2024-07-08 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

المأزق السعودي- التركي في سوريا.. العملية البرية المعقدة

راكان السعايدة
جو 24 :
تعكس الطريقة الانفعالية التي تدير بها السعودية، وكذلك تركيا، الملف السوري، عن شعور عميق بفقدهما القدرة على التأثير في التحولات السياسية والميدانية، بعدما نجحت روسيا وإيران وقوات النظام، في إحداث تبدلات عميقة في توازن القوى في شمال سوريا وجنوبها.

فالتقدم الذي حققه النظام في درعا جنوبا، وحلب شمالا، يعني، من الناحية الواقعية، أن المصالح السعودية التركية والقطرية، مهددة تهديدا حقيقيا وجديا، وأن استثمارهم في المعارضة، على اختلاف تنويعاتها، لم يحقق لهم تلك المصالح، ولم يحم لهم نفوذهم المفترض.

وعلى ما يبدو فإن الثلاثي المتحالف في سوريا، أي الرياض وأنقرة والدوحة، توصل إلى تقييمات مفادها أن الفاعل الروسي، الذي ينسق بعض الجزئيات مع أميركا، ترك أثرا عميقا في ناحيتين: طبيعة الحلول السياسية للأزمة، والتوازنات الميدانية التي مالت لصالح النظام في شمال سوريا وجنوبها.

منذ أن أدركت السعودية وتركيا وقطر أن حلب على وشك أن تبيت تحت الحصار، ومع إمكانية السيطرة على منطقة "إعزاز" وقطع كامل طريق الامداد من تركيا إلى حلب، ومن ثم التوقع بالانتقال إلى إدلب لمحاصرتها، فإن أصحاب القرار في الدول الثلاث وجدوا أنفسهم أمام استحقاق خطير يضعهم في مواجهة خيارات محدودة، وهو الواقع الذي قد يفسر حال التشنج الكبيرة في السياستين السعودية والتركية.

التشنج السياسي السعودي، خصوصا، برزت تعبيراته جلية بإعلان نية إرسال قوات برية ضمن تحالف دولي إلى سوريا تحت ذريعة مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي ذريعة محل شك عند أطراف دولية. والولايات المتحدة، التي رحبت من حيث المبدأ بنوايا السعودية التدخل البري في سوريا، لم تحسم أمرها، إلى الآن، من حيث تفاصيل هذا التدخل وأهدافه، الاستراتيجية والتكتيكية، ولا يبدو انها بوارد دعم مثل هذه الخطوة الآن.

أي، ان عدم حسم أميركا من جهة، وتهديدات روسيا وإيران والنظام السوري بالرد، تجعل خيارات السعودية وتركيا محدودة للغاية، وتكاد تنحصر في ثلاثة خيارات، وهي:

(1): أن تدفع الرياض وأنقرة وبقية الدول المتحالفة معها، كالإمارات وقطر والأردن، بقوات برية عبر الأراضي التركية، وربما أيضا عبر الأردنية، إلى سوريا.

(2): الاستعاضة عن التدخل البري بعمليات قوات خاصة مشتركة، تتركز في شمال سوريا، وهذاالخيار أساسه أن القتال في سوريا ليس من النمط التقليدي، فهو في أغلبه قتال مدن لا تتقنه القوات البرية.

(3): صرف النظر عن العمليات البرية وعمليات القوات الخاصة، والاكتفاء بعمليات تسليح ودعم واسعة للمعارضة السورية الحليفة، وكسر كل المحاذير الأميركية بشأن نوعية وكمية الأسلحة، بما فيها المنظومات المضاد للطيران.

وبما أن تحليلات الخبراء تضعف من شأن الخيار الأول، دون أن تسقطه نهائيا، فان التحليلات ذاتها، تبقي على إمكانية الخيار الثاني بدرجة متوسطة، وترى الخيار الثالث أكثر إمكانية ومتاحا.

المعنى، أن التهديد السعودي بعمل بري يأخذ منحى إعلامي سياسي نظري، إلى الآن، لأسباب كثيرة ليس أقلها عدم حماسة تركيا للعمل خارج "الناتو"، وتراجع الدعم المصري، وهو ما ظهر جليا في تصريحات وزير دفاع تركيا، ووزير خارجية مصر، وتوجت بتصريحات الرئيس المصري الرافضة للتدخل العسكري ضد النظام السوري، برغم ذلك فان ترجمة تهديدات السعودية في ظل الغموض وعدم اليقين يبقى واردا.

المسألة التدخلية المتاحة للسعودية وقطر والإمارات في سوريا، التي ليست بجديدة، هي الطلعات الجوية لتنفيذ غارات على مواقع في سوريا، فالسعودية والإمارات وقطر والأردن تنفذ منذ إعلان التحالف الدولي مثل هذه الطلعات، لكن زخمها تراجع بعد إسقاط الطائرة الأردنية.

لذلك.. الحديث عن عمليات جوية لا يحمل تطورا لافتا، والجديد الوحيد الذي قد يضيف بعدا لهذا النوع من التدخل، هو بإرسال طائراتها إلى قاعدة أنجرليك الجوية التركية، بما يمثله ذلك من تحد لروسيا.

وإرسال هذه الطائرات إلى قاعدة أنجرليك قد يستهدف أمرين، هما:

(1): التحضير المسبق لاحتمال تنفيذ عمليات برية في شمال سوريا، إذا ما كان القرار التدخل البري مهما كانت الكلفة، فالقوات البرية تحتاج دعما من الطيران الحربي والمروحيات الهجومية، أو يمكن أن تستخدم في إسناد عمليات القوات الخاصة حال استثناء فكرة الهجوم البري الواسع.

(2): ليس بمقدور تركيا تنفيذ هجمات جوية في سوريا خشية اقتناصها من الدفاعات الجوية الروسية، كرد انتقامي على اسقاط تركيا لطائرة روسية، لذلك قد تحتاج أنقرة إلى أن تنسق مع الرياض الأهداف التي يمكن أن تقصفها طائراتها في شمال سوريا، فتنسيق مثل هذه الأهداف متاح مع الرياض لكنه غير متاح مع واشنطن التي ترفض قصف الأكراد أو قوات النظام السورية وتركز فقط على "داعش".

الأهم في هذا السياق، والذي يفترض أن تكون السعودية متنبهة له، أن أميركا ربما تجبر تركيا على عدم التورط في عمل عسكري بري أو جوي في سوريا، لأن إسقاط أي طائرة تركية سيعني، بصيغة أو أخرى، إسقاطا لطائرة من طائرات "الناتو" بوصف تركيا عضو فيه، وهو ما لا يريده "الناتو" الذي لا يسعى إلى تصادم مع روسيا في سوريا، ولم يسع إليه سابقا في أوكرانيا.

بالمقابل، فإن إسقاط أي من الطائرات السعودية، التي ليست عضوا في "الناتو"، لا يعد اعتداءاً على "الحلف" ولا يستوجب منه الرد، ولن يشكل إحراجا كبيرا للولايات المتحدة.

هنا، لا بد من الانتباه إلى حقيقة أن التفاهم الروسي- الأميركي في سوريا، يكاد يتطابق في عدة أمور، منها أن الأكراد حلفاء موثوق بهم في شمال سوريا، وأن "داعش" و"القاعدة" في سوريا عدو مشترك، وبالتالي، لن يسمح لأي دولة تريد المشاركة في عمل عسكري في سوريا أن تتجاوز هذه التفاهمات، بمعنى أن روسيا وأميركيا تدركان أمرين بشأن التدخل السعودي- التركي المحتمل:

(1): تركيا ستستهدف، بشكل أساسي، القوى الكردية في الشمال السوري، كما تحاول جر "الناتو" للتورط في سوريا، مرة عبر اللاجئين، ومرة أخرى عبر استهداف الأراضي السورية بالقصف المدفعي على أمل أن ترد سوريا أو روسيا بما يشكل اعتداء على الأراضي التركية يتوجب تدخل "الناتو".

(2): تركيا والسعودية تريدان اسقاط النظام السوري، مع ما يتطلبه ذلك من استهداف قوات النظام والقوات المتحالفة معه التي تحاصر حلب لإنقاذ قوى المعارضة الحليفة لها ووقف توسع قوات النظام، ولتقطع الطريق على أي مخطط لاستهداف إدلب ومحاصرتها.

عندما قصف الأتراك بالمدفعية، باعتبار استخدام الطائرات ممنوع عليهم بفعل الوجود الروسي، مواقع القوات النظامية والكردية في منطقة إعزاز، كان التحذير الأميركي العلني لتركيا أن تتوقف فورا عن استهداف الأكراد وقوات النظام السوري.

لذا، فإنفاذ الاتفاق الأميركي- الروسي، بوقف الأعمال العدائية في سوريا في قلبه يستهدف نزع مبررات أي تدخل بري سعودي- تركي في سوريا، لكن الاتفاق ولد وفي قلبه بذور الفناء..

بالتقييم الموضوعي، لا أميركا ولا "الناتو"، فضلا عن رفض محكم من روسيا وإيران، سيتيح غطاء لأي عمليات سعودية- تركية في سوريا برية خصوصا إذا كانت موجهة لغير محاربة تنظيم "داعش"، كما أن أميركا، وأوروبا كذلك، ليست بوارد الاصطفاف إلى جانب تركيا في حال التصادم المباشر مع روسيا.
 
تابعو الأردن 24 على google news