2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الطبقة الممانعة للإصلاح

ا.د. إدريس عزام
جو 24 :

لا يمكن ان تكون علوم السياسة والاجتماع كلها خاطئة ، فقد أكدت أن الشعب أي شعب إذا ما انتفض شعوراً بالظلم أو طلباً لتغيير واقع اجتماعي سياسي صار مؤلماً للجميع ، لا يمكن أن يهدأ ويستقر تماماً الا بقوة غاشمة قاتلة ساحقة ، ومثل هذه القوة لم تعد موجودة في عالم اليوم ، بعد أن تعولم السلاح باشكاله وأنواعه المختلفة . وصار بامكان الأضعف أن يُلحق ايضاً ضرراً بالأقوى – وبعد أن تشابكت مصالح العالم وشكلت دوله المختلفة روادع لبعضها البعض.
وعليه : فإن البلادة التي واجهت بها طبقة السلطة الأردنية المزمنة ، الحراك الشعبي الأردني مثلت امتداداً لسياسة تقليدية مقاومة للتغيير والإصلاح بطبيعتها وبنيتها .
فأي واقع يخدم مصالح فئة ، تصبح ديمومته والدفاع عنه هدفاً لتلك الفئة ، فتدخل شاءت أو أبت في صراع مع كل الآخرين المطالبين بتغيير هذا الواقع ، وتصير مرفوضة اقتراحات كل طرف من وجهة نظر الطرف الآخر ، هذا ما جعل الأردنيون رافضون لكل الاجراءات الإصلاحية التي فرضتها طبقة السلطة ذاتها عليهم ، ويجزمون أن لا تغيير حصل ، لأن التغيير الحقيقي والمطلوب يستحيل أن يأتي من الجهة صاحبة المصلحة الأولى في رفضه .
واذا ما تحدثت كخبير اجتماعي اعتاد أن يذرع الأردن من شماله الى جنوبه بين الفترة والأخرى ، فأقول : إنني سألت عينات بطريقة اعتباطية وبسيطة ( رأيك صار تغيير باحوالنا بعد الحراك السابق واستجابات الحكومات ) وكان الجواب دائماً ( مطرحك يواقف ) لا تغيير ولا اصلاح ولا ما يحزنون ، بل الأمور ساءت أكثر وتسير نحو الأسوأ هكذا أجاب من سألتهم في الرمثا والمفرق ، والاغوار ، والكرك ، واربد ، وغرب اربد بل زاد من سألتهم من البادية الشمالية على ذلك بأن قالوا صار الواحد يفكر يترك ها البلد . سألتهم الى أين ؟ فأجابوا بأنهم لا يعرفون ، المهم ان حياتهم كما قالوا صارت لا تطاق . وعندما سألتهم يعني كيف ترون الحل ، لو كنتم أنتم أصحاب القرار ، فأجمعوا على كرههم الشديد للشخصيات الأردنية التي اعتادت أن تكون في الواجهة دائماً رغم فشلها المطبق ، وتخريبهم للبلد ، ولم يجدوا من يضع لهم حداً .
ويرونهم قد حولوا البلد الى ملكية خاصة لهم ولابنائهم ، ويفرضون على الناس شروطاً قاسية اذا ما تطلعوا الى مواقع حسب مؤهلاتهم ، وكفاءاتهم العالية ، وعندما كنت أشير الى أن ما تطلبونه هو تغيير جذري شامل ، قد يكون مؤلماً ويؤدي لحرب أهلية ، كانوا يجيبون بأن لا حرب أهلية ولاغيرها ممكن أن تحدث ، فنحن مملكة ، ونظامنا ملكي دائم ، وبامكانه ومن صلاحياته ان لا يسمح بحدوث مثل هذه الحرب الأهلية .
كل المطلوب ان يقتنع الملك بأن طبقة السلطة حوله صارت ضارة بالبلاد وضارة بنظام الحكم وبالأسرة الحاكمة نفسها ، ومن مصلحة الجميع أن تبعد عن الساحة كل الأسر التي تكرر منها أكثر من مسؤول واحد بمستوى رئيس وزراء ، أو وزير ، أو عين ، أو نائب ، أو مدير أمن أو قائد جيش ، واية مسؤول من هذا المستوى . هذه عائلات فاشلة كما أجاب من سألتهم ، تناسب انظمة حكم جمهورية حكامها سرقوا الحكم بقوة الدبابة ، وظلوا خائفين من الشعب فيضطروا الى فرز الناس ، واختيار أضعفهم وأكثرهم خنوعاً وجبناً ، ويضعوهم في الواجهة ليقودوا لهم البلاد حسب أوامرهم ، وليس في الأردن أي ضرورة لأن تحكم عائلات من هذا النوع ، ويدومون كل هذه المدة الى درجة انهم صاروا يظنون ويتصرفون وكأنهم هم الأردن والأردن هم .
في الخمسينات والستينات بمرحلة المرحوم الملك حسين ربما كانت هناك شبه ضرورة للاستعانة بعائلات مستكينة ومطيعة وموالية تماماً بصرف النظر عن الكفاءة . حيث كانت المنطقة كلها بحالة غليان بتأثير قيادة مصر القومية آنذاك ، قيادة جمال عبدالناصر الذي لم يخف رغبته في تغيير انظمة الحكم العربية ملكية وغير ملكية .
أما الآن فالظروف اختلفت ، ولا تهديد يستوجب الخوف والتحوط من الشعب في الأردن ، فما المانع من احداث مثل هذا التغيير في بنية طبقة السلطة التي صارت قديمة وبغيضة الى قلوب الشعب ، ويتساءلون أين الحكمة مثلاً في أن يأتي من أسرة واحدة فقط ثلاث رؤساء حكومات في الأردن ، فهل هي عبقرية تلك الأسرة ؟ الناس لا يرون عبقرية ولا ما يحزنون ، إذن ما السبب حتى يضع النظام نفسه في دائرة الشك لأجل عدد من الأسر .
الحكم ينبغي أن يكون عقيماً لا يعرف أسر غالية وأسر مبغوضة ، بل لا يعرف أباً أو أخاً أو ابناً ، إذا ما صار وجود أي منهم خطراً عليه ، هذه حكمة أزلية ، قد يكون من المفيد لو تؤخذ في الاعتبار .

تابعو الأردن 24 على google news