2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

تنمُر الفاسدين

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :
في الاردن، الفساد معول يهدم الثقة بين الشعب ... اي شعب ، و الحكومة ... أية حكومة ، بأي دولة ينتشر فيها.

وحديث المسؤولين عنه دون مقاومته و محاسبة الفاسدين ، معول أشد فتكا بهذه الثقة.

في بلادنا زاد الحديث و قل الفعل ... و أحبط المواطن ... بل و أحتقن بالغضب ... فالمسألة غدت و كأنها ( فانتازيا ).. بل و صارت تشكل لدينا ما يشبه المؤسسه العفوية لنشر الاقاويل عن الفساد و أفانينه ، و الجهات المستفيدة منه و الطبقات الداعمة له ... و دواعي السكوت عنه، بل و دوره في التصعيد الاجتماعي السياسي للأفراد نحو المراكز الهامه و المسؤوليات الجسيمه .

فقناعة الاردنيين المصرح بها في المجالس و الدواوين ، أنتقلت مؤخرا الى الشارع ان لا مجال لنظيف بل ولا أمل ، فالمجالات و الفرص كلها مفتوحه على اوسع أبوابها لخبراء الفساد و محترفيه و فرسانه المسكوت عنهم ؟لأهمية الدعائم المساندة لهم ... فأذا كانت هذه حقيقة ، وأشك في أنها حقيقة بكاملها ، لكن ما ذكر من الفساد والفاسدين و نشر على رؤوس الأشهاد ما زال مسكوت عنه في الواقع ، و هذا يرقى بالاقاويل الى مستوى اليقين لدى عامة الناس ، و الشيء الخطير أنه عندما يأتي الحديث عن الفساد وبعض الفاسدين ، تنخفض حدة صوت المتحدث ، و تزداد تطلعاته نحو اليمين و نحو الشمال ، بما يوحي وكأنه صلة ما موجودة بين الفاسد أو الفساد و بين رؤوس كبيرة قد لا يسلم من يشير أليها ... هنا نقف لنسأل من هذه الرؤوس الكبيرة ؟؟ و لماذا لا تفضح بالاسم ؟؟و لماذا هذا السكوت عنهم ، و من اين يستمد الفاسدون قوتهم ؟؟

من جهتي لا أميل الى تصديق أن بالأمكان تطويق الفساد أذا كان بذلك الحجم كما يشاع ... بل ربما قد لا تكون هناك رغبة حقيقية في تطويقه أذا كان هناك فاسدون من وزن ثقيل. فالقاضي ، و مسؤول مكافحة الفساد و رجل الأمن ، و منظمات المجتمع المدني أيضاً، بل و المساجد و الكنائس ، هي في الحساب الأخير مجرد أفراد أو مؤسسات مأمورة لمن فوقها ، فأذا تسلل بعض الفاسدين وصارت اليه الامور و السلطة و صارو فوق هؤلاء، فمن أين تأتي لهم الجرأة لفضح الفساد و الفاسدين ومعاقبتهم..انها أحجية مضحكة ... الفساد بالحجم المتحدث عنه صار ثقافة ، و مؤسسة إذن .

و ظاهرة لها ثقلها بل و ألزاميتها و جبريتها على الاردنيين ليفسدو كأفراد ، حيث لم يعد بمقدور الكثيرين أن يقاومو ظاهرة مسيطرة ألا أذا كانو أنبياء حسب عقيدة الأردنيين .

أذن لا مناص من أن يتعايشو مع هذه الظاهرة الأشكالية ،و أن يسلكو مختلف الطرق كي يفسدوا ، و نُذر ذلك بدأت تطل و نلمسها كل يوم .

فطالب العمل لا يتورع أن يتحدث عن واسطة لتشغيله ، دون خجل أو خوف من قوانين و صاحب المصلحة لدى أية دائرة حكومية لا يخجل أن يسأل من يعرف فلان المسؤول أو علان لتوسيطه لأنهاء معاملته على حساب الأخرين ،و من يريد تنظيم أرضه يبحث عن واسطة كي يتنازل له عن جزء من تلك الارض أذا أدخل تلك الارض داخل التنظيم ، و يزيد الرشوة أضعافاً إذا ما صنفها له تجاري .

و من يريد دخول الجامعه او الجيش أو مؤسسات الأمن كلها ، يجد في البحث عن واسطه حتى قبل ان يتقدم بطلبه .

أذن الأردنيون صاروا يمارسون الفساد دون أن يشعروا بأنهم يمارسون أمراً خطيراً أو معيباً ، أو محرماً أو مجرماً تماماُ كمن يفقد حاسة الشم لروائح المكان الذي يعيش فيه طويلا و هذا ما يسمى فقدان حاسة الشم بالتعود. و بحالة الفساد يسمى فقدان المناعة الاخلاقية أمام أغراء الفساد ، ولعل هذا يفسر تهافت الكثيرين على المناصب في الاردن ، فهي بنظرهم ( مراتع للفساد ) و ليس مواقع للعمل و الجهد ، بدليل التهاني التي تنهال على من يصيب من هذه المناصب منصبا و العياذ بالله . أن هذا الانحراف شبه الشامل في بلادنا محكوم بنظرية التكيف الاجتماعي .

فالأنسان مؤهل للتكيف مع محيطه فاسداً كان هذا المحيط أو صالحاً .

ولا تكون هناك حصانه لأفراد اي شعب من الوقوع بالفساد ، ألا أذا توفر للافراد منهاج تربوي يقوي مناعتهم و يحصنهم ضد الانحراف من الطفولة ، أذا شاع الانحراففي مجتمعهم ، مما يقلل من زخم الأنتشار و عموميته .

وبهذه الحاله و بهذا المنهج يصبح بمقدور غالبية الناس أن تقاوم الانحراف و الفساد على مستوى السلوك الفردي فيصير الصلاح و الانضباط واقعاً مسيطراً و عاماً ، كما هو الحال في بعض الدول المتقدمه حيث تتراجع الى الوراء بنية الفساد و تبدأ بالتلاشي تدريجياً ألى أن يأخذ الفساد صفة الأنحراف المحدود ، بدل ان كان ظاهرة عامة و مسيطرة و ملزمة ، ( نعم ملزمة ) ألا تلاحظون الضغط الهائل الذي يتعرض له أصحاب المناصب العليا في الاردن ، لكي يؤدي عمله بأسلوب فاسد ؟ حتى يعد شجاعاً (و خدوماً) و ألا صار بنظرهم جبان ؟

ولا يفهم من هذا ان العقوبات غير مجدية ، أنها تجدي لو وجدت ، لكنها من منظورنا غير ممكنه في الواقع المعاش ،بل و ربما مستبعدة بقرارات قويه لا يستطيع الفرد العادي أو حتى المؤسسات التصدي لها .

فهناك بكل دولة ، ( دولة عميقة ) Deep state لا تسمح بخروج ( القطار عن السكة ) أبداً ... و لا ينفع في ذلك كثيراً تغير الحكومات أو الادارت عموماً ، فالمنافع لا تتعدى المظاهر و الشكليات و قليل من المهارة في الوعود مع قدرة فائقة على التمويه... و سوف اوضح ذلك بمقالة قادمة .

أما الممكن المتاح الذي قد يكون مؤثراً من وجهة نظري ،أن يبدأ الاردنيون بأنشاء الجمعيات و المنتديات و اللجان ، و الروابط ، و جماعات الرقابة المختلفة و بمسميات مختلفة .. لتؤطر قانونياً و تسجل لدى الجهات المسؤولة حسب القانون ، ليمارسوا من خلالها دورهم في الكشف عن الفساد وتعرية أصحابة ، بل و رفع قضايا ضدهم موازيه لأجراءات الحكومة ( أذا وجدت ) ، أذا كانت الادلة دامغة ، بل و التجاوزالى ما يشبه المحاكم الشعبية أذا ما توفرت البيانات الصحيحه التي تدين الفاسد حق الأدانه .أن مثل هذا الجهد الاهلي قد يفيد و بخاصه أذا تمأسس و نسق عمله مع المحاكم النظاميه ،للخروج بقرارات و جزاءات تكون رادعة للفاسدين والمفسدين مهما علت مراكزهم و يمكن لهذه المؤسسة الأهليه أن تكون على تفاعل و أتصال مع هيئات دولية عامة في هذا المجال ، كي يتعاون ما هومحلي مع ما هو اقليمي بشكل أو بأخر مما يشكل ألية ضغط قوية على الحكومة من جهه و الفاسدين من جهه اخرى، تمنع الحكومة من التغاضي أو التساهل مع الفاسدين ، كما تحرم الفاسدين من من راحة البال اينما ذهبوا .

نخلص الى القول ، لا بد من الاهتمام ، و المساءلة بشكل يشاهد المواطنون أثارها او يلمسون نتائجها ، كي لا يظل الحديث الرسمي عن الفساد كما يصفه الاردنيون ضرب من قلة الحياء السياسي – أذا كان في السياسة حياء – الذي أبقى الفاسدين فوق الجميع بقدراتهم يتبجحون ، و ألسنتهم للشعب و الحكومة يمدون ... ألا ساء ما يصنعون.
 
تابعو الأردن 24 على google news