداة بسحب ما تبقى من شرعية عن كل مؤسسات الدولة وعن نظام الحكم؟؟؟ هل هذا احتمال ممكن؟ ولما لا ؟؟!!
لكن إذا كان الأمر هكذا، فذاك يدل على غياب روح المسؤولية عن كل من يعتبر نفسه مسؤولا ً ضمن طبقة السلطة العتيدة. فالانتخابات البرلمانية استحقاق دستوري مثلها مثل أي استحقاق دستوري آخر. ومن واجب الملك أن يدعو إليها ويأمر بإجرائها فقط، لكن من واجب الحكومة أن توفر الشروط المناسبة لإجرائها وأهمها إنجاز توافق وطني معقول على قانونها، وضمان نسبة تشاركيه مقبولة أو عالية في هذه الانتخابات، ورضى عام نسبي على الأقل، فإن سارعت الحكومة بإجرائها بشكل متسرع مسلوق وقبل أن توفر هذه الشروط (كواجب عليها) تكون من جانبها قد أهملت واجباتها ، مع أن الملك من جانبه يكون قد قام بواجبه .

إن إمكانية الإيقاع بالملك من قبل طبقة السلطة بقيادة الحكومة، تقابلها في هذه الحالة إمكانية أن يوقع الملك بالحكومة أيضا ًَ ..لأنه يعرف ، والحكومة تعرف أن أوامر الملك لا تعفي الحكومة من مسؤولياتها . ولا ينبغي أن تطيع كضرورة لازمة وبأي شكل ؛ بل طاعة ضمن إطار القيام بالواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها دستوريا ً ، وأهمها في هذا المجال .. توفير شروط إنفاذ إرادة الملك وأوامره بشكل كلي سليم لا بشكل جزئي منقوص. من هنا يصبح من حق الملك أن يوقع بها ويحملها مسؤولية إفراغ أوامره من مضامينها والتعامل معها على غرار (ولا تقربوا الصلاة ...) بشكل لا بد إلا أن يكون مقصودا ً لغايات التوريط. سيما أن الحكومة قد مهدت لهذا بأن دفعت إلى الملك وبتسرع أيضاً قانون للانتخابات مرفوض شعبيا ، ً ودأبت على أن يحظى هذا القانون بتوقيع الملك، وهي تعلم أنه لا مناص له من التوقيع، لأن البديل الذي سيظل قائما ً حينذاك (لو لم يوقع) هو قانون الصوت الواحد المتهم الأول في دفع الناس إلى الخروج على السلطة في الأردن. وهذا ما لا يرضاه الملك ربما ولا يرضاه الشعب فكان أن (وقّع) القانون المرفوع إليه كأمر واقع. فتوفرت بذلك الخطوة التأسيسية الأولى للإيقاع بالملك من قبل طبقة السلطة.

إن قطع الطريق على هذه المكيدة السياسية ليس مستحيلا ً بل وممكنناً. وذلك باعتماد (المرونة السياسية) التي تنطلق من مبدأ أساسي يتمثل في أن الاستقرار الوطني مصلحة عليا أهم كثيرا ً من الوعود والوفاء بالعهود مهما كانت فالحياة السياسية تقوم على أساس الموازنة بين الأولويات دائما ً ولا أولوية تعلو في أهميتها فوق أولوية الاستقرار الوطني . وتأجيل الانتخابات إلى أن تحين ظروفها الملائمة أكثر .هو إجراء قد يتفهمه الأردنيون جيدا ً مع أنه قد لا يتفق مع سياسة دولة الرئيس القائمة على جملة اللاءات المشهورة من مثل ..(لا لإرضاء أحد ، ولا لدعوة أحد للتفاوض ، ولا للسماع لأي أحد،ولا للسعي نحو أية قوه فاعلة سياسية .... ولا لكل شيء ...... الخ ) فهذه سياسة عقيمة مع احترامنا لها ، إذا كانت تمثل وجهة نظر بريئة لكنها تظل سياسة مماحكة أقرب إلى كلام(القرايا ) منها إلى سياسة الدول .

إن تطابق موقف السلطة بقيادة الحكومة مع مواقف بعض الأجانب إزاء قانون الانتخاب وعملية الانتخابات ليس دليلا ً كافيا ً على صحة التوجه الجاري وسلامة النية. فلا أزمة عانت منها بعض الدول العربية إلا وكان وراءها رأي أجنبي مشجع على إثارتها .... وطبقة سلطة تخشى على مصالحها من أية مرونة سياسية قد يبديها رأس الدولة .
وعليه فإذا صح ما ورد في سياق هذا التحليل ، كان ذلك سببا ً كافيا ً لأن يطيح الملك بطبقة السلطة المحيطة به قبل أن تطيح به، ليبدأ ثورته الإصلاحية بتغيير النهج والأشخاص ، وننهي بالدعاء أن ( ربنا احفظ هذا البلد آمنا ً مستقرا ً وقنا أخطار الفتن ما ظهر منها وما بطن)
وآخ آخ يا بلد ...إلى متى سيظل يتلاعب بمصيرك الأغرار والأجانب الدائنون والمغرضون


أ.د. إدريس العزام

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير