2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الكامن وراء التصعيد مع الإخوان والتعديلات الدستورية..!!

راكان السعايدة
جو 24 :
بالقراءة الأولية.. فان من بين جملة المتغيرات السياسية، الواضحة والمبهمة في آن، واضحة لجهة معالمها ومبهمة لجهة أهدافها، فإن متغيرين أساسيين جديران بالتقييم: التصعيد مع جماعة الإخوان المسلمين (الجماعة الأم)، والتعديلات الدستورية.

هذان المتغيران ليسا منقطعين عن بعضهما البعض، فلا يقيم أحدهما بمعزل عن الآخر، ولا يمكن فصلهما عن مشروع سياسي كبير، يرجح أنه قادم في الطريق، لا يرتبط بشأن محلي خالص، وإنما بتطور إقليمي استراتيجي.

فأخذ لقطة للمشهد السياسي، ومحاولة تحليلها، لن ينتهي إلى استنتاجات منطقية وموضوعية، فاللقطة الجامدة لن توحي بتصورات محددة، بل سيكون تحليلا منقطعا عن السياق، فالأصح أن تقرأ حيثيات المسار السياسي كله، كي تنتهي إلى فهم عميق ودقيق للمآلات.

الإخوان المسلمون..

إن التقييم الذي يقول بأن ما تتعرض له جماعة الإخوان المسلمين يستهدف إضعافها ومن ثم إخضاعها والهيمنة عليها، قول ضعيف، لأن السياق يشي برغبة في شطب هذه الجماعة، وتصعيد بديلها الذي تمثله الآن جمعية جماعة الإخوان المسلمين.

وإذا ما فشلت الخطة الرئيسية بشطب الجماعة، ككيان وليس فكرة، فان الإضعاف ومن ثم الإخضاع يكون بمثابة خطة بديلة (أو الخطة ب).

السؤال هنا: ما الغاية من عملية الشطب وإحلال البديل..؟!

لا بد أن جملة أهداف تستدعي حالة التصعيد مع "إخوان الأردن"، منها لاعتبارات شخصية، ومنها لها صلة بواقع إقليمي مستجد تأسس منذ إطاحة حكم الإخوان في مصر، وبروز محور مناوئ للإسلام السياسي تشكل بداية من السعودية والإمارات ومصر والأردن، قبل أن تنفض عنه نسبيا السعودية، والتي انفتحت لاعتبارات سياسية ذاتية، على المكونات الإخوانية باستثناء "إخوان مصر".

أي أن الأردن وجد نفسه لأسباب مصلحية بحتة، مضطر إلى التعايش والتعامل مع استراتيجية خليجية- مصرية (باستثناء قطر) أخذت موقفا حادا من "الإخوان" والقت بكل أوراقها السياسية والاقتصادية والأمنية لمحاربتها.

هذا واحد من الأهداف، فيما الهدف الأبرز، الذي له انعكاساته الداخلية، وقد يشكل، أيضا، عاملا كاشفا لمآلات المستقبل، أن مستويات القرار السياسي، ربما، تُقبل على خطوة سياسية لها علاقة ببنية الحكم، وتريد شطب الجماعة واستبدالها بأخرى متماهية معها، ومنقطعة عن حركة حماس.

ففرص التصادم السياسي بين "الإخوان (الجماعة الأم) مع القرار الرسمي، ممكن، حول بعض المفاصل السياسية والتحولات المستقبلية المحتملة، ولأن هذه مسألة لا يمكن لمستويات القرار الرسمي احتمالها، فهي رأت استبدالها بجماعة "مطواعة" مسألة ملحة ضرورية.

والمعنى الكامن هنا، أن الدولة، والقرار الرسمي، يعي جيدا أن الهيكل الحزبي والتنظيمي الوحيد في الأردن الذي له ثقله، وعمقه، وتأثيره هو الكيان الإخواني الأساسي، وشطبه، أو في الحد الأدنى إضعافه، يلغي وجود أي قوى حزبية ومنظمة يمكنها أن تقاوم مشاريع سياسية قادمة ذات أثر جوهري في شكل وبنية الدولة.

التعديلات الدستورية..

من الصعب الاتكاء على فهم البعض، وتحليله، من أن التعديلات الدستورية، مقصودة لذاتها، وتستهدف فقط تركيز مزيد من السلطة بيد الملك، فالقول بمثل هذا لا يستقرىء تفاصيل الواقع، واحتمالات المستقبل.

من ثم، فإن الواقع الموضوعي يؤكد أن ما فعلته التعديلات الدستورية، هو فقط، "دسترة" و"شرعنة" الواقع، فما كان لحكومة، وفقا للطريقة التقليدية التي تشكل بها الحكومات، أن تقرر وحدها من هو مدير المخابرات أو قائد الجيش أو قائد الدرك أو من هم أعضاء مجلس الأعيان، أو أعضاء المحكمة الدستورية، أو رئيس المجلس القضائي، أو تقرر وحدها في الكثير من الشؤون الأخرى.

تلك حقيقة، لا سبيل لإنكارها أو تجاهل مفاعيلها، لكن من غير المنطقي الخضوع لهذا التفسير، أي "دسترة" الواقع وشرعنته، ليس إلا.. فهذه التعديلات تمهيدية، ومقدمة، لأمر ما، يرتبط بالدور الذي سيناط بالأردن.

وبقدر ما تثير التعديلات من جدل سياسي ومجتمعي، فإن القادم لن يكون أقل جدلا وإثارة، ومع ذلك فان الجدل وتعدد الآراء حول التعديلات، قبولا ورفضا، لن تكون سببا في التراجع عنها، لانها، مرة أخرى، لا ترتبط بحاجة محلية ترفية، بقدر ارتباطها بمشروع سياسي قادم، يحتاج إلى تركيز القرار السياسي والأمني والقضائي بيد الملك، منفردا، ولو إلى حين.

فالقرار الرسمي لا يمكن أن يكون غير منتبه إلى الاعتراضات وحقيقة أن هذه التعديلات، تعصف بالكثير من مؤشرات الإصلاح المفترضة، وتخرج عن سياق النظام السياسي الأردني بشكله المعتاد، ويبدع نمطا جديدا لا مثيل له في أي مكان آخر، فهو حتما منتبه لها، ومستعد لهضمها، طالما هي لا تعرقل القادم.

الأهداف والأبعاد الكامنة..

للوهلة الأولى، يبرز سيناريو، غير مكتمل الأركان إلى الآن، ففيه جانب خفي سيظهر لاحقا، ذلك السيناريو يقول بأن الأردن مقبل على حكومة برلمانية، لكن ليس بالمعنى المتعارف عليه في الديمقراطيات المؤسسة على الحكومات البرلمانية.

ولأنها ستكون، أي الحكومات البرلمانية، مسارا ونهجا، بأهداف سياسية كامنة، فإن تركز السلطات بيد الملك هدفه الأساس تحصين مراكز القرار الأمني والسياسي والقضائي، من أي تجاذبات بين تلك الحكومات والقصر.

الأثر الجوهري هنا، أن ذلك سيعصف بقيمة الحكومة البرلمانية، ويحولها إلى مجموعة من الموظفين الكبار، مع ما يعنيه ذلك من إعادة تعريف الولاية العامة، والكيفية التي سيدير بها البرلمان دوره الرقابي، وسيخلق سلسلة من مراكز النفوذ المتساوية بالقوة إلى حد كبير.

لكن ذلك قد لايبدو مهما عند مستويات سياسية رسمية عديدة، باعتبار أن الهدف الأساسي يتطلب، بل ويفرض هذه المنهجية، والمؤكد أن من صاغ قانون الانتخاب الأخير، بكل ما يحدثه من تغيير في الأوزان السياسية والديمغرافية في تركيبة مجلس النواب المقبل، يمهد أيضا للتغيرات المقبلة، لكنها لن تكون تركيبة حزبية سياسية بسبب أن القانون لا يساعد على ذلك.

ولأن القارىء الحصيف للاتجاهات التاريخية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية، يعي بصورة عميقة أن دور الأردن مرتبط عضويا بتسوية القضية الفلسطينية، وان تحليل المعطيات والمتغيرات المحلية لا يمكن أن يأخذك بغير هذا الأتجاه.

وقد عاد مؤخرا، وعلى نحو لافت، الحديث عن الكونفدرالية الأردنية- الفلسطينية، وتزامن الحديث مع تصاعد المتغيرين الوطنيين (التصعيد مع "الإخوان") والتعديلات الدستورية؛ والكونفدرالية قد تكون جزءا من مشروع تسوية قضايا المنطقة، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وربما ليبيا، وفي قلبها كلها القضية الفلسطينية.

فأي صفقة كبرى بين القوى الدولية الكبرى لتسوية قضايا المنطقة، وإعادة ترتيب مراكز النفوذ فيها، يتطلب، بحكم الضرورة، أن يتم حل القضية الفلسطينية، ولأن الدور الأردني سيكون هامشيا في سوريا والعراق، فان دوره الرئيس محصور أو "محشور" في القضية الفلسطينية، وليس مطلوبا منه أكثر من ذلك، وعليه أن يحضر بنيته الداخلية لذلك.

إن ربط الأحداث والمتغيرات مع بعضها البعض هو المنهج والسياق الذي يتيح وضوح الصورة، ويكشف عن الكامن والاتجاه العام.. وفي حالة الأردن، فان الرابط الخفي بين الأشياء يمنح قراءة مغايرة للواقع واتجاهاته، والطريقة التي يصمم بها المسار.

وهو المسار الذي لا يبدو أن عليه اعتراضات من مركز القرار العالمي، بل ربما هو مطل عليها، ويدرك معانيها وأهدافها، هذا إن لم يشترك اصلا في تصميمها، باعتباره المركز المعني بصياغة المنطقة، وينسق الحلول لمشاكلها.
نعم، ربما نحن في انتظار أمر كبير.. !
 
تابعو الأردن 24 على google news