jo24_banner
jo24_banner

الحيتان والهيئة الوطنية للتأمين

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

لنا في الاردن عادات بيروقراطية سيئة جداً ، تدليس ، مخادعة ، سمّه ما شئت ، يجري هذا في المؤسسات الرسمية تشريعية كانت أو تنفيذية وغيرها من مكونات هذه الدولة .

ففي الجامعات مثلاً عندما يريدون تمرير أمر له معارضون ، ينتظرون حتى يغيب المعارضون عن الجلسة فيطرح فيمر . أو ينتظرون للفصل الصيفي حتى يغيب كثيرون من المعارضين للفساد بإجازات ، فيطرح فيمر .
وفي الوزارات والمؤسسات الحكومية تمرر كثير من القرارات بمثل هذا الاسلوب ، فقد تُشكّل لجنة فرعية تُحال اليها الأمور من مجلس أشمل ، فتمرر هذه اللجنة باسم المجلس الأشمل قرارات ماكانت لتمر لو عُرضت على المجلس ... هكذا سارت وتسير الأمور في بلادنا العزيزة .
إن مثل هذا السلوك الفاسد يمكن التعايش معه في الكثير من الحالات ( وقد حصل هذا) عندما لا يعرض للخطر مصالح المواطنين ... لكن يختلف الأمر ولا بد من الوقوف وإعادة النظر بأي فعل أو قرار يهدد تلك المصالح.
وعليه، فإن ماحدث في الجلسة المشتركة الأخيرة لمجلس الأعيان والنواب بما يخُص هيئة التأمين الوطنية وديوان المظالم ، غير صحي على الإطلاق ولا يمكن القبول به الا إذا كان مفروضاً على الناس فرضاً بقوة النفوذ والسلطات الموروثة .
فالجلسة تلك لم تخلو من عمليات مخاجلة واغراءات ، ومزاودات ، ومهاترات محكومة كلها لمصالح فئوية طبقية ، ولم تخلو من مجاملات على حساب الموضوعية وعلى حساب الصفة التمثيلية لهذا المجلس الكريم ... بل الأدهى والأمرّ أن تلك الجلسة المشتركة بدت وكأنها عُقدت خصيصاً للاطاحة بهيئة التأمين الوطنية ،وما سواها الا للتغطية ... فمصالح الحيتان محصورة بهذه الهيئة وإزالتها هدف سامِ ومستمر من أهدافها لم يتوقف . قد يُقال هيكلة أو إعادة تنظيم أو غربلة أو سمّه ما شئت ، أما المعنى فهو ازالة دور هذه الهيئة عن طريق حيتان البلد أصحاب شركات التأمين وأنصارهم ووكلائهم.
والمثير للاستغراب أكثر ، أن الامور رُتبت بحيث أتت في وقت كان فيه جلالة الملك مستغرقاً بقضية الشهيد القاضي رائد الاردني ويُتوقع أن يكون بحالة شغل واشتغال بقضية هذا الشهيد محلياً واسرائيلياً ودولياً. ومن المؤسف أن يُزج بقضية مقدّسة كهذه في الجلسة نفسها التي صمم فيها حيتان الاردن على اغتيال هيئة التامين الوطنية ... وهي أحسن انجاز قدّمه الملك للشعب الأردني بكل فئاته .... حيث رفع عن أعناقهم تَغَوُّل شركات التأمين التي تعمل في معظم مجالات حياتهم، ووجد المساهمون أيضاً بهذه الشركات من يلجأوون اليه عندما تعبث تلك الشركات بأموالهم وتحول اموالهم الى أموال عائلية .
هناك شكوك قاتلة تدور بأذهان الاردنيين وفي منتدياتهم ودوواوينهم ومضافاتهم ، حول من يقفون وراء هذا الضغط الذي لم يتوقف لاغتيال هذه الهيئة الوطنية التي لم تواجه أية مؤسسة أخرى مثل هذا الاصرار على الغائها من قِبَل الحيتان وديناصورات الأردن الذين أدمنوا على احتكار السلطة واحتكار رأس المال وإذلال الاردنيين ، بل وتجاوزوا الى حد تحدي جلالة الملك شخصياً كسلطات ومواقف ، فهم يعلمون تمام العلم أن مجلس الأعيان وهو مجلس الملك المُعبّر عن رغبته وإرادته وتوجهاته، كان قد تصدى قبل عدة أشهر لمثل هذه المحاولة لالغاء هيئة التأمين ، بعد أن انكشف المستور، لكن الديناصورات ما عادوا يقيمون وزناً الا لقوة نفوذهم متسربلين أحياناً بشكليات قانونية وأحياناً أخرى بمهاترات ومجاملات وعزايم وتخجيل الكثيرين من النواب حسني النية الذين لا يعرفون ما وراء الاكمة .
الهيئة الوطنية للتأمين انجاز ملكي بامتياز لصالح الشعب الأردني ولو كانت وزارة التجارة والصناعة قادرة على التصدي لديناصورات شركات التأمين وإنصاف الشعب الأردني ، لما قرر الملك انشاء هذه الهيئة. وزارة الصناعة والتجارة أصلاً يصنفها الأردنيون بأنها (وزارة ملّاكي) ملك خاص لهؤلاء الديناصورات، إذ غالباً ما يرأسها وزير منهم أو من أحد أصدقائهم ، فكيف إذن ستراقب تصرفاتهم وظلمهم للناس إذا ما وقع سواء كانوا مساهمين أو ومؤمِّنين
إن التلاعب بأقساط التأمين والرغبة الشديدة المُلحّة لدى الديناصورات لرفعها على الناس (هبرة) سال لها من زمن لعاب الديناصورات الى حد جفاف الفم بشكل يهدد بسقوط الأطقم الصناعية من أفواههم. وعليه فلن يتوقفوا عن إتباع أية وسيلة تساعدهم على قتل هذه الهيئة الوطنية التي أوجدها الملك لحماية الناس منهم .... لكن ما حصل في الجلسة المشتركة والتصويت على الغائها يُعيد العلاقة ما بين طبقة السلطة من جهة وبين الملك والشعب من جهة أخرى وكانها علاقة صراعية ، وهذا ما لا يرضاه الأردنيون ، فالديناصورات ما زالوا يتصرفون وكأن لا حراك حصل ، ولا ربيع صار ، وإن دنياهم ما زالت مستمرة (وقمرة وربيع) وما يريدونه يمر وما لا يريدونه لا يمر مهما كانت صفة الواقفين في طريقهم وليواجه الاحراج من يواجهه ، المهم لديهم مصالحهم ، وليس غيرها بشيء هام.
ديوان المظالم ليس أكثر اهمية من هيئة التأمين بمعيار عدد ونسبة من يحتاجونه، هيئة التأمين يحتاج كل أردني الى حمايتها، فلا أردني الا ويملك شيئاً لا بد من التأمين عليه أما ديوان المظالم، فمن قد يحتاجونه أقل بكثير وعلى هذا الاساس اتضح عجز الكثيرين من أعضاء المجلس عن الاختيار الصحيح بين الاولويات، وهذا عيب إن وجد في أي سياسي ، فليس هو بسياسي حتى ولو ظن ذلك.
إن اللعبة التي دارت في الجلسة المشتركة للاعيان والنواب لعبة ضارة وبشدة بالشعب الأردني ، بصرف النظر عن الشكلية القانونية للأمر كما جرى . وكان أجدر بالجمعية الوطنية لحماية المستهلك ان تكون أول المتصدين لهذا الضرر الذي سعى حيتان البلد الى الحاقه بالشعب الاردني لكنها للاسف لم تفعل ، فقد فقدت وظيفتها من زمان ، ولم آسف في حياتي على شيء بقدر على ما أسفتُ على مساهمتي في تأسيس هذه الجمعية المتقزمة من وجهة نظري .
هناك اختراقات وانحرافات ربما حدثت ، يتحدث عنها الناس بكل أنحاء البلاد وهم يتندرون على الطريقة التي أديرت بها عملية التصويت في الجلسة اياها... يتحدثون عن إعادة التصويت في كل مرة لا تأتي النتيجة فيه لصالح الديناصورات ، واستمرت هذه المهزلة، الى أن جاءت النتيجة لصالحهم بالغاء الهيئة بالتخجيل وشد الأيدي ،( ارفع ايدك يا فلان ، صوتت يا فلان ، صوت يا فلان ، يا زلمة صوت ، على ايش اتفقنا؟، عشاني معلش ، فلان صوت ولا ما صوت ، عيدوا التصويت ....) وهكذا الى أن خرج الدخان الأبيض ، وجاءت النتيجة لصالح الغاء هذا الانجاز الملكي الرائع فتنفس الديناصورات الصعداء ، وربما وعدوا (الفزيعة والمناصرين)ومعهم الجميع ( بالمعية ) بالمناسف .
الأردنيون يستصرخون جلالة الملك أن يتدخل ، لأن الأمور جرت هكذا ، ولجلالته حُسن التقدير
والسلام .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير