2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

ماذا يعني إعادة تموضع إخوان الأردن..؟!

راكان السعايدة
جو 24 :
من المبكر، والمبكر جدا، الحكم، بصورة نهائية على خطوتي "جبهة العمل الإسلامي" و"جماعة الإخوان المسلمين"، المتصلتين بالمشاركة في الانتخابات النيابية، وتعيين إدارة مؤقتة للجماعة، وذلك لجهة:

أولا: إذا كان تكتيكا مرحليا، اقتضته ظروف موضوعية تخص أزمة الحركة الداخلية، وما يحيطها وطنيا وإقليميا؛ أي ان الحركة الإسلامية كانت تحتاج إلى مثل هذه الانعطافة للإفلات من سيناريو التهميش العميق وسياس الإقصاء الممنهج.

ثانيا: إذا كانت استراتيجية دائمة وراسخة تترجم وتعكس مراجعة موضوعية تمت ضمن الأطر الداخلية، واستندت إلى تقييمات علمية للواقع الراهن، أكان واقع الحركة الداخلي، أو ما يلفها من سياسات رسمية طوقتها وكادت تخنقها سياسيا وقانونيا.

هاتان الخطوتان؛ المشاركة في الانتخابات والإدارة المؤقتة، لا تجيبان، بصورة حاسمة، على سؤالَي "التكتيكي والاستراتيجي"، لكنهما كاشفتان لطبيعة التقييمات والتقديرات التي توصلت إليها الحركة، وجعلتها تنحو إلى هاتين الخطوتين بوصفهما مهمتين في تخفيف الطوق الرسمي، والإفلات من المأزق الداخلي.

أي أن التقييمات والتقديرات التي انتجت قراري الحركة الإسلامية لا تؤشران على حدوث تطورات إيجابية أفضت إلى هذين القرارين، وإنما تطورات سلبية، ويمكن استنتاج ذلك من عدة مؤشرات:

أولا: لم تتغير الظروف الموضوعية والذاتية التي كانت أنتجت قرار "الإخوان" بمقاطعة الانتخابات النيابية، بل على العكس، فالحركة لم تجد في قانون الانتخاب سببا كافيا ومقنعا كي تشارك في الانتخابات، إذ أن لها عديد الملاحظات على القانون، وظروف إنتاجه.

ثانيا: القرار الرسمي، بإغلاق مقرات الإخوان، قائم ومتدحرج، وبلغ الحال أن منعت السلطات الرسمية الانتخابات الإخوانية الداخلية من مواصلة خطواتها، وبدا أن الحركة نفسها رأت ضرورة عدم معاندة المنهج الرسمي كي لا تفاقم الأزمة وتصل بها إلى حدود حاسمة في حال استمرت بانتخاب كل الأطر القيادية.

ثالثا: الانقسام الداخلي، بين القيادة التي يتزعمها (همام سعيد) و(زكي بني ارشيد)، ولجنة الحكماء لم تهدأ، بل بلغت في مرحلة من المراحل منعطفا مهما عندما تحدث الحكماء، على لسان (سالم الفلاحات) صراحة عن فكرة تأسيس حزب جديد بخلاف حزب الجماعة القائم (أي تأسيس حزب مواز لجبهة العمل الإسلامي).

هذا المثلث من الظروف العامة الصعبة التي تحيط الحركة الإسلامية، وما في داخل هذه الظروف وثناياها، من أسباب أخرى أكثر تفصيلا، بدا انها السبب الأساس الذي دفع الحركة إلى مباشرة مسار تغييري، قد لا يتوقف عند حدود المشاركة في الانتخابات، وإنتاج قيادة جديدة للجماعة بعد تلك الانتخابات.

ما معنى ذلك؟
يبدو أن قناعة الحركة الإسلامية، باتت يقينية بأن المسار الرسمي الإقصائي والتهميشي والإحلالي لن يتوقف حتى إتمام خطته، وأن المسألة ليست تكتيكية، وإنما استراتيجية تتّبع سلسلة متنوعة من التكتيكات التي تهتم بعدم إثارة ردود أفعال حادة ومزعجة.

هذه القناعة، لم تلد صدفة، بل نتيجة تراكم وتقييم مستمر لطبيعة الإجراءات الرسمية، وتقديرات واستنتاجات لمآلاتها والحدود التي تريد أن تبلغها، لذلك كان لابد من أن تنتهج الحركة استراتيجية مختلفة تحاول أن تعكس المسار الرسمي، وتسهم في فتح الخطوط المغلقة معه، على أمل التوصل إلى تسويات وتفهمات جديدة تحافظ إطار الحركة وهياكلها.

ومن قبل فإن مشاركة الحركة في الانتخابات ووصول عدد من نوابها قبة البرلمان، مهما كان العدد، سيمنح الحركة قدرا معقولا من أسباب تأكيد شرعيتها السياسية والقانونية والشعبية، ويمنحها منصة رسمية للتواصل مع أطراف الدولة المؤثرة، وإعادة صياغة العلاقة بشكل معقول ومقبول من الطرفين.

لهذا اتخذت الحركة سلسلة خطوات، وأرسلت عدة رسائل إيجابية إنفاذا لتك الاستراتيجية:

أولا: قررت المشاركة في الانتخابات النيابية، ومن ثم بالتوازي، شكلت قيادة مؤقتة معتدلة لإدارة الجماعة، ومن الخلف الانتخابات النيابية التي ستكون واجهة إدارتها قيادة جبهة العمل الإسلامي.

ثانيا: وهذا عامل مهم، أن الحركة ستخوض الانتخابات بقائمة موسعة مع أحزاب وقوى أخرى، بخلاف النمط الذي كانت تتبعه في كل انتخابات سابقة خاضتها بقوائم خاصة غير تشاركية.

ثالثا: أرسلت رسالة مهمة أنها تفكر جديا، في سياق مراجعاتها، في الفصل بين الحزب والجماعة، أي أن تمارس السياسة من خلال الحزب، والدعوة من خلال الجماعة.

بطبيعة الحال هناك جملة عوامل وأسباب تحفز الحركة لاتباع هذه الاستراتيجية، من أبرزها:

أولا: قناعة الجماعة أن لا طرف، رسميا أو غير رسمي، يمكنه أن ينازعها الشرعية الشعبية والسياسية أو يلغيها، وهي تراهن على ذلك في الانتخابات المقبلة.

ثانيا: تدرك الحركة أن جمعية الجماعة الحديثة، وحتى شريكتها مبادرة زمزم، لا يمكنهما تخليق أي ظروف موضوعية لتحل محل الجماعة التاريخية، وأن فرصهم في كسب الشعبية ضعيفة للغاية، وتجربة حزب الوسط الإسلامي دليل على ذلك.

ثالثا: يراقب "إخوان الأردن" التجربتين المغربية والتونسية، من جهة والتجربة المصرية من جهة أخرى، ويبدو أن "إخوان الأردن" رأوا في تجربتي المغرب وتونس، السبيل والمسار الأفضل لتجنب مأزق "إخوان مصر" والحركة الإسلامية، حال التزمت هذا المسار، تحاكي، بشكل أساسي، تجربة حزب النهضة التونسي الذي قرر في مؤتمره العاشر، قبل أيام، فصل "الدعوي" عن "السياسي"، بما في ذلك من تمايز عن مسألة فصل "الدين" عن "الدولة".

كل ذلك، ربما يستدعي من الجانب الرسمي ملاقاة الحركة الإسلامية عند نقطة ما، وتجنب المسار الذي كان متبعا قبل أن تُحدث الحركة الانعطافة الأخيرة وأن تكون على قناعة أن استئصال الحركة مسألة مستحيلة، والحركة ذاتها عليها أن تدرك أن الواقع تغير بشكل عميق وما عاد النمط القديم في العمل ممكنا ومتاحا، وهذا التلاقي المفترض مصلحة وطنية كبيرة، خصوصا في سياق التحديات والاخطار الجدية التي يفرضها واقع الإقليم.
 
تابعو الأردن 24 على google news