2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

أميركا تفكك بالتدريج تحالفها مع السعودية..!!

راكان السعايدة
جو 24 :
يلاحظ في الأشهر الأخيرة، وتحديدا منذ قمة الرئيس الأميركي بقادة دول الخليج في ظلال الجدل حول الاتفاقية النووية الإيرانية أن الخطاب السياسي النقدي، وأحيانا الاتهامي الرسمي وغير والرسمي، وحتى الإعلام، للسعودية (مركز الخليج وقلبه) تنامي بصورة كبيرة ولافتة.

من شأن ذلك أن يؤدي إلى استنتاجين رئيسين، أولهما: أن كثافة النقد وتوسع نطاقه لا يعني اننا حيال تغييرات وشيكة وآنية في العلاقة الأميركية- الأوروبية بالسعودية، وثانيهما: أن الأميركيين والأوروبيين يمهدون الطريق للمستقبل، ويخلقون بيئات يرونها مناسبة وضرورية لتدخلات جدية وجوهرية تعيد هيكلة الحكم السعودي وأنماطه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أي أن الملاحظات النقدية والاتهامية تعكس، في طياتها، مزاجا متناميا ومتدحرجا في أميركا وأوروبا تجاه طريقة إدارة النظام السعودي لشؤونه الداخلية، وطبيعة مواقفه وتدخلاته الإقليمية والدولية، وأن مستويات سياسية رسمية في الغرب، وحتى إعلامييه وخبراء في التحليل السياسي، باتوا يضيقون ذرعا بواقع النظام الذي يرون أنه أخذ يترك أضرارا واسعة في نطاقه الداخلي، وعلى محيطيه الإقليمي والدولي.

ذلك الضيق الذي بات، على ما يبدو، يلح، من وحي المصالح الأميركية والأوروبية البحتة، على ضرورة، وأهمية، ممارسة أشكال من الضغط الكافي على الرياض لإحداث تغييرات هيكلية ذات صلة بحقوق الإنسان، بكل تفاصيلها، ومتطلبات الديمقراطية، بكل اشتراطاتها، أي أن المطلب الأميركي- الأوروبي سيكون معنيا بتغيير ملزم لنظام حكم بات يُرى أن شراكته وارتباطه العضوي بالوهابية، وسيادة منطقها الديني تحمل تهديدا واسع النطاق.

وأكثر ما يمكن أن يكون تهديدا لنمط الحكم السعودي الحالي، تنامي الموقف العدائي من عمق تأثير الوهابية في بناء أفكار متطرفة، ومتشددة، وهي الوهابية التي تعتبر، في الغرب، باعثا واقعيا وموضوعيا لمختلف التكوينات الجهادية الهيكلية الحالية.

وإذا ما أضيف إلى ذلك اتهامات بالتمويل السعودي، الرسمي وغير الرسمي، لها أو لبعضها، والصلة التاريخية التي تشاركت بها السعودية مع أميركا لتنمية وتصعيد "قاعدة الجهاد" في أفغانستان، وصولا إلى أن أغلبية من نفذوا هجمات 11 سبتمبر من السعوديين، فإن ما كان يحتمله الغرب في سنوات سابقة بما في ذلك تعايشه مع تنظيم "القاعدة" ما عاد يمكن احتماله، بعد أن بلغ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من التوسع والتنوع في العمليات ما هدد، ويهدد، الأمن الأميركي والأوروبي، وبصورة واقعية لا متخيلة.

إن إشارة رئيس أكبر واقوى قوة عالمية (باراك أوباما) إلى ضرورة بناء حياة سياسية في الخليج، وبالخصوص في السعودية، لتمكين الشباب من خيار آخر غير "داعش"، إشارة تأسيسية ذات دلالات عميقة، وهو ما يمكن لمسه، أخيرا، وبوضوح في مقابلة (أوباما) مع مجلة " ذا اتلانتك".

فهو، أي أوباما، يريد القول، وبصريح العبارة للسعودية، أن نمطها السياسي السائد الآن، يجب أن يتغير، والتغيير المقصود هو فتح الحياة السياسية أمام السعوديين، ليعيشوا الديمقراطية، وحرية التعبير، وتأمين حقوقهم الإنسانية بكل تنويعاتها وتعبيراتها، ما يتطلبه ذلك من حسم العلاقة بين النظام والوهابية وفكرها، كأساس لبناء حياة سياسية ديمقراطية تضمن حقوقا سياسية ومتساوية لجميع المكونات السعودية، بما فيها، وعلى رأسها، المكون الشيعي، والتعايش مع إيران.

أميركا، التي أكثر من أوروبا، أخذت تتحرر من حاجتها للنفط السعودي- الخليجي، وبالتالي، تمكنت من فك طوق الطاقة الذي كبلها لسنوات، وأجبرها على احتمال نمط الحكم السعودي، ربما بدأت تعيد التفكير، وبهدوء، في الكيفية التي يمكن معها إعادة تكييف الحكم السعودي مع المتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة منذ "الربيع العربي".

في السنوات الخمس الأخيرة شهدت المنطقة تغييرات عميقة طاولت كل نواحي الحياة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن الخليج بقي حصينا ضدها، وصمد، لأسباب كثيرة، لكنه، بتقدير أميركا واوروبا، لن يكون صمودا طويلا بالنظر إلى الظروف السعودية الداخلية، والظروف الإقليمية والدولية، وأن المصلحة الأميركية والأروبية، ربما، تقتضي التدخل لصياغة التغيير وتنسيقه، بدل أن تجدا نفسيهما فجأة أمام تغييرات لا يمكنهما، وحالة كهذه، إلاّ التعامل مع نتائجها، والتي قد لا تكون من نوع النتائج الملبية لمصالحهما.

وهي، أي أميركا، ومن ثم أوروبا، تلحظان، بقلق، الطريقة التي تدير بها السعودية مواقفها، أكان في اليمن أو سوريا، وحتى البحرين، وتلحظان مساعي ولي ولي العهد لضمان هيمنته على الحكم، وما يلجأ إليه من قرارات تدخلية، سياسية وعسكرية ومالية، لتحقيق مصالحه.

وإذا ما أضيف إلى ذلك التحذيرات المتوالية للسعودية من أوضاع اقتصادية صعبة جراء انخفاض أسعار النفط، وانعكاسها السلبي على ماليتها المستنزفة بالحروب في غير مكان، وإضرارها بمصالح أميركية ذات صلة بإنتاج النفط الصخري، فلن يكون مستغربا أن يتعاظم الميل الأميركي إلى البحث في الكيفية التي يمكنها من خلالها دفع السعودية إلى إحداث تغييرات ذات قيمة في بنية الحكم وإدارة الدولة.

إن اتساع دائرة النقد والاتهام، وشمولها جوانب عديدة، وإمكانية تمددها وتكثفها، مدعاة لأن تتوقف دول الخليج عند واقعها وملامح مستقبلها، وتلتفت لأي استراتجية مستقبلية محتملة، تجاه مركزها (السعودية)، وبما يفضي إلى صياغة مركزين للقوة في الإقليم؛ مركز إيراني وآخر "إسرائيلي" تدور في فلك كل منهما كجموعة من دول الإقليم بعد إضعاف بعضها وتقسيم الآخر.

فإذا ما دخلت السعودية في حالة تغيير عميقة بفعل ذاتي داخلي أو بفعل خارج ضاغط، سيكون له تأثيراته وهزاته الارتدادية القوية على بقية دول الخليج، برغم الفارق النسبي بين الواقع السياسي السعودي ودول الخليج الاخرى.

إن مواجهة المشروع الأميركي، وبالتبعية الأوروبي، يحتاج إلى استراتيجية عميقة ومنسقة ومحكمة، لا مجرد ردود فعل تتفاعل مع القشور لا الجوهر.. وإلاّ فان الإقليم سيعاد صياغته من غير حول لا قوة لأي من الدول العربية التي لن يكون بمقدورها الصمود أمام تداعيات ذلك المشروع طالما لم تدرك مدى عمقه وطبيعة أدواته.
 
تابعو الأردن 24 على google news