2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هل ترسم روسيا مسار حل الأزمة السورية..؟!

راكان السعايدة
جو 24 :
أي مقارنة بين بياني "جنيف 1" و"فيينا 2"، بشأن الأزمة السورية، يكشف في عمقه، وتفاصيله، تحولا كبيرا في مسار الحل السياسي المفترض للأزمة، ويعكس، بشكل أساسي، تأثيرا روسيا لافتا مُهّد له بمسودة مقترحات قدمتها موسكو لواشنطن، وسربت للإعلام قبل ساعات من اجتماع فيينا الذي أفضى إلى بيان تمت تغطيته بقرار مجلس الأمن 2254

"فيينا 2"، وتاليا القرار الأممي، أشار إلى "جنيف 1" وتجاوزه في آن، فهو ألغى سياسيا وقانونيا، هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، واستعاض عنها بـ"حكم شامل غير طائفي"، وتجاوز مصير الأسد، مبقيا عليه لسنة ونصف، دون أن يمنعه من الترشح في أي انتخابات مقبلة.

أكثر من ذلك أن موسكو، وبتفاهم مع واشنطن، تمكنت في مقررات فيينا من تقسيم المعارضة، وكرست ذلك على مستويين:
الأول: إدماج معارضة موسكو والقاهرة ضمن المعارضة السورية، ملغية بذلك فرادة الائتلاف كممثل للسوريين.
والآخر: قسمت المعارضة بين معتدلة ومتطرفة، ووسعت المتطرفة إلى أكثر من "داعش" والنصرة"، وهو ما برز جليا في اتفاق وقف الأعمال القتالية الأخير.

ذلك يعني أن روسيا، وبشكل أقل إيران، أحدثت تغييرات ذات شأن في التصور الدولي لكيفية حل الأزمة السورية، والآليات المناسبة لترجمة هذا الحل إلى واقع، واستطاعت موسكو أكثر من غيرها، سحب القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في سوريا إلى المربع السياسي الذي يناسبها دون أن يعني ذلك أن لديها، أي روسيا، قناعة بقرب الانتقال الفعلي إلى مسار الحلول السياسية.

من الواضح أن روسيا تملك تقييما معقولا للتقديرات الاستراتيجية الأميركية التي لا تصنف النظام السوري كخطر مباشر ووشيك على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، بقدر الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أي أن واشنطن تعلم يقينا أن إشكاليتها الأساسية في سوريا، هي عدم وجود بديل جاهز ومناسب للنظام، لذلك هي لا تستعجل رحيله إلى أن يتوافر ذلك البديل.

وهذه، بطبيعة الحال، أهم ثغرة في البناء الاستراتيجي الأميركي التي مكنت روسيا من خلخلة مواقف القوى المناوئة لحليفها السوري، وأتاح لها أن تقدم مقترحات تمكنها من تجاوز مصير الأسد كإشكالية وعقدة في الأزمة، ولو إلى حين، حتى تتطابق التصورات المستقبلية بين القوتين المتصارعتين في سوريا والإقليم، أميركا وروسيا.

لقد لعبت روسيا ورقة مهمة، ومقلقة في آن عندما ركزت جهدها السياسي والدبلوماسي والإعلامي على أن البديل للأسد هو "داعش" والقوى الإسلامية المتطرفة، وبذلك وضعت القوى الدولية أمام خيار من اثنين، إما الأسد أو "داعش"، وهي عندما فصلت تصوراتها السياسية لحل الأزمة السورية، كانت شديدة الحرص على أن تجعل محاربة ومكافحة الإرهاب الأولوية الرئيسة على الأجندة الدولية، بوصف ذلك الشر الكبير الذي تخشى منه أميركا وأوروبا.

ولهذا، بدا أن موسكو وضعت مقاربتها للأزمة السورية على مساريين متوازيين:
الأول: تصعيد الضجيج السياسي والإعلامي بمبادرات من شأنها أن تعيد صياغة مقررات "جنيف" بمضامين مختلفة، ووجدت فرصتها في اجتماعات فيينا، التي تُرجمت إلى قرار أممي، وفيه أخذت المجتمع الدولي إلى ضرورة أن تحدد المعارضة المعتدلة الممكن التفاهم معها والمعارضة المتطرفة الواجب محاربتها.

تلك كانت أكبر الانتصارات التكتيكية الروسية في المنتج النهائي لاجتماعات فيينا، فهي أحدثت خللا جوهريا بين التصورات التركية والسعودية والقطرية والتصورات الأميركية حيال القوى المعتدلة وتلك المتطرفة. كما فرضت معارضتها التي صاغتها في موسكو والقاهرة على معادلة التفاوض والقوى الدولية.

المسار الآخر: أن روسيا وهي تدفع المجتمع الدولي إلى عمل إزاحات في تصوراتها السياسية لطبيعة الحل في سوريا، تعمل في النطاق العسكري والعملياتي على إحداث تغييرات على الأرض، فالروس يعلمون جيدا أن منطقهم السياسي وتصوراتهم لمستقبل سوريا ومصالحهم فيها وفي الإقليم صعب، ما لم تدعم ذلك بتغييرات جوهرية في موازين القوى بين النظام والمعارضة، وما لم تضعف أوراق خصميها الرئيسين في سوريا والإقليم: تركيا والسعودية.

وهو ما يفسر النشاط العسكري المدروس في شمال سوريا وجنوبها، الذي، على ما يبدو، هدفه المركزي تثبيت التصورات السياسية الروسية، وليس إعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وإعادتها لحكم الأسد، فروسيا مقتنعة أن سوريا لا يمكنها أن تعود كما كانت، وأن الأسد لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد، وبالتالي فان الفعالية العسكرية الروسية متركزة في تثبيت وفرض الحلول السياسية التي تناسبها، أو في أقله الموازنة بين مصالحها ومصالح خصومها.

ولا شك أن روسيا عندما تمكنت من إحداث تلك الثغرات في التصورات السياسية لخصومها في سوريا، كانت تستفيد من أن أولئك الخصوم لم يكن لديهم، وإلى الآن، تصورات خاصة وناضجة وعميقة للحلول السياسية، وهذا ما ترك الساحة السياسية فارغة للمقترحات الروسية.

فأميركا، كانت ولا زالت، تتبع استراتيجية إدارة الصراع في سوريا والإقليم، ولم تفكر، بعد، في الانخراط الحاسم الذي يلغي أو يضعف الفعالية الروسية، بل هي في صميم الواقع تنسق العديد من سياساتها تجاه سوريا مع روسيا، حتى لو كانت الاستراتيجية الأميركية تستهدف في محصلتها، إضعاف روسيا واستنزافها في سوريا وفي ساحات اخرى، وهو ما تحذره موسكو وتتحسب له وتحاول تفاديه.

روسيا، ومن إجمالي نشاطها السياسي، في فيينا ومن ثم قرار مجلس الأمن 2254، سعت إلى خلط الكثير من الأوراق، وإعادة ترتيب التحالفات أو إرباكها، فهي أحدثت صدعا على طول خط العلاقة الأميركية بالسعودية وتركيا وقطر، وبقدر مماثل مع أوروبا.

وهي، أيضا، دفعت الجميع إلى ملاحظة التمايز بين قوى المعارضة، وإعادة تعريف هذه المعارضة بشكل حاسم، وعلى نحو دفع إلى تصنيف، أو العمل على تصنيف، القوى المتطرفة على نطاق أوسع بكثير من "داعش" و"جبهة النصرة" إذ حشرت معهما "أحرار الشام" الحليف الرئيس لتركيا وقطر، و"جيش الإسلام" الحليف الأقوى للسعودية.

في المحصلة، تعكس التأثيرات الروسية في الأزمة السورية، حيوية ومرونة لافتة، بالقدر الذي تعكس فيه تراخي الفعالية الأميركية وضعفها، واختلال العلاقة بين القوى الدولية والإقليمية المناوئة لموسكو، ما مكنها من اقتناص ثغرات في الجدار الدوليـ تسللت منها لتفرض تصوراتها ومنطقها الذي ترك أثره في الأزمة ومسارها، وهو السر الكامن وراء الغضب السعودي التركي.
 
تابعو الأردن 24 على google news