jo24_banner
jo24_banner

هموم أردنية (1) العشائرية ومصداقية القضاء

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

لا يدعم الدولة ولا ثقة الأردنيين بالسلطة القضائية ولا بمنهج إدارة الدولة ككل أن يكون رئيس أية محكمة من أبناء العشيرة الكبرى في منطقة تلك المحكمة ، فالبنية الاجتماعية للمجتمع الأردني ما زالت بنية عشائرية وعلى هذا الأساس تشكل وعي الفرد الأردني و إدراكه لمعنى علاقاته بالآخرين ممن يحيطون به . في مثل هذه الظروف تزيد القوة الضاغطة للأعراف العشائرية بحيث تدفع الفرد دوماً لكي لا يكون موضوعياً إذا ما وجد نفسه في موقف الاختيار بين مقتضيات العدل أو الانحياز لمصلحة القريب أو النسيب إذ لا بد له من أن ينحاز للقريب لا محالة على حساب العدل وذلك في الغالب الأعم ، هذا ما تؤكده وقائع وأحاديث الناس المتكررة في هذا الموضوع . فالانحياز للعدل والموضوعية لا يكون إلا في أجواء ومناخات الحياد والموضوعية كشروط لا وجود لها في المجتمعات النامية أو المتخلفة .
إن الثقافة التي تزرع في عقول الأفراد ، ان القريب أولى من الغريب ، وأن من لا خير فيه للأقارب لا خير فيه للأغراب ، وأن الدم ( عمره ) ما صار ( ميه ) ، وأن الدم أثقل من الماء وغيرها مما يغري بالوقوف الى جانب القريب والانحياز له ، مثل هذه الثقافة غير مشجعة على العدل ، ولا تشكل مناخاً مناسباً لينمو فيه ويترعرع ، الأمر الذي يستوجب الكثير من الحذر والانتباه .
إن مسألة اللجوء الى المحاكم والتقاضي هي عملية ينشد فيها الأفراد المتخاصمون العدل ؛ فلا بد إذن أن يكون الحياد والموضوعية هما المناخ السائد في مكان التقاضي ، وتحديداً في المحكمة . بحيث لا يكون للعشائرية أو التحيز القرابي أدنى مجال للتأثير في موقف التقاضي واصدار الأحكام .. وهذا مطلب صعب في حالة ما إذا كان رئيس المحكمة ( على الأقل ) من ابناء المنطقة التي توجد فيها المحكمة ، ويتضاعف ضرر ذلك إذا كان من أبناء العشيرة الكبرى فيها، لأنه سوف يضطر الى أن يسخّر المحكمة لخدمة قضايا الأقارب وخلافاتهم مع الآخرين ، أو لصالح المتسجيرين بأقاربه طلباً لدعمه ومساندته . فقد اعتاد الناس في المجتمع الأردني أن يميلوا كثيراً على العشائر الكبيرة في مناطقهم طلباً للدعم والمساعدة ، وهذه توقعات لا يملك رؤساء المحاكم من ابناء تلك العشائر الا أن يأخذوها في الاعتبار .
وقد يقول قائل : ما أثر رؤساء المحاكم طالما أن القضاه هم من ينظرون بقضايا الناس وليس رئيس المحكمة .. والجواب ، أن القضاة لن يترددوا في التحيز لصالح أقارب الرئيس واحتمال تدخلاته حتى وأن لم يطلب منهم ذلك ، فهذه ثقافة سائدة ومعروفة وتجاهلها مجرد مزايدات . والقول بأن هناك استئناف أو تمييز وما الى ذلك ، لايغير من هذا الواقع شيئاً ، فالنتيجة غالباً عاكسة لهذه الأمراض الاجتماعية ، ولا علاقة لها بالعدل أو العدالة . هذا الواقع صار مستقراً في عقول الأردنيين الى درجة صاروا يعبّرون عنه بأقوال مثل : لا تتوقع الإنصاف في خصومه مع أحد ابناء المنطقة التي توجد فيها المحكمة إذا كان رئيسها من المنطقة ومن أقارب ذلك الخصم ، لأن هذا الرئيس سيتحول خصماً لك في القضية بحُكم المنطق العشائري الذي ذكرناه ، وكل قضاة محكمته سيشدون على يده ضدك ولو تطوعاً منهم ، إذا لم يطلب هو منهم ذلك . هذا شعور عام صار سائداً اليوم بين الأردنيين . وطالما أن الأمر كذلك فلماذا لا تطبق القاعدة ذاتها المطبقة في تعيين المحافظين على تعيين رؤساء المحاكم وقضاتها حيث لا يكونوا دائماً في نفس مناطقهم ، بل من المناطق الأخرى ، ويفضل أن تكون البعيدة ، فهذا أضمن للعدل وأبعد عن الفساد .
ونحن إذن ننشر هذه الحقيقة المؤلمة لا يفوتنا أن نذكر انه رغم كل شيء ، تظل هناك نخبة من رؤساء المحاكم والقضاة ، من الفئة التي لا تأخذها في الحق لومة لائم ، لكنها ليست هي القاعدة ، بل الاستثناء وللأسف .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير