2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

"الدستور الاردني " ..حدوتة للشباب

ا.د. إدريس عزام
جو 24 : اتجهت ارادة الاردنيين العامة السابقة منذ أكثر قليلاً من ستين عاماً، نحو ان يكون رأس دولتهم ملك (مصون من كل تبعة ومسؤولية) "المادة 30" من الدستور. وحتى لا يتراجعوا عن ذلك وثّقوا هذه الارادة على شكل عقد سموه الدستور، على عادة ما يحدث في الدول . ووقَّعوا عليه بواسطة ممثلين عنهم .... من الطبيعي أن لا يرفض رأس الدولة مثل هذا التكريم العام من شعبه. فالتزم به واحترم تلك الارادة العامة للأردنيين.

معنى الكلام : ان الاردنيين كأنهم طلبوا من رأس الدولة أن يتصرف كما يريد، وليس لأي منهم الحق في أن يسأله كيف أو لماذا تصرف هكذا ،أو لم يتصرف هكذا، فهو مطلق الحرية في أن يتصرف كما يشاء حسب ما أرادوا له .

هذا ما فعلوه ووثقوه فأجازوا له ذلك ، وفرضواعلى أنفسهم القبول ، وجردوا أنفسهم من حق سؤاله عن أي فعل يصدر عنه خيراً كان أو شراً ! اذا كان الأمر هكذا؟ وهو هكذا بالفعل؛ فهل من حقهم اليوم إثارة أي تساؤل حول تصرفات الملك بصرف النظر عن طبيعتها ونتائجها ما دامت تقع ضمن ارادتهم العامة المتمثلة بالدستور التي ما زالت نافذة ومستوجبة للاحترام من قبله ، ومن قبلهم؟!

الملك بتصرفاته كلها يعكس احترامه الشديد لارادتهم العامة (الدستور) فهو يتصرف كما يريد، أما تساؤلاتهم حول تلك التصرفات فعلاوة على انها غير دستورية فالواضح انها تعكس رغبة أو نية جديدة لديهم بالتوقف عن احترام تلك الارداة !! بسبب أخطاء يرونها تحدث؛ إذا كان الأمر هكذا أفلا يمكن أن يعتبر ذلك غدراً برأس الدولة ؟؟ فبعد ان اطلقوا يده بالعمل كما يشاء ، يعودون ليحملوه المسؤولية عن تصرفاته !! ليتناقضوا بذلك مع انفسهم وإرادتهم العامة (الدستور) التي ما زالت نافذة؟

ثم كيف يمكن لرأس الدولة أن يتأكد من أن الاردنيين كلهم راغبون بالتراجع أو تغيير ارادتهم العامة القديمة بارادة عامة جديدة تتجه نحو تقييد حرية رأس الدولة بالتصرف تبعاً لمستجدات الظروف ؟؟ ولماذا لا يفترضون بأن رأس الدولة قد يظن أن هذا مطلب الأقلية ، أما الأغلبية فما زالت ملتزِمَة ومُحتَرِمَة لأراداتها العامة المدونة (بالدستور)؟ وله الحق في أن يظن هكذا، بل ربما من المؤكد انه سيقول ذلك ولو تشبثاُ بالسلطة كأي انسان، فهي أكثر المغريات في الوجود اغراء للبشر. فما يغري الرجل اغراءاً شديداً في هذا الوجود ثلاث مغريات : أولها وأهمها السلطة وثانيها : المال، وثالثها المرأة، هكذا بالترتيب . فالسلطة تأتي بالمال والسلطة والمال يأتيان بالمرأة على هكذا استقرت الحكمة البشرية عبر الحضارات ومن يمسك بالسلطة قد لا يتنازل عنها ابداً او بسهولة على الأغلب، فاذا ما صارت مطلقة صارت حقلاً ينبت الفساد.

وهذا هاجس لم يرد بخاطر الاردنيين عندما وضعوا الدستور. ولعل هذه الحقيقة هي التي دفعت حكيم اليونان ارسطو الى القول :أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ؛ ولأنها كذلك قال : إنه من الأفضل للملوك أن يتقبلوا حكم القانون كأساس لنظام حكمهم . فحكم القانون أفضل من حكم الفرد بمفرده مهما كان .لأن القانون هو فقط الذي يروض من هم في المناصب قسراً كي لا يتحولوا الى وحوش، وان حكم القانون فقط يمكّن الحكام من البت في القضايا بصورة عادلة.

وختم كلامه بالقول : فالمجتمع الذي يحكمه القانون يكون الحكم فيه لله والعقل أما إذا حكم الرجال بمفردهم وقع المجتمع تحت سلطة البوهيمية The beast لأن الشهوة والانفعالات الخارجة عن السيطرة ستكون هي القوى السياسية الرئيسية في المجتمع وليس العقل !!

وعليه نعود لموضوعنا: من الواضح ان الاردنيين قد ضربوا بكلام أرسطو، وحكمة البشرية عبر حضاراتها كلها عرض الحائط، فقد نظروا الى رأس دولتهم بصرف النظر عمن يكون؛على انه ليس بشراً يُخطئ ويُصيب بل إلهاً أو ملاكاً بجناحين، بدليل أنهم أرادوا له أن يكون فوق القانون ومطلق الحرية في التصرف ومُصان من أي تبعة أو مسؤولية عن تصرفاته وكأنه لن يُخطئ، مع علمهم التام بأنه انسان مثلهم مكون من جانبين : جانب خير وجانب شر ، تدفعه دوافع الخير ليكون خيّراً، وتدفعه دوافع الشر ليكون أنانياً منحازاً لمصالحه، وبالمفاضلة من الطبيعي كإنسان أن ينحاز لمصالحه أولاً.

معنى ذلك : انه قد يتصرف تصرفات تنفعه حتى وإن أضرت بالآخرين ، فهذا من حقه وضمن صلاحياته الدستورية، ويجب أن يكون متوقعاً منه (كإنسان). ولا يكون متوقعاً منه ؛ إذا كان إلهاً فقط وهو ليس بإله ، ولم ولن يقول عن نفسه انه إله، ولا يمكن لعاقل ان يزعم بأنه يراه إله. إذن إطلاق الصلاحيات والصون من أية مساءلة لا تعني سوى أمرين :
الأمر الأول : أن الاردنيين الذين صاغوا الدستور نيابة عن كل الأردنيين ، إما أنهم وقعوا بوهم التصور بأن رأس دولتهم إله لا يُخطئ، وهذا تصور واهم تقع عليهم هم مسؤولية ما ينتج عنه؛ أو أنهم يعرفون أنه انسان قد يُخطئ، ولكنهم اتفقوا على أن يتقبلوا ذلك كأمر عادي، بدليل أنهم جردوا أنفسهم من أي حق في مساءلته عن أي خطأ بتقديرهم قد يصدر عنه وهذا ممكن ،لأن الخطأ سيكون هنا بمعيار الغير وبنظرهم لا بنظره هو بالضرورة ، و أي تصرف لخدمة الذات لا يكون خطأ بنظر المُتصرف دائماً ، ولهذا قد لا يهمه أن يعتبره الغير خطأ وبخاصة إذا أتى متطابقاً ليس مع مصالحه الشخصية فقط بل مع الارادة العامة لذلك الغير (الدستور) التي تجيز له ذلك ولا تجيز لذلك الغير سؤاله بعد أن جعلته مصوناً من التبعات والمسؤوليات .

إذا كان ذلك كذلك : فعلى من تقع المسؤولية عن أية أخطاء يرونها قد نتجت عن ذلك اليوم؟؟؟ على من أرادوا واجازوا للإنسان أن يتصرف كما يريد، أو على من تصرّف كما أرادوا وأجازوا ؟ الجواب واضح :لا شك بأن اللوم يقع على أصحاب الإرادة العامة وليس على رأس الدولة كشخص تصرّف وما زال يتصرف وفق ارادتهم العامة تماماً ، وطالما ان الامر قد انتهى في المجتمع الى ما انتهى اليه وتضاربت المصالح فقد صار واضحاً،أن هناك ورطة كبيرة يواجهها الأردنيون الجدد ورأس دولتهم اليوم ، والخروج منها(عقلانياً) ليس بالأمر اليسير على الطرفين.

سألني أحد الأصدقاء (بخبث) ماذا تفعل لو صرتَ رأس دولة رئيساً أو ملكاً ؟وبعد أن أبديتُ زُهدي بالمناصب (كذباً) كعادتنا نحن الاردنيين ، رديت بسؤالي: رأس دولة كالأردن مثلاً ؟؟ فيها دستور كالدستور الأردني؟؟ قال: نعم .

