2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

التحالف العسكري الإسلامي، "الشيطان في التفاصيل"..!!

راكان السعايدة
جو 24 : تقييم أولي..

لم تتضح بعد طبيعة التحالف الإسلامي العسكري، الذي أعلنته السعودية، وتتولى قيادته، فلا هي بينت حجم قوات تحالفها، ولا طبيعتها، ولا تمويلها.

ولا يعرف هل سيتم تجميع القوات في دولة ما ؟، أم سيتم تجميعها عند الحاجة ؟، كما ولا يعرف نطاق التدخل، ولا كيفيته، أهو بطلب من الدولة المراد التدخل بها ؟، أم بموجب قرارات أممية ؟.

سبق هذه التحالف، بطبيعته العسكرية، عدة تحالفات مشابهة، كالتحالف الستيني الأميركي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ومن ثم تحالف "عاصفة الحزم" الذي نسقته السعودية لمواجهة "الحوثيين" في اليمن.

التحالفان، سواء الذي صُمم لمقاتلة "داعش"، أو ذلك الذي صُمم لمقاتلة "الحوثيين"، لم ينجز أي منهما مهمته، بل فشلا في الحسم، وفي ترجمة أهدافهما إلى واقع. وإذا ما بدا أن الأمور تسير في اليمن إلى تسوية سياسية، مع فرص متساوية، فشلا أم نجاحا، فهي ليست واضحة، بعد، بشأن مآلات المواجهة مع "داعش".

المؤكد، أن التحالف العسكري الإسلامي نسف، أو هكذا يتوقع، فكرة بناء قوات عربية كان تقرر تشكيلها في قمة العرب في شرم الشيخ، إذ بعد أن شارفت سلسلة اجتماعات تنسيقية لرؤساء أركان الجيوش العربية المشاركة في القوة نهاية الترتيبات، أعلنت السعودية تجميد الملف إلى إشعار آخر لخلاف بدا انه على الأولويات بين الرياض والقاهرة، وهي، أي السعودية، إذا تبادر اليوم إلى التحالف الجديد فقد تكون مدفوعة برغبة سياسية في النفي عن نفسها تهمة دعم جماعات متطرفة.

إن الغموض الذي يحاط به التحالف الجديد، تفرضه، على ما يبدو، الرؤية السياسية التي لايبدو متناسقة بين أطراف التحالف الرئيسية، فأولوياتها ليست متماثلة، ولا متشابهة، فلكل مقاربته الخاصة، وأهدافه الخاصة أيضا.

وهذا قد يكون سببا كافيا، عند ترجمة التحالف على أرض الواقع، إما في انفراطه، أو في أقله، سيكون ضعيفا، ونتائجه مشابهة لنتائج التحالف الستيني وتحالف "عاصفة الحزم".

تفكيك طبيعة التحالف العسكري الإسلامي، يقتضي لفت النظر إلى أن مثل هذا التحالف تم التمهيد له من قبل زعماء عرب، رأوا أن محاربة التطرف والتشدد مسؤولية العرب، وهذا، بطبيعة الحال، يعكس تصريحات زعماء غربيين من أن دول المنطقة المسلمة هي المعنية بحرب التنظيمات المتطرفة.

المعنى الكامن، هنا، أن التحالف، وبشكل أساسي، سيكون قوة قتال برية، أي سيناط به الاشتباك مع التنظيمات المتطرفة على الأرض، فيما الدول الغربية تتكفل بالغطاء الجوي، والتخطيط، وتنسيق العمليات، وربما دور محدود للعمليات الخاصة.

لكن، وقبل أن نقدر الدور الذي سيناط بالتحالف الجديد، لا بد من ملاحظة جملة معطيات، وحيثيات مهمة، تلعب دورا في تقييم، وتقدير فرص بروز التحالف على الأرض، وتنفيذه مهمات حاسمة.

من تلك الملاحظات:

أولا: أن التحالف يستبعد إيران، والعراق، وسوريا، والمعنى هنا، إما أن هذه الدول عرض عليها المشاركة ورفضت، أو أنه لم يجر دعوتها، وهو الأمر الراجح، ومن المؤكد أنه سيكون لذلك تباعاته الجدية.

ثانيا: سلطنة عُمان، والجزائر ليستا جزءا من التحالف، وهما بلاشك، وفق المتوقع، رفضتا عرضا محتملا قدم لهما، وسبق أن رفضتا الدخول في تحالف "عاصفة الحزم"، كما أنهما لم تتحمسا أصلا لفكرة تشكيل قوة عربية وفقا لقمة شرم الشيخ.

ثالثا: العديد من الدول التي ضمن التحالف الجديد، مثل ساحل العاج، وبنين، وسيراليون، وغيرها، لا يستهدف ضمها إلاّ توسيع نطاق الدول المشاركة لغايات الزخم الإعلامي، والسياسي، والغطاء الإسلامي.

ما الذي يعنيه ذلك؟

أولا: العديد من الدول، وخاصة البعيدة عن المنطقة، ومحدودة القدرات العسكرية، شاركت لتحصيل مصالح مالية، واقتصادية، وهو ما ينطبق أيضا على دول عربية، وإسلامية كبيرة، ولكنها فقيرة.

ثانيا: استبعاد إيران، وتصدر السعودية قيادة التحالف، يعكس أن الرياض تريده تحالف مذهبيا، سنيا، ولا تريد دولة كبيرة، وقوية مسلمة كإيران تنافسها على الزعامة، فالمسألة مرتبطة بزعامة العالم السني خصوصا، والإسلامي عموما.

ثالثا: التحالف، على ما يبدو، نسق مع أميركا، وتجاهل روسيا، وهو ما بدا واضحا من التعليق الروسي الأولي، فموسكو قد تستنتج أن التحالف موجه ضد مصالحها، وبالتالي ستكون معنية بتوسيع تحالفها مع إيران، والعراق، وسوريا، وحزب الله، وتفعيله لإحباط أي مخططات خفية للتحالف الجديد.

رابعا: التحالف يؤكد استهدافه كل التنظيمات المتطرفة، في غير ساحة، بمعنى سيطال ساحات في العراق، وسوريا ،وليبيا، واليمن، ومالي، ونيجيري، وافغانستان، وربما سيناء مصر، وهنا يتوقع أن يكون الخلاف على ترتيب الدول التي سيتحرك فيها التحالف.

خامسا: بالنظر إلى النقطة السابقة (الرابعة)، فإن دول مثل الأردن، والإمارات، ومصر ستكون معنية فعلا في توجيه التحالف ضد التنظيمات المتشددة، مثل "القاعدة" و"داعش"، وهذا المثلث لن يكون معنيا بحرف المهمة لمحاربة النظام في سوريا.

سادسا: مصر تريد أن يدخل التحالف، بشكل أساسي، في ليبيا، فيما السعودية، وقطر، وتركيا تريده، بشكل أساسي، في سوريا، وهي قد تستخدمه ضد النظام و"داعش" والأكراد، وبأشكال مختلفة، كما ان السعودية على وجه الخصوص ستريد التحالف لمهمة ما في اليمن، كما دول مثل مالي ونيجيريا تريد منه التدخل في نطاقها الجغرافي.

سابعا: باكستان لم تشارك في تحالف "عاصفة الحزم" بحجة رفض برلمانها ذلك، والحقيقة أنها لم تسع إلى التصادم مع إيران، فإسلام أباد لها مصالح اقتصادية كبيرة مع طهران، خصوصا بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، كما أن في باكستان مكونا شيعيا كبيرا، فيها يزيد عن العشرين بالمائة تقريبا، وإذا ما كان لإسلام أباد مصلحة في التحالف فهي كامنة في أفغانستان.

ثامنا: سيظهر التحالف وكأنه موجه في العمق ضد النفوذ الإيراني، وتاليا الروسي، لأن السعودية، ولا بأي حال، ستخوض حربا ضد التنظيمات السنية المتشددة، قبل أن يوازي ذلك دحرا للقوى التي تدعمها طهران، فالرياض تعي أن شطب "داعش" في العراق وسوريا سيصب في صالح غريمتها طهران.

تاسعا: يقوي التحالف العسكري الإسلامي دور وظهور ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إذ من اللافت أن ظهر هو ليعلن التحالف الجديد، وليس الملك، أو ولي العهد محمد بن نايف، وهذا، ربما، يحمل دلالات لها صلة بترتيبات ما داخل الأسرة الحاكمة في السعودية.

عاشرا: التحالف سعودي، وأظنها (السعودية) ترى أن من حقها تحديد أجندته، وأولوياته، وإن فعلت ذلك، فستجد أن بعض الأطراف خارج تحالفها، وإذا ما كانت البداية في سوريا، فالمنطقة سيزيد اشتعالها، وتتوسع رقعة الفوضى، خصوصا إذا تم العمل هناك بدون ترتيب مع إيران، وروسيا وفي السياق النظام السوري.

إجمالا، فان تقييمات دقيقة، وعميقة لطبيعة مآلات التحالف العسكري الإسلامي، ليست ممكنة في اللحظة الراهنة، فالأمر يحتاج لمعطيات إضافية أكثر، ولفهم مقاربات أطراف التحالف، فإلى الآن التفاصيل المهمة غائبة، رغم أن "الشيطان في التفاصيل"، وفي التفاصيل، أحيانا، تكمن بذور الفناء.
تابعو الأردن 24 على google news