jo24_banner
jo24_banner

الأردن على حافة الجسر..!!

راكان السعايدة
جو 24 :
الجسر السعودي- المصري ليس فكرة جديدة، بل قديمة منذ العام 1988، أطلقها الملك الراحل (فهد بن عبد العزيز) وتشارك بها مع الرئيس المصري (حسني مبارك) الذي رفضها لأسباب اقتصادية وسياسية، إسرائيل ليست بعيدة عنها.

ومن ثم جدد الرئيس (محمد مرسي) في العام 2012 طرحها مع السعودية قبل أن ينقلب عليه الجيش، وإلى أن تولى (عبد الفتاح السيسي) الحكم، فكانت ظروف مصر الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة البيئة المناسبة لاسترداد جزيرتي (تيران أو ثيران) و(صنافير) لقاء مصالح مصرية مالية واقتصادية، أبرزها الجسر الذي يحاط بعدة خيارات لتنفيذه، بين جسور فوق الماء وأنفاق تحته.

وغاية الجسر الكامنة بالنسبة للسعودية، أو في جزء أساسي منها:
أولا: عسكرية الطابع، فهي تريد مرورا سريعا للقوات العسكرية المصرية في أي مواجهة مع إيران.

ثانيا: تريد التخلص من الأرق الذي تسببه احتمالية هيمنة إيران عبر وكيلها الحوثي على مضيق باب المندب حيث تمر آلاف السفن منه سنويا، استيرادا وتصديرا، وأغلبها تتجه من دول الخليج وإليها، وهو كذلك قد يكون البديل لمضيق هرمز الواقع تحت النفوذ الإيراني.

ثالثا: يتيح الجسر للسعودية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، ويمكنها من استخدامه للنقل التجاري قليل الكلفة وبوقت أقل، ويمكنها في لحظة اضطرار أن تمد أنبوبا نفطيا إلى المتوسط.

رابعا: الجسر سيكون عقدة مواصلات بين آسيا وأفريقيا، والسعودية ستتحكم بالجسر الذي سيكون متاحا لشركائها الخليجيين، أي ستكون الممر الخليجي إلى مصر وأفريقيا.

خامسا: تريد السعودية أن يكون الجسر شريان حياة مصري، يتيح للرياض أن تؤثر في السياسة المصرية واتجاهاتها الإقليمية والدولية، خصوصا الاتجاه الواضح نحو النظام السوري وإيران وروسيا.

مصر من جهتها، ستستفيد منه للعبور إلى السعودية والخليج، خصوصا الأيدي العاملة والحج والعمرة وسيتيح توسع السياحة الخليجية، ويزيد التبادل التجاري، وستكون دولة متحكمة ومهيمنة على المرور الأفريقي (شمال أفريقيا تحديدا) إلى السعودية والخليج، وهي في السياق ستحصل على ربع ثروات جزيرتي (تيران وصنافير)، على شكل ثروة تتصرف بها هي، أو مدفوعة الثمن سعوديا.

وأيا كانت الاحتمالات المتعلقة بفرص إقامة الجسر أم لا، وبغض النظر إن كانت السعودية جادة في إنشائه أم لا، وما إذا كانت إقامته مستحيلة فنيا وهندسيا باعتبار انه سيقام في منطقة نشاط زلزالي، فإن الفكرة كلها تحتاج إلى تقييمات وفهم أعمق لأبعادها وآثارها.

والأردن، على وجه التحديد، أكثر دولة في العالم، لا في المنطقة فقط، مدعوة إلى بناء تقديراتها وتقييماتها الذاتية للآثار والتداعيات المحتملة لإنشاء هذه الجسر، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.. وأن تنتهي تلك التقييمات إلى خيارات وبدائل تخفف الأضرار، وألا تركن لأي تبريرات أو تطمينات تقدم إليه، أو يكون ولي ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) قد قدمها في زيارته الأخيرة لعمّان.

فالأردن لم يكن على الطاولة عند مناقشة إقامة هذا الجسر، ولم يكن على الطاولة عند التباحث في مسألة هيمنة الرياض على جزيرتين حيويتين ومفصليّتين في نشاط السفن من ميناء العقبة وإليه، وفكرة "العقبة الاقتصادية" كلها.

أين تكمن الأضرار، ولن أقول المخاطر على الأردن:

أولا: السياحة الخليجية التي كانت تأتي الأردن كمقصد سياحي، أو المرور خلاله (عبرشركة الجسر العربي) إلى مصر، لن تضطر مع إنشاء الجسر إلى ذلك، فبمقدورها أن تنتقل مباشرة إلى مصر وبزمن قياسي، والسياحة في مصر مرغوبة خليجيا أكثر من الأردن لأسباب "معروفة".

ثانيا: سيتضرر القطاع الزراعي الأردني، فالمنتجات الزراعية المصرية ستجد طريقا سهلا وقصيرا للولوج إلى الخليج، وبكلف أقل، وبالتالي ستصبح منافسا شرسا لنظيرتها الأردنية.

ثالثا: إذا كان الأردن الخيار للمرور الخليجي إلى سوريا ولبنان وتركيا، أصبح للخليج خيار آخر يوفره الجسر إلى مصر ومنها بالسفن إلى هذ البلدان وحتى اليونان وقبرص.

رابعا: إذا أقيمت الدولة الفلسطينية المستقلة (الضفة الغربية وغزة)، وبحكم العلاقات التاريخية والجغرافية وتلك العلاقات الهيكلية المحتملة مع عمّان، فإن الأردن سيكون الممر البري بين آسيا وأفريقيا، وفي ذلك فائدة كبيرة للطرفين اللتان ستصيران عقدة المواصلات الرئيسية.

خامسا: يخطط الأردن والعراق لمد أنبوب نفط من البصرة إلى العقبة، لنقل النفط العراقي عبر السفن إلى زبائنه، لنفترض جدلا، أقول جدلا، أن السعودية لأمر ما وظفت جزيرتي (تيران وصنافير) لإعاقة جزئية لمرور السفن، فأي شركات النفط ستنقل النفط العراقي، بينما قد تتعرض لتأخير يكلفها مبالغ باهظة كغرامات تأخير، خصوصا أن النفط سلعة رئيسية للرياض وبغداد.

تلك ليست كل التداعيات المحتملة على الأردن حال إنشاء الجسر، وحال وظفت الجزر لغايات سياسية، ففي العلاقات الدولية لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم، فالعلاقات متحركة وتتبدل تبعا لتأثيراتها في مصالح كل طرف.

وحتى التطمينات التي يبدو أن ولي ولي العهد السعودي قدمها خلال زيارته للأردن، ووردت في بيان عقب الزيارة وركزت على الجانب الاقتصادي، مع نقد إيران، ليست كافية مالم تترجم على الأرض، ومالم تنعكس كاستراتيجية أردنية- سعودية شاملة ومنسقة لا ثغرات فيها كيلا تكون تطمينات والتزامات نظرية تقتضيها شروط المرحلة وظروفها، أي احتوائية فقط.

بل إن حجم الالتزامات الواردة في بيان الزيارة يكشف من طرف خفي أن السعودية تدرك حجم التداعيات التي ستسببها تفاهماتها مع مصر على المصالح الأردنية، وهي لذلك قدمت تلك الالتزامات النظرية، إلى الآن على الأقل، لتخفيف مخاوف الأردن، وربما فتح شهيته على مصالح ومكاسب آنية.

تحت ظلال الجسر.. لماذا لا نفكر في التالي..؟

منذ اللحظات الأولى لتولي (سلمان بن عبد العزيز) حكم السعودية، لم تكن العلاقات بين الرياض والقاهرة ودية، كما كانت عليه إبان حكم سلفه (عبد الله بن عبد العزيز).

في المرحلة الانتقالية بين حكمين في السعودية، (عبد الله- سلمان) كانت الشكوك عميقة بأن القاهرة، ومعها عواصم عربية أخرى، سعت لمنع تولي (سلمان) الحكم، وكنت تلك العواصم تفضل الأمير (مقرن بن عبد العزيز) ومن خلفه (متعب بن عبد الله).

تلك كانت ثيمة الانعكاس في سياسة العهد السعودي الجديد، وإدارة البوصلة إلى تركيا وقطر، في تجاوز، بدا حينها ولا يزال لافتا، لمصر والإمارات والأردن.

لكن، ذلك لا يعني أن تغيير الرياض للاتجاهات وتدويرها الزوايا، القطع مع تلك العواصم، وإنما سعت السعودية إلى توظيفها ووضعها في خدمة أجندتها، على أساس تكتيكي لا استراتيجي ودون التخلي عن شكوكها وحذرها، وهذا يمكن لمسه، بصورة واضحة، في الكيفية التي أدارت بها الرياض علاقتها مع الإمارات في أزمة اليمن، والتي بدا انها أنهتها على نحو مغاير تماما لاستراتيجية أبو ظبي.

كيف ترتب السعودية تحالفاتها الإقليمية؟

للوهلة الأولى، يبرز أن السعودية تصنف الدول الرئيسية في الإقليم إلى طبقتين: طبقة تضم تركيا وقطر، واخرى تضم مصر والإمارات والأردن، وإذا ما احتاجت إلى تحالف استراتيجي وعميق مع دولة من الطبقة الثانية فهي تحتاج التحالف مع مصر، لضرورات وأسباب تتعلق بمصالح السعودية البحتة، مع ما يقتضيه ذلك من تسويات من نوع ما للقضايا الخلافية (الإخوان المسلمين) بين القاهرة وأنقرة.

وهذا يجب أن يدفع إلى البحث وفحص إمكانية أن الرياض تخطط لإقامة محور سعودي- مصري- تركي- قطري، وفي فضاء هذا المحور دول إقليمية أخرى، يتم تقريبها إو إبعادها حسب مقتضى الحال والحاجة، وطبيعة الدور.

فمن الناحية الواقعية، تصنف السعودية الاخطار بشكل مغاير لمصر والأردن والإمارات، فهي تضع إيران في رأس قائمة الخصوم والأعداء، ومن ثم تضع التنظيمات المتطرفة "داعش" و"القاعدة"، وهذا التصنيف لا يتطابق مع تقييمات القاهرة وأبو ظبي وعمّان، لجهة أن خصومة "داعش" و"القاعدة" مقدمة على مخاصمة إيران.

غير أن السعودية التي تخوض صراعا سياسيا واقتصاديا، وعسكريا غير مباشر مع إيران، لا تقبل بتقييمات لا تضع إيران في مقدمة الأخطار، بل وتتجاهل مثل هذا التقييمات وتمنع بروزها، وهي لذلك تصعّد حربها على وكلاء طهران في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وتريد من كل الدول العربية السنية أن تتبعها في ذلك موظفة قدراتها المالية والاقتصادية.

ماذا يعني ذلك..؟

السعودية وضعت لنفسها نطاقا من المصالح، وتريد، بطريقة غامضة، من الدول العربية أن تكيف مصالحها بما لا يتناقض مع مصالح الرياض..

أي أن السعودية ليست بوارد تغيير نطاق مصالحها الاستراتيجية، لاحتواء أي دول عربية سنية، فمن توافقت مصالحه مع مصالح الرياض وتقاطعت فذلك خير، ومن لا تتقاطع مصالحها مع مصالح الرياض إما تستثمر حاجتها للمال ودعم اقتصادها (مصر والسودان مثلا)، أو تمارس حيالها نوعا من التجاهل إن لم تستطع احتوائها (الجزائر مثلا)، أو تضغط عليها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا لدفعها إلى تبني مقاربتها (لبنان مثلا).

عمليا، فالسعودية تمارس سياسة تقول من خلالها لا مكان ولا مراعاة لمصالح أي دولة لا تتقاطع مع أجندتها، ولا تدور في فلكها.. فصراعها مع إيران لا يحتمل النفَس الطويل، والأخذ والرد، لذلك تحتاج إلى أن تحسم الدول التي تتحالف معها وتلك التي تمارس نوعا من الحياد، أو تتقاطع مع إيران، وكيف يمكنها فكفكة هذه التقاطعات.

السؤال الأساسي: هل هذه سياسة الدولة السعودية، أم سياسة مسؤول وظف لها الدولة لغاية ما؟

الإجابة هنا في غاية التعقيد، فالبارز الواضح أن ولي ولي العهد (محمد بن سلمان) يهيمن بصورة تكاد تكون مطلقة على مفاصل الدولة، فهو المتحكم بالمجلس الاقتصادي وبيده تتركز الثروة والمال (أرامكو) والجيش (وزير الدفاع).

فهو حاضر في النشاط السياسي والاقتصادي والعسكري، داخليا وخارجيا، وتتركز عنده السلطة بدعم من والده الملك، الذي اتاح له فرصة نادرة لنقل السعودية من السياسة الحذرة تاريخيا، إلى السياسة المبادرة، ولن أقول المغامرة.

وهو، أيضا، يريد من تركز السلطة عنده أن يؤسس، بل ويفرض، الأمر الواقع الذي يتيح له أن يتولى الحكم في مرحلة ما، في حياة والده، أو من بعده، ولهذا فهو ما أن تستقر له الأمور داخليا وخارجيا، لن يتوانى عن إحداث التغيير اللازم في بنية الحكم بما لا يعيق وصوله لترؤس السلطة.

ولن يكون هذا صعبا عليه، وقد اعتاد زعماء العالم على التعامل معه كممسك بزمام الحكم، وباتوا أكثر يقينا انه الشخصية المفتاحية للسعودية، ولا يمكن تجاوزه أو تجاهله، فمثلا، حتى وإن كان ولي العهد (محمد بن نايف) الشخصية المفضلة للولايات المتحدة الأميركية، لكنها بدأت تعتاد على فكرة مغايرة تماما.

المعنى الكامن هنا، أن السعودية تخوض مواجهاتها في الإقليم لتحقيق هدفين: ضمان دورها وقيادتها للعالم العربي والإسلامي السني، ومنع هيمنة إيران على المنطقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التمكين للأمير (محمد بن سلمان) من تولي الحكم في اللحظة المناسبة.
تابعو الأردن 24 على google news