2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

القلق الخليجي الخفي من القاعدة العسكرية التركية في قطر

راكان السعايدة
جو 24 :
تمثل القاعدة العسكرية التركية في قطر، وتاليا في الصومال، أحد أهم تعبيرات التحول الاستراتيجي في سياسة أنقرة الخارجية، وسعيها لتصميم صورة نمطية جديدة عن نفسها كقوة إقليمية ذات وزن وقدرات تتخطى حدودها الجغرافية، وهي بذلك تؤكد للولايات المتحدة قدرتها على لعب دور أكثر فعالية وحيوية في النظام الأمني الإقليمي، وأن تكون رديفا لوجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. واقعيا، تركيا ما كان لها أن تنشئ قاعدتها في قطر دون موافقة الولايات المتحدة، صاحبة أكبر قاعدة عسكرية متعددة الأغراض في قطر، واكبر وجود عسكري في الإقليم، وبالتالي، لعدم الاعتراض الأميركي على القاعدة التركية دلالته العميقة والكاشفة.

 تلك القاعدة، وقبولها الأميركي، لا تعني، بالضرورة، أن تركيا ليست لديها مقاربة خاصة لوجودها في قطر، أوسع بكثير من المقاربة الأميركية، فأنقرة تريد تأمين مصالحها في الغاز القطري ومصالحها الاقتصادية عموما، كما تريد توسيع نطاق نفوذها العسكري الذي قد يتمدد إلى أكثر من مجرد قاعدة في قطر، واخرى في الصومال، وهنا يمكن ترشيح أثيوبيا لتكون المحطة العسكرية التالية. تركيا، تستثمر، على ما يبدو، في ظروف القلق الخليجي، والسعودي تحديدا، حيال توسع النفوذ الإيراني، وشعورها بتخلي أميركا عنها، لتمرير مخططها التوسعي عبر قطر، إذ ليس بمقدور الرياض أن تعترض على الخطوة القطرية- التركية، فهي تريد الاستفادة منها على المستوى التكتيكي المرحلي..

أما على المستوى الاستراتيجي لابد وأن تكون نظرة السعودية للقاعدة التركية في قطر نظرة متشككة، غير أن الاعتراض عليها أو محاولة تحجميها سيكون مؤجل إلى ما بعد أن تحسم السعودية مشاكلها الكبرى في نطاقها الإقليمي، أي أن الرياض ومهما كان قلقها من القاعدة التركية، ستبقيها أولوية ثانوية أمام تحديات رئيسية وجودية في المراحلة الراهنة. فالسعودية على المدى الطويل، لا تريد أن يزاحمها أحد مهما كان قربه منها على زعامة العالم الإسلامي السني، وهي، أي السعودية ، تدرك أن المنافس التركي الوحيد الذي تتوافر فيها الشروط الذاتية والموضوعية لتزعم العالم السني، وليس مصر ولا أي دولة عربية أو إسلامية أخرى، مع ذلك فمصالح الرياض الآنية وتقديرها لطبيعة التحديات والمخاطر يفرض عليها الصمت المؤقت على التوسع التركي العسكري في قطر أو في الصومال.

 قطر، من جهتها، ترى في القاعدة التركية على أرضها تنويعا في الحلفاء، وهي تتحسب لاحتمالات عديدة تتعلق بأي تهديدات سواء أكانت من طرف إيران أو من طرف أي من دول الخليج المنافسه لها كالسعودية والإمارات، فضلا عن تحسبها من أي انسحاب حقيقي أو أي ضعف يصيب الوجود الأميركي في المنطقة.

 إذ يرسل الوجود التركي العسكري في قطر رسائل باتجاهات عديدة أن قطر تحت الحماية التركية، وربما أهم تلك الرسائل هي الموجهة إلى السعودية، والإمارات على الخصوص، إذ لابد وأن تقطر لا تزال تذكر التهديدات السعودية- الإماراتية بمحاصرتها جراء التصادم السياسي الشديد بينهم على خلفية دعم الدوحة لجماعية الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في العالم العربي، والإخوان أحد الأطراف المستفيدة من البروز الإقليمي التركي على النحو الذي يظهر في اتجاهات سياسة أنقرة.

 والقاعدة التركية في قطر تأتي كتأكيد على أن المحور التركي- القطري- الإخواني صلب ورؤيتهم السياسية ثابتة وألا تغييرات استراتيجية عليها، وفي ذلك تحسب من أنقرة والدوحة للمستقبل، فأي تقاطعات الآن بين تركيا وقطر من جهة والسعودية من جهة أخرى يتوقع لها أن تكون تقاطعات تكتيكية مرتبطة بالظروف الراهنة وتهديداتها المشتركة، ولا يمكنها أن تتحول إلى تفاهمات استراتيجية طويلة المدى بالنظر إلى الاختلاف العميق في مصالح ورؤية هذه الدول تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية. والحال هذه، فان تركيا تتبادل المنافع مع قطر، فبينما تركيا تريد توسيع نفوذها ووضع قوتها العسكرية في خدمة أجندتها السياسية ذات الصلة بالمصالح التركية السياسية والاقتصادية، إلى جانب قوتها الناعمة، فان قطر تريد ربط الحليف التركي بأمنها القومي، وتريد تأمين بدائل حماية تكون جاهزة إذا ما غيرت الولايات المتحدة تقييماتها وتقديراتها لطبيعة ونوعية وجودها في الشرق الأوسط، بما فيها في ذلك موازنة علاقاتها بين القوى السنية وتلك الشيعية المتمثلة بإيران.

 إن التوسع التركي بقرب مضيقي هرمز وباب المندب، لا بد وأن يقلق، في العمق، دول مصر والخليج التي يفترض أن تدرك أن تنافسها وتصادمها السياسي مع أنقرة في غير ملف إقليمي ودولي يجعل من القاعدة العسكرية التركية في قطر مصدر تهديد حقيقي لها، وهذا التهديد سيتضاعف إذا ما تعرضت السعودية لتغييرات تدفعها إلى الإنكفاء والتقهقر على المستويين الإقليمي والدولي، أو تفككت.
 
تابعو الأردن 24 على google news