jo24_banner
jo24_banner

جماعة الإخوان المسلمين.. ماذا نكسب بتفتيتها؟

راكان السعايدة
جو 24 :
لا سبب يقنع، ولا ظروف تتيح، أن تمد الدولة يدها لتعيد هيكلة "جماعة الإخوان المسلمين" وتلغي بلحظة واحدة تاريخا من التفاهم والتفهم، كانت فيه الجماعة منحازة للوطن، بل ومنحازة لاستقرار واستمرار النظام كلما هددته أحداث داخلية، وأخرى وافدة من الخارج، تماما كما رