jo24_banner
jo24_banner

الازمة السورية الى حل

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

نعم ، العالم العربي اليوم بحالة مخاض عسيرة تتولد منها ديمقراطيات ناشئة ، ستكون وليدة تحبو في مراحلها الأولى لكن عودها سوف يشتد مع الزمن ، سوف تعاني الشعوب العربية أشد المعاناة ، لكن الديمقراطية تستحق ذلك ، فهي السيادة للانسان العربي وهي الكرامة والعزة الفردية والجماعية ، والوطنية ، افلا يستحق كل ذلك التضحيات مهما عظمت ؟ لقد دفع العالم الديمقراطي الغربي اثماناً باهضة ، نتجت عن صراعات مريرة بين القوى الدينية والقوى السياسية ، ثم بين القوى السياسية الاستبدادية ، والقوى السياسية الثورية الحداثية التي رفضت الاستبداد ، ولاحقت انصاره ، واساطينه ، فأوردت الكثيرين منهم حبال المشانق ، وغياهب السجون ، لتتولد من هذا كله الديمقراطيات الحديثة هناك ، التي بدأت مزعجة في بداياتها ، ومع الزمن ، صارت نظاماً لا يتصور الغربيون على الأغلب بديلاً احفظ منه لكرامة الانسان وكرامة الدول وقوتها ومنعتها ، والمجتمعات البشرية تسير على خُطى بعضها البعض كقاعدة لا شذوذ عنها . 
اليوم ، هناك ديمقراطية ناشئة في تونس ، ومصر ، وليبيا ، و اليمن ، وسوريا في طريقها نحو ذلك . لقد نجحت الثورة السورية ونجح الحراك السوري في أن غرس بوجدان طبقة السلطة الحاكمة في سوريا قناعة جديدة ، وهي أن لا مناص من التوقف عن الدكتاتورية والتفرد بالسلطة ولا بد من مشاركة السوريين في رسم ملامح خطوط حياتهم كلها .. وان استفراد طبقة بذلك ، دون مكونات الشعب كلها صارت حالة بائسة فتاريخ سوريا شعباً وحتى سلطة ، تركت ذلك وراءها ، ولم يبق إلا الاتفاق على آلية أقل كلفة مما يجري ، للانتقال بها الى سوريا الجديدة بديمقراطيتها الناشئة . كان ذلك مطلب الثوار من اليوم الأول . لم يفكروا بإراقة الدماء انهاراً كما حدث ، لتحقيق ذلك ، لكن الرئيس السوري د. بشار الاسد ، لم يلتقط بدقة الرسالة العالمية الداعمة للديمقراطيات في العالم العربي ، والتي ما صدّقت الشعوب ان التقطت ايحاءاتها ، وفكر فقط بمقاومة ذلك ، والاستعانة بالغير لإعاقته ... لقد دخل التجربة ، ولمس بكل حواسه استحالة ما ظنه واستحالة أن يتراجع شعب بعد ان خرج على السلطة ويخضع ثانيةً للاستبداد والسلطة الفردية . والشيء نفسه لمسه الثوار ... فكان أن جنح الجميع نحو القناعة بضرورة الخروج من الأزمة التي أوقعوا أنفسهم فيها شعباً وسلطة ، وصار الطرفان أوراقاً بيد الغير عرباً وأجانب ، كل ينطلق من مصلحته الخاصة أولاً ، لكن الثمن يدفعه السوريون وميدان التصارع والتغالب هي الأرض السورية .
كان يمكن للرئيس بشار الأسد ، أن يحتوي ذلك من البداية وكان مؤهلاً لذلك وتلقي النصح أيضاً من قادة عرب وضعوا في حساباتهم حركة التاريخ التي تندفع عادة بإرادة القوى الكبرى ، فهي صاحبة القرار وصانعته فيما يخص البلدان النامية كلها دون استثناء ، أما التصلب بالمواقف ، والتمترس وراء ايديولوجيات جامدة ، والدفع بلغة المؤامرة على سوريا والاستعمار ، والمطامع الاستعمارية وبالمقاومة والصمود ، وباسرائيل ومؤامراتها على سوريا أو غير سوريا ، فهذا معروف وليس فيه ابداع ، فالعلاقات بين الدول كلها تآمرية وهذا من طبيعة الأمور في عالم السياسة ، لكن معرفة ذلك لا ينبغي أن تغري بالجمود والجأر بالشكوى والاتهامات ، بل بضرورة التصرف المرن ، بما يجهض تلك المؤامرات ويقطع عليها الطريق .. فإذا كان المطلوب التخلي عن ا لاستبداد ، فليس ذلك بمستحيل على أي قائد لو فكر قليلاً واخذ عبرة من أحداث العالم البعيدة منها والقريبة . كان يمكن للدكتور بشار ، أن يدعو كل القوى المعارضة ، ويطلب اليهم أن يتعاونوا معه في رسم خريطة سوريا الجديدة ، وأن يستأذنهم بالاستمرار في منصبه الى أن تنجز الخطة ليشرف على بدايات تنفيذها على الأقل إذا أرادوا ، وبعدها يكون لكل حادث حديث ، والقرار ، سيكون لسوريا الشعب ، ليس له شخصياً ولا لعائلته ولا للطبقة التي ترتعد خوفاً من كلمة تغيير ديمقراطي ... لو فعل هكذا لاضطر العالم كله الى الكف عن تدخلاته واحترام ارادة السوريين . أما أن تكال التهم لكل من خرج الى الشارع على أنه عميل ، أو مدسوس ، أو مخرب ، وكأن كل من في السلطة المستبدة ، ملاكاً ! فهذا رأي يجانب الحكمة بقدر ما يجانب الصواب المدرك بالبديهة . فكان موقف السلطة السورية ، إنكارياً ثم تجاهلياً ثم استخفافياً ، الى أن صار اتهامياً استفزازياً ، فانقدحت الشرارة واندلعت النار ، فأكلت من اليابس ما أكلته ، ومن الأخضر ما أكلته ، الى أن ادرك العقل السوري الجمعي الحصيف ، ان الخطأ قد وقع ولا بد من التصويب . فجاء التعامل السوري الجديد مع الطروحات الدولية والحلول الدولية معبراً عن هذا الادراك العملي الذي جاء متأخراً ، ان المشكلة السورية في طريقها الى الحل وفق النموذج اليمني . لم يطلب الثوار غير ذلك من البداية ، لكن بطانة الدكتور بشار أبت إلا أن (تتبهدل) سوريا ، لترعوي بعد ذلك ، لكن بعد أن أصبحت أرض سوريا الحبيبة ميداناً تتمرن فيه قوى العالم المسلحة (وليست كلها خيرة) على القتال ، واختبار الأسلحة الفتاكة . لقد حدث التغيير في البنية الفكرية للطبقة الحاكمة في سوريا بدليل ميلها الجديد للتعامل مع الطروحات الدولية التي طرحت في (مؤتمر جنيف) على علّاتها بنظرهم ، بعد ان صارت واضحة نقاط الاتفاق والاختلاف بين الدول الكبرى صاحبة القرار المؤثر ، والمصالح المكشوفة . فروسيا لا تدعم أشخاص (يقصدون شخص د. بشار) ، والامريكان هذا ما يريدونه فقط ، وما عداه هي نقاط يجمع عليها الطرفان وأهمها : الاتفاق على رفض أن تقطف (جماعات الدين المسلح) (ولا أقول الدين السياسي فذاك مفهوم صار عتيقاً) ثمار جهود الشعب السوري وتقفز الى الحكم ، لتدخل سوريا بهم في (حيص وبيص) له أول وليس له آخر على غرار ما يجري في مصر ، والى حد ما في تونس . وأن يكون نظام الحكم علماني يعطى كافة مكونات الشعب السوري كامل حقوقها دون استئثار أو استبعاد أو اقصاء ، بحكم العرق ، أو الدين ، أو المذهب . وأن يكون نظاماً متفاهماً مع العالم ، فإذا ما صار هذا ممكناً ، فلا بأس من وجهة نظر الكبار أن يقولوا نعم لسوريا الموحدة ، ولتذهب كل دعوات التمزيق والتقسيم ودعوات الفتنة والثارات الى الجحيم ، والتي تطرح لتخويف الناس من التغيير .. لكن التغيير حتمى .. وسوريا على موعد قريب معه . لتكون فيها ديمقراطية ناشئة محدودة في بداياتها ، لكنها أفضل مهما كانت من ا لاستبداد ، والتفرد الشخصي بالسلطة ، كما كانت تجري عليه أحوال العرب في عصر ما قبل الحراك .
والواقع أن مقولة (أن امريكا والغرب وغيرهم لا يريدون للعرب أن يتقدموا ، ويريدون تمزيقهم) ؛ فهناك أدلة كثيرة على تهافت هذه المقولة (وهي بالمناسبة مقولة طبقة السلطة في أساسها) . ان امريكا لم تحل دون تقدم كوريا الجنوبية ، وهي موجودة فيها . ولم تحل دون تقدم اليابان ، وهي موجودة فيها وبوجود يتماهى مع الاستعمار ، كما أن الغرب كله قد انقذ المانيا الشرقية من الويل الذي كانت فيه قبل اعادة توحيدها مع المانيا الغربية ، وهي موجودة فيها في مرحلة التقسيم ، ومرحلة الوحدة .
من يخرب البلدان ، ويؤخرها : هم أهلها وحكامها بالدرجة الأولى ، وهم الأساس في ذلك . فالحكام المؤهلون للحكم والمخلصون لأوطانهم ، هم من يطورون أوطانهم حتى ولو كانوا مع بلدانهم تحت الاستعمار المباشر ، وأن اليابان مثال صارخ على ذلك .
الديمقراطيات الناشئة وليست الكاملة زاحفة نحو عالمنا العربي . وشعوبنا تستحقها عن جدارة . والحاكم بأمره المستبد المخلد الى الأبد في طريقه الى الزوال ليكون في المتحف الى جانب السيف والبلطة البرونزية على حد قول لينين . هكذا حكَم التاريخ واثبتت التجربة مع كل الاحترام للرأي المخالف . وعلى الإعلام الغربي المسيّس الذي يروج للتقسيم (ولسايكس بيكو- جديد) بأن لا يستمر في الايحاءات التي يعشقها ويتمناها ، لكنها بعون الله ووعي العرب الجدد ستظل أوهاماً .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير