2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حكومة الضرورة الدستورية..!

راكان السعايدة
جو 24 :
جملة حيثيات تحيط بحكومة هاني الملقي، وتحدد، بصيغة ما، شكلها ومضمونها، وطبيعة دورها، ومدة وجودها، والكيفية التي ستدير بها الملف الاقتصادي، وتاليا الملف الانتخابي.

ولوضع الحكومة في سياقها الصحيح، والموضوعي الواقعي، لابد من الأخذ بالاعتبار التالي:

أولا: الحكومة الجديدة ليست أكثر من حكومة "الضرورة الدستورية"؛ اقتضاها النص الدستوري الذي يلزم برحيل الحكومة التي حل البرلمان في عهدها.

ثانيا: العمر الافتراضي لهذه الحكومة أربعة أشهر؛ فالدستور يلزم بإجراء الانتخابات خلال أربعة أشهر من تاريخ حل مجلس النواب.

هاتان الحيثيتان تعنيان أن لا ضمانة للحكومة كي تستمر بعد إجراء الانتخابات، وقدوم مجلس النواب الجديد، والسبب في ذلك:

أولا: أن صانع القرار لم يحدد، أو لم يعلن بعد، الكيفية التي سيتعامل بها مع مجلس النواب المقبل، وربما ينتظر أن يعرف على وجه الدقة تركيبة هذا المجلس وبناه السياسية والاجتماعية، واتجاهاتها، فهل صانع القرار بصدد بث الروح في فكرة الحكومة البرلمانية أم تشكيل الحكومة بالطريقة التقليدية الكلاسيكية.

ثانيا: أن التركيبة الحالية للحكومة لا تمكنه أن يتعامل أو يتعايش مع البرلمان المقبل، بغض النظر عن درجة قوته أو ضعفه، فالحكومة بصورتها الراهنة، تفتقد لسمة الكادر السياسي عميق الصلة بالقاعدة الاجتماعية.

ثالثا: قدرة الحكومة (رئيسا وفريقا) خلال الأشهر الأربعة المقبلة، ستكون حاسمة لجهة إمكانية تكليفها، أو على الأقل رئيسها، مرة أخرى بتشكيل الحكومة وطلب ثقة النواب، أي أن نجاح أو فشل الرئيس الملقي مسألة أساسية لناحية تجديد الثقة به أو الاكتفاء بمهمته الانتقالية بين المجلسين (الراحل والقادم).

لذلك، فالمرجح أن الرئيس، بصفة شخصية، سيعمل بكل طاقته لإثبات جدارته بالموقع الذي اعتلاه، وهنا، فنمط إدارته وقراراته سيتوقف على اختياره الطرف الذي يريد أن يرضيه (...) ويتوقف على طموحاته المستقبلية، وما إذا كان يريد تكرار تجربة الحكومة السابقة بالحياة والموت مع المجلس النيابي.

الرئيس الملقي، يدرك أن فترة الأربعة أشهر التي تسبق الانتخابات، بمثابة اختبار له، وانه لا يملك ترف الوقت لوضع خطط تنفيذية، عميقة وإبداعية، لترجمة ما كلف به، وهو تكليف واسع ومتعدد الجوانب ولا بد أنه أخذ عامل الوقت بالحسبان، لكن ضرورات التكليف تقتضي التأشير دائما على كل القضايا الوطنية تقريبا.

أي أن إدراك الرئيس لإشكالية الوقت، وربما محدودية قدرات بعض فريقه، قد تدفعه للتركيز على جزئيات محددة وردت بكتاب التكليف، وبالتحديد أربعة جزئيات ملحة:

أولا: توفير الدعم اللوجستي التام للهيئة المستقبلة للانتخاب لإجراءات الانتخابات النيابية، والعملية برمتها مسؤولية الهيئة، أو هكذا يفترض.

ثانيا: إتمام التعليمات والأنظمة والإجراءات المرتبطة بقانون اللامركزية، تمهيدا لانتخابات مجلس المحافظات العام المقبل.

ثالثا: وهو الأهم، إتمام كل متطلبات مجلس التنسيق الاقتصادي الأردني- السعودي، وحيثيات صندوق الاستثمار، وهذه ستكون المهمة الأساس للحكومة ورئيسها، وهو يدرك أن نجاحه في تصميمها وإنجازها سيحسب له سعوديا وأردنيا، وعمّان تعول على هذا المفصل الاقتصادي بوصفه المنقذ من مأزق كبير، حتى لو ربط هذا المفصل بمتطلبات تتصل بالأجندة السياسية لقضايا المنطقة، بما فيها التسوية السلمية.

رابعا: من المفترض أن تجد الحكومة وفريقها الاقتصادي طريقة لإدارة العلاقة مع صندوق النقد الدولي، وسبيلا لتسوية معقولة تأخذ بالاعتبار حاجة الأردن للقرض المتفاوض عليه، وشروط الصندوق التي في شكلها ومضمونها كارثية، فهي تشترط تحرير أسعار الكهرباء والغاز والخبر، وكل أشكال الدعم.

أما في البعد السياسي الخارجي، وبعض التفاصيل الداخلية (مثل ملف الإخوان المسلمين) فالمؤكد أن علاقة الحكومة بها ستكون شكلية، فإدارة الملفات السياسية الحساسة والمعقدة تجري في مكان آخر، ولا تتأثر برحيل حكومة وقدوم أخرى.

إذن، حكومة الملقي أمام مسألتين، الأولى: سياسية تتصل بالانتخابات النيابية وتحضير البيئة التشريعية اللازمة لانتخابات مجالس المحافظات. والأخرى اقتصادية، واحدة يفترض أن تحسن الواقع الاقتصادي للدولة، والأخرى ستنهك الناس ومعيشتهم.

وإذا أدار الملقي هذه الملفات، خصوصا الاقتصادية، بنجاح، حتى لو على حساب الواقع المعيشي للقاعدة الاجتماعية، فإن فرصته بالانتقال والاستمرار للعمل مع مجلس النواب المقبل واردة، لكن مع تغييرات جوهرية في بنية فريقه، إلاّ إذا كان لصانع القرار تصور آخر تفرضه ظروف داخلية وخارجية تستوجب نمطا مختلفا في طريقة تشكيل الحكومات.

فمن يراقب الحالة السياسية الإقليمية، وتبدلاتها وتعقيداتها، يلحظ أن الفترة المقبلة ربما تشهد تطورات من نوع ما، خصوصا على صعيد القضية الفلسطينية التي بات حلها، كيفما اتفق، متطلبا لتحالفات إقليمية جديدة في سياق التصارع مع إيران.. فالملف الفلسطيني ربما ينتقل من موقعه كأولوية متأخرة (ثالثة بعد إيران و"داعش") إلى أولوية أولى استدعت الأولويات الأساسية الأخرى حله.

ومثل هذا المسار لا يمكن للحكومة الحالية التعاطي العميق معه أو الإسهام ببناء تصوراته، وإنما فقط سيكون دورها فنيي وإجرائيا بتصميم البيئة اللازمة لمرحلة حسم القضية.

إجمالا، حكومة الملقي، فضلا عن كونها "حكومة الضرورة الدستورية" فهي للآن تأخذ طابعا انتقاليا بين مرحلتين أو مجلسين، ومستقبلها رهن الأداء والتطورات، والأهم رهن تصورات صانع القرار المستقبلية.
 
تابعو الأردن 24 على google news