مناقشات الموازنة.. غياب القراءة النقدية ولا حلول للهمّ السياسي
راكان السعايدة
جو 24 :
حافظ النقاش النيابي لموازنة الدولة، الذي استمر عدة أيام، على صورة نمطية معهودة، ولم يحدث فرقاً حقيقياً، لا في جوهر الموازنة، ولا في شكلها أو في طبيعة القضايا الأخرى التي تناولتها النقاشات.
ذلك انتهى بمراقبين إلى ملاحظتين نقديتين لما جرى تحت قبة البرلمان، أولاهما: أن المناقشات، في أغلبها، خلت من القراءة النقدية لأرقام الموازنة. والأخرى: أن الخطاب السياسي طغى على المداخلات من غير تقديم تصورات للمشكلات وكيفية التفاعل معها.
هاتان الملاحظتان، على درجة كبيرة من الواقعية والموضوعية، لكنهما ليستا جديدتين، إذ طبعت مناقشات المجالس النيابية، تاريخياً، بهما، أكان في مناقشات الموازنة العامة أو في مناقشات الثقة بالحكومات.
وفي كل مرة، يناقش فيها النواب موازنة أو ثقة بحكومة، يلحظ المراقبون أن الموازنة لا تناقش بصورة صحيحة وحضور السياسي فيها يغلب على حضور الأرقام.
وعند مناقشات الثقة تحضر السياسة، أيضا، لكنها تحضر حاملة للنقد من غير إقران ذلك بإجابات منطقية للخروج من المآزق السياسية.
يقول مراقبون: المفترض في النواب ألا يخلطوا كثيراً بين مناقشة الموازنة ومناقشة السياسات العامة للدولة أو الثقة بالحكومة، فالموازنة مناسبة لمناقشة الأرقام، بما يتطلبه ذلك من تقييمات سليمة للواردات والنفقات الجارية والرأسمالية، وتقييمات لطبيعة العجز ومقدار المديونية. لأن مثل هذه المناقشة، التي يفترض قيامها وفق منهجية علمية وحقائق لا افتراضات، أن تعالج الاختلالات في الموازنة، وتحرص على بنائها بما يزيد من مساحة الطبقة الوسطى لا تآكلها، وبما يخفف الأعباء المالية والاقتصادية عن القاعدة الاجتماعية، وكذلك فهم أسباب تزايد المديونية أو عدم تراجعها بشكل كاف.
إن غياب الوعي الدقيق بلغة الأرقام، والاستسلام المتواصل بأن الأرقام تكاد تكون مقدسة لا يمكن إحداث تغييرات في بنائها، ربما هو الذي يدفع إلى تسييس المداخلات التي تناقش خطاب الموازنة وارقامها، على نحو يبدو وكأنه هروب إلى الأسهل، والأسهل هو الحديث في السياسة.
والمشكلة، وفقا لمراقبين، انه: حتى الخطاب السياسي النقدي الذي يتجاوز مناقشة صلب الموازنة، لا يأتي بجديد، فقط نقد للسياسات والتوجهات التي تخص الشؤون السياسية الداخلية والخارجية، ولا يُستتبع هذا النقد بمقترحات وتصورات لما يجب أن تكون عليه.
فالمناقشات تناولت الشأن السياسي، والتطورات التي تشهدها المنطقة والإقليم، وعرضت لبعض مخاطرها، لكنها لم تقدم لمستويات القرار السياسي تصورات متماسكة وعميقة وإبداعية يمكنها أن تغيّر في هذه السياسات أو تضيف إليها.
وعلى رغم أن مناقشات أرقام الموازنة لا تمنع عرض الظروف السياسية التي تؤثر فيها، لكن الخطاب الذي يفترض أن يطغى عند مناقشة الموازنة هو خطاب الأرقام والتقييمات الجوهرية للسياسات المالية والاقتصادية، والعكس كذلك عند مناقشة الشؤون السياسية والثقة بالحكومة، فالخلط هنا يُحدث خللا في البناء الخطابي ويضعف قيمة ما يجب أن يضفه.
يعلل المراقبون الخلل في نوعية الخطاب النيابي لكل شأن، أكان موازنة أو ثقة بحكومة، هو غياب الطابع الحزبي لتركيبة مجلس النواب، وغياب القيمة الحقيقية للبرامج التي يفترض أن تشكل الناظم والأساس الذي تبني عليه الكتل البرلمانية مواقفها.
وإن تجاوز حالة التشوه في الأداء البرلماني، شكلا ومضمونا، يحتاج إلى أمور كثيرة، بينها ثلاثة أساسية: الأول: العمل على إدخال تغييرات في القوانين التي تصنع حالة برلمانية قيمة ووازنة، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب، وأن تتوافر إرادة سياسية لذلك.
الثاني: أن يراكم مجلس النواب أعرافاً وتقاليد يكون لها أثرها في عمله، التشريعي والرقابي (ولا نتحدث هنا عن الخدمي)، وتعطيه شخصية مستقرة وإيجابية، وتنهي الجدل المتكرر على تفاصيل يفترض أنها حسمت منذ سنوات طويلة، ليس أقلها الالتزام الذي يفرق بين المناقشة الاقتصادية والمناقشة السياسية.
والأخير: أن يختار الناخبون من يمثلهم بصورة صحيحة، أي يختاروا من لديه قدرات ووعي عاليين وفهم دقيق لمهمة النائب، ويقدم أداء متكاملاً عميقاً، دون الالتفات إلى بروز إعلامي لا يقوم على محتوى.
من غير تعديلات قانونية وإجرائية، ومن غير تطوير طريقة اختيار الناخب نائبه ومحفزات الاختيار، فإن الخلط في المهام النيابية، وفي نوعية الخطاب الذي يستخدم ولأي مناسبة يصلح سيبقى مستمرا، وكذلك المنتج النهائي سيبقى مختلا لأن مدخلاته أصلا مشوهة ومعتلة.الرأي
ذلك انتهى بمراقبين إلى ملاحظتين نقديتين لما جرى تحت قبة البرلمان، أولاهما: أن المناقشات، في أغلبها، خلت من القراءة النقدية لأرقام الموازنة. والأخرى: أن الخطاب السياسي طغى على المداخلات من غير تقديم تصورات للمشكلات وكيفية التفاعل معها.
هاتان الملاحظتان، على درجة كبيرة من الواقعية والموضوعية، لكنهما ليستا جديدتين، إذ طبعت مناقشات المجالس النيابية، تاريخياً، بهما، أكان في مناقشات الموازنة العامة أو في مناقشات الثقة بالحكومات.
وفي كل مرة، يناقش فيها النواب موازنة أو ثقة بحكومة، يلحظ المراقبون أن الموازنة لا تناقش بصورة صحيحة وحضور السياسي فيها يغلب على حضور الأرقام.
وعند مناقشات الثقة تحضر السياسة، أيضا، لكنها تحضر حاملة للنقد من غير إقران ذلك بإجابات منطقية للخروج من المآزق السياسية.
يقول مراقبون: المفترض في النواب ألا يخلطوا كثيراً بين مناقشة الموازنة ومناقشة السياسات العامة للدولة أو الثقة بالحكومة، فالموازنة مناسبة لمناقشة الأرقام، بما يتطلبه ذلك من تقييمات سليمة للواردات والنفقات الجارية والرأسمالية، وتقييمات لطبيعة العجز ومقدار المديونية. لأن مثل هذه المناقشة، التي يفترض قيامها وفق منهجية علمية وحقائق لا افتراضات، أن تعالج الاختلالات في الموازنة، وتحرص على بنائها بما يزيد من مساحة الطبقة الوسطى لا تآكلها، وبما يخفف الأعباء المالية والاقتصادية عن القاعدة الاجتماعية، وكذلك فهم أسباب تزايد المديونية أو عدم تراجعها بشكل كاف.
إن غياب الوعي الدقيق بلغة الأرقام، والاستسلام المتواصل بأن الأرقام تكاد تكون مقدسة لا يمكن إحداث تغييرات في بنائها، ربما هو الذي يدفع إلى تسييس المداخلات التي تناقش خطاب الموازنة وارقامها، على نحو يبدو وكأنه هروب إلى الأسهل، والأسهل هو الحديث في السياسة.
والمشكلة، وفقا لمراقبين، انه: حتى الخطاب السياسي النقدي الذي يتجاوز مناقشة صلب الموازنة، لا يأتي بجديد، فقط نقد للسياسات والتوجهات التي تخص الشؤون السياسية الداخلية والخارجية، ولا يُستتبع هذا النقد بمقترحات وتصورات لما يجب أن تكون عليه.
فالمناقشات تناولت الشأن السياسي، والتطورات التي تشهدها المنطقة والإقليم، وعرضت لبعض مخاطرها، لكنها لم تقدم لمستويات القرار السياسي تصورات متماسكة وعميقة وإبداعية يمكنها أن تغيّر في هذه السياسات أو تضيف إليها.
وعلى رغم أن مناقشات أرقام الموازنة لا تمنع عرض الظروف السياسية التي تؤثر فيها، لكن الخطاب الذي يفترض أن يطغى عند مناقشة الموازنة هو خطاب الأرقام والتقييمات الجوهرية للسياسات المالية والاقتصادية، والعكس كذلك عند مناقشة الشؤون السياسية والثقة بالحكومة، فالخلط هنا يُحدث خللا في البناء الخطابي ويضعف قيمة ما يجب أن يضفه.
يعلل المراقبون الخلل في نوعية الخطاب النيابي لكل شأن، أكان موازنة أو ثقة بحكومة، هو غياب الطابع الحزبي لتركيبة مجلس النواب، وغياب القيمة الحقيقية للبرامج التي يفترض أن تشكل الناظم والأساس الذي تبني عليه الكتل البرلمانية مواقفها.
وإن تجاوز حالة التشوه في الأداء البرلماني، شكلا ومضمونا، يحتاج إلى أمور كثيرة، بينها ثلاثة أساسية: الأول: العمل على إدخال تغييرات في القوانين التي تصنع حالة برلمانية قيمة ووازنة، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب، وأن تتوافر إرادة سياسية لذلك.
الثاني: أن يراكم مجلس النواب أعرافاً وتقاليد يكون لها أثرها في عمله، التشريعي والرقابي (ولا نتحدث هنا عن الخدمي)، وتعطيه شخصية مستقرة وإيجابية، وتنهي الجدل المتكرر على تفاصيل يفترض أنها حسمت منذ سنوات طويلة، ليس أقلها الالتزام الذي يفرق بين المناقشة الاقتصادية والمناقشة السياسية.
والأخير: أن يختار الناخبون من يمثلهم بصورة صحيحة، أي يختاروا من لديه قدرات ووعي عاليين وفهم دقيق لمهمة النائب، ويقدم أداء متكاملاً عميقاً، دون الالتفات إلى بروز إعلامي لا يقوم على محتوى.
من غير تعديلات قانونية وإجرائية، ومن غير تطوير طريقة اختيار الناخب نائبه ومحفزات الاختيار، فإن الخلط في المهام النيابية، وفي نوعية الخطاب الذي يستخدم ولأي مناسبة يصلح سيبقى مستمرا، وكذلك المنتج النهائي سيبقى مختلا لأن مدخلاته أصلا مشوهة ومعتلة.الرأي