2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الانسحاب الروسي من سوريا.. تكتيكي أم استراتيجي

راكان السعايدة
جو 24 :
تختلف القراءات لـ"الانسحاب" الروسي من سوريا، تبعا لاختلاف زاوية التحليل، فأي قراءة لا تقوم على تتبع دقيق للمعطيات خلال الفترة الماضية، ستفضي إلى فهم سطحي وغير واقعي، بينما القراءة الدقيقة لتلك المعطيات لابد أن تنتج فهما مختلفا وتقييما مغايرا، وبالتالي أعمق استنتاجا.

من حيث المبدأ، استثمرت روسيا في سوريا استراتيجيا، وليس تكتيكيا ومرحليا، أي أن موسكو لم تذهب لتقاتل سياسيا وعسكريا في سوريا خارج استراتيجية شاملة وواسعة وتقديرات واعية لطبيعة التدخل ومآلاته والنتائج التي تريد تحقيقها على مختلف المستويات الإقليمة والدولية.

وروسيا، وإن ادعت انها جاءت لسوريا لمقاتلة التنظيمات المتطرفة والمتشددة، فانه إدعاء ناقص وتبرير مجزوء، لأن مصالحها هناك أكبر بكثير من المخاطر التي أنتجها تنظيما الدولة الإسلامية "داعش" و"جبهة النصرة".

بمعنى أن روسيا أرادت من تدخلها تحقيق جملة أشياء من بينها:

أولا: الرغبة الشديدة في البروز كقطب عالمي، وليس كقوة إقليمية على أطراف أوروبا، وهي نزعة مستحكمة في تفكير وعقل الرئيس (فلاديمير بوتين)، يغذيها الشعور القومي الروسي المتنامي.

ثانيا: لروسيا مصلحة حيوية في المحافظة على قدر من النفوذ في الشرق الأوسط، وهو ما توفره له قاعدتها العسكرية البحرية في طرطوس.

ثالثا: اختبار القدرات العسكرية الروسية الحديثة، وتجربة أسلحتها المتطورة، لأمرين (1) التأكد من فعاليتها وقوة تأثيرها، و(2) إيجاد سوق شرق أوسطية بل وعالمية لها.

رابعا: تشكل مسألة الطاقة والغاز مصدر قلق لروسيا، ولديها خشية من أن تستخدم سوريا وسواحلها ممرا للغاز الإيراني والقطري إلى أوروبا (سوقها الرئيس).

خامسا: موسكو على قناعة أكيدة أن وجودها وتأثيرها في الأزمة السورية، يسهم بقدر كبير في حلحلة أزمتها في أوكرانيا، والتي تتجلى في العقوبات الأميركية والأوروبية الاقتصادية بعد اقتطاعها شبه جزيرة القرم.

وسادسا: شئنا أم أبينا فإن روسيا أكثر حرصا على فعالية المنظومة الدولية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) وهي شديدة الحساسية حيال أي فعالية دولية عسكرية أو سياسية خارج الإطار الأممي، وتؤكد دوما حرصها على احترام قواعد العمل الدولي، وحتى عندما تخرق موسكو هذه القواعد تحرص على منحها شكلا قانونيا تحايليا سليما.

سابعا: هذا كله كان يستدعي التدخل في سوريا لمنع انهيار النظام وسقوط دمشق، بمعنى أن التدخل الروسي استهدف بشكل أساسي، خلق توازن قوى في سوريا على الأرض بما يمكن من تسوية سياسية تراعي المصالح الروسية.
هذه المعطيات ليست كل عناصر الاستراتيجية الروسية، لكنها بلا شك أبرز جوانبها، وعلى هذا الأساس يمكن قراءة الخروج الروسي الجزئي من سوريا، بانه ليس خروجا انسحابيا أو هروبا تاما من ساحة الأزمة، وتخليا عن مصالحها في سوريا وفي الإقليم.

لكن ذلك لا يعني إطلاقا أن ليس لدى روسيا ملاحظات متراكمة على الأداء العسكري والسياسي السوري والإيراني، والذي برز أخيرا وكأنه خروج تام، أو شبه تام عن المقاربة الروسية، وهو أمر يزعج الكرملين ويحرجه أمام الأوروبيين وأميركا ويظهره كمن يفقد الزمام والسيطرة، وانه مجرد ماكنة عسكرية تخدم مقاربة نظام الأسد وإيران فقط.

ومن بين جملة الملاحظات الروسية على حليفيها السوري والإيراني، خصوصا التي كانت أكثر بروزا قبل "جنيف 3":

أولا: حديث الرئيس (بشار الأسد) عن استعادة كل الأراضي السورية، وردت عليه موسكو بصورة حاسمة، عندما قالت بما معناه أن على النظام السوري ألا يغادر مربع السياسة الروسية.

ثانيا: الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة قُبيل "جنيف 3" والتأكيد على ألا انتخابات رئاسية حسب وثائق "فيينا" و"ميونخ" وقرارات مجلس الأمن، وأن أي انتخابات ستجري تحت إشراف النظام الحالي، وأن هيئة الحكم الانتقالي لا وجود لها، وفقط حكومة شاملة تشارك بها (معارضة وطنية) يديرها (الأسد)، الذي قال عنه مندوب سوريا في الأمم المتحدة (بشار الجعفري) الخط الأحمر الذي لا يجوز مناقشته في أي مفاوضات.

ثالثا: رفض مشروع "الفدرالية" الذي تحدث عنه وزير خارجية روسيا (سيرغي لافروف)، وردت عليه بتحفظ شديد دمشق وطهران.

هذه الملاحظات، العمومية وليست التفصيلية، ما كان لروسيا أن تمر عنها مرورا عابرا، أو تحتويها وتغض الطرف عنها، لانها ببساطة تتعارض مع خططها السياسية والعسكرية، فروسيا:

أولا: ليست بوارد الدخول في حرب طويلة في سوريا تستنزفها عسكريا واقتصاديا، وهي التي تعاني من أزمات اقتصادية جوهرها تراجع أسعار النفط والغاز.

ثانيا: لم يكن في ذهن روسيا ولا خططها تمكين النظام من استعادة كامل الأراضي السورية، وإنما إعادة التوازن الميداني الذي يمهد لمخرج سياسي.

ثالثا: روسيا، وغير مرة، ألمحت إلى أن وجودها وقتالها في سوريا ليس لصالح شخص (أي ليست لصالح بقاء الأسد) في الحكم، فهي مدركة أن استمرار حكمه مسألة مستحيلة.

رابعا: تدرك موسكو أن التعايش بين المكونات السورية ضمن دولة واحدة أمر غير وارد إطلاقا، وأن المحصلة النهائية للأزمة إما تقسيم سوريا وإما فدرالية، والأخيرة خيارها المفضل، وضد رغبة إسرائيل بتقسيم سوريا تقسيما نهائيا.

خامسا: روسيا غير معنية، بشكل كامل، باستراتيجية إيران وحزب الله التي تركز على جغرافيا محددة تريد تمكينها من السيطرة عليها، في جنوب سوريا والمنطقة الحدودية مع لبنان، خصوصا الجولان.

أمام كل المعطيات السابقة، سواء تلك التي تعلقت بالاستراتيجية الروسية الكبرى، أو بتلك المتعلقة بملاحظات موسكو على حلفائها، فان فهمها وهضمها يساعدان في وضع تفسيرات معقولة للخروج الروسي، وفهم أن حجم التنسيق الروسي – الأميركي تجاوز إلى حد كبير تأثيرات القوى الإقليمية المنخرطة في سوريا.

أي أن ما بين الرئيسين الأميركي (باراك أوباما) والروسي (فلاديمير بوتين) ووزيري خارجيتهما (جون كيري) و(سيرغي لافروف) أكبر بكثير، في شأن الأزمة السورية، مما بينهما وبين حلفاء كل طرف في الإقليم أو على الأراضي السورية.

وتأسيسا على ذلك، فان السيناريوهات المرتبطة بـ"انسحاب" روسيا الجزئي من سوريا محصورة في سيناريوهين اثنين فقط، وهما:

أولا" السيناريو الأكثر واقعية والمنطقي، هو أن روسيا تقصدت رفع الغطاء النسبي، عن نظام الأسد لدفعه إلى تنازلات معقولة في "جنيف 3"، ورغم المفاجأة التي تبديها أميركا من هذا الانسحاب، فأكثر التقديرات منطقية تقول أن ما يصدر عن واشنطن ليس واقعيا.. لأسباب:

(1)الرئيس الأميركي كان قبل أيام، وفي تصريحات لمجلة "ذا اتلانتيك" الأميركية رفع الغطاء عن أغلب حلفائه في المنطقة، ووجه لهم اتهامات وانتقادات لاذعة، وخصوصا السعودية وتركيا، ما يعني أن رفع الغطاء بدا وكأنه متبادل بين (بوتين) و(أوباما).
(2)الاجتماع الذي عقده (جون كيري) مع نظراء أوروبيين، وهو اجتماع تعلق بسوريا، ولم يحضره أي طرف عربي، وعقبه بدأ الحديث عن العقوبات على روسيا المفروضة على أكتاف أزمة أوكرانيا.
(3)التنسيق الكامل بشأن وقف "الأعمال العدائية" في سوريا، والذي نسق، وتم ضمانه، على مستوى الرئيسين (أوباما) و(بوتين).

هذا السيناريو، يعني، عمليا، المحافظة على الوضع القائم في سوريا، والدفع باتجاه التسوية عبر "جنيف 3"، بما في ذلك ضمانات أميركية لروسيا بألا تقدم السعودية وتركيا على أي عمل بري في سوريا، إلاّ بعد التسوية السياسية ذات النطاق الفدرالي، التي من بعدها يتم تشكيل أو إعادة تشكيل التحالف الدولي ينخرط في مواجهة مع "داعش" و"النصرة".

فروسيا وأميركا بدا أن لديهما ذات التقييم من حيث أن شعور أطراف الصراع بتوفر الغطاء الدولي والإقليمي لهما سيمنعهما من تقديم تنازلات جوهرية، وأن دفعهما لهذه التنازلات والسير في طي ملف الأزمة لن يكون إلاّ بشعور هذه الأطراف بتخلي القوى الداعمة لها عن توفير هذا الغطاء.

السيناريو الآخر: وهو الأضعف، أن روسيا تخلت عن (الأسد)، وبالتالي تخلت عن طموحاتها في المنطقة والإقليم، وأنها قد تكون قبضت ثمن ذلك، بأشكال مختلفة، كرفع العقوبات عنها، وضمان عدم المساس بقاعدتها في طرطوس، وتحسين أسعار النفط.

المنطق يقول أن وراء الأكمة أشياء، وان ما بين روسيا وأميركا الكثير بشأن الأولى، وأن عقلية (بوتين) لا تستوعب فكرة الخروج بهذه الطريقة.. هو يخرج ليضمن أن مقاربته، أو تلك المقاربة المشتركة مع أميركا، هي التي ستنفذ وليست مقاربة الأسد وإيران.

أهي صدفة أن تأتي خطوات (بوتين) من قبل تصريحات (أوباما) قبيل مفاوضات"جنيف 3"، ولما لا نستنتج أن أميركا وروسيا قررتا حسم ملف سوريا وإنهاء أزمتها نهائيا..؟!
 
تابعو الأردن 24 على google news