فأجبت : سوف أبيع الدولة كلها من أقصاها الى أقصاها، براً ، وبحراً ، وجواً ، موارداً وبشراً إن استطعت ووجدت من يشتري ؛ إذا رأيت في ذلك مصلحة لي ...لأنني لن اخالف الإرادة العامة لشعبي أبداً ، هم أرادوا لي أن أتصرف وجرّدوا أنفسهم من حق مساءلتي فلماذا أُخالف ارادتهم الموثقة وليست الشفهية فقط، طالما انها تجلب كل هذا الخير لي ، وكل هذه السعادة ولذّة السلطة المطلقة ؟! ألستُ بشراً ؟؟ ولي طبيعة تدفعني لأن أرى الحق في كل ما يعود علي بالسعادة واللذة ؟؟ فبهذا سعادتي ولذتي !! ومن حقي أن لا أتناقض مع طبيعتي البشرية، ولا مع ارادة شعبي أليس كذلك ؟؟ وتذكر أن هذا الحق الذي يتماهى مع الواجب (كما شعروا)، قدموه لي عن طيب خاطر وبإرادة حرة وكلهم بالغون راشدون، وأنا استجبت بأمانة وسوف أتمسك به وربما أقاتل من أجله. أما إذا توهموا بأني إله لا يُخطئ ؛ فهذا خطأ في التصور أنا لستُ مسؤولاً عنه! فلماذا لم يكونوا عقلانيين وليسوا واهمين؟ فمثل هذا الوهم يتماهى مع السذاجة، وسأظل أتصرف هكذا الى أن يتراجعوا عن ارادتهم العامة تلك ، ويبدلوها بارادة تحد من حريتي .... عندها فقطـ، أتوقف عن التصرف كما أريد لأبدأ بالتصرف الجديد حسب إرادتهم الجديدة، وليس لأحد الحق في أن يسألني عما مضى ، لأنني كنت حينها مُحترِماً لإرادتهم القديمة ، ومن اللياقة أن أُشكرْ على ذلك، ولن أتراجع عن فعل فــَــعــَــلــْته ولن اُعــيــد شــيــئـــاً أخَذْتُه .

علّق الصديق على إجابتي قائلاً : ولكن ما ستفعله ليس أخلاقياً، وصادماً للنوايا الطيبة والتوقعات الايجابية وثقة الشعب . فأجبته: طالما ان الحديث عن دولة فعلاقات الناس في الدول تضبطها الدساتير والقوانين الوضعية، وليس الأخلاقيات والعواطف والثقة، وعلى من ينطلقون في توقعاتهم من عواطف وأوهام وتصورات لا واقعية، عليهم تقع المسؤولية عن كل ما قد ينتج عن ذلك، وليس علي أنا لأنني تصرفت وفق ارادتهم العامة (المدسترة). وطالما أن المصالح قد تضاربت اليوم، وصُنِّــف هذا على أنه خطأ أو ذنب ، فهو ذنب يقع عليهم.... أما انا فلا يقع علي منه ولا حتى واجب الاستغفار .

نخلص الى القول : بأن الأردن إذا كان في ورطة ، تشعر بها الغالبية ، فالمخرج إذاً يكون بالعودة الى البدايات أعني موقف التعاقد بين رأس الدولة والشعب – أعني الدستور- فالدستور الجديد العاكس لإرادة جديدة للأردنيين مغايرة لإرادتهم العامة السابقة المجسدة في الدستور الحالي؛هو البداية لأي حل يجنب المجتمع الفوضى . وأقول فوضى، بناء على افتراض أن رأس الدولة قد يضطر لأن يقاتل من أجل الاحتفاظ بالوضع القائم لأنه لمصلحته، وهو انسان من حقه ان يدافع عن مصلحته أولاً . نقول هذا حتى لا نكون عاطفيين وساذجين ، وقد يرى الكثيرون بالقتال أسلوباً مناسباً أيضاً للرد على ذلك ، فتقع الفتنة وتعم الفوضى ، وهذا خيار فاسد رغم ما قد يكون له من بعض المسوغات المنطقية أحياناً ، لكنه يظل الأسوأ أردنياً ، لوجود البدائل العقلانية الأخرى. لكن السؤال هو : هل هذه البدائل ممكنة ؟؟ وهل بإمكان رأس الدولة أن يفرضها فرضاً على طبقة السلطة المرعوبة من أي تغيير ؟؟ وبخاصة إذا ما رأى أن يواجه الموقف مواجهة إبداعية غير عربية تقليدية تسجل في التاريخ وتكون نموذجاً لكل العرب ودرساً بأثر رجعي لكل القادة العرب الذين فشلوا في الاختبارعندما تمكسوا بقانون (العباطة) وعاكسوا حركة التاريخ.

أما كيف يجتمع الأردنيون، لإعادة النظر بإرادتهم العامة وتجسيدها بدستور جديد، فهذه عمليه ليست سهلة ، قد نتعرض لها بمقالة أخرى قادمة .
تابعو الأردن 24 على google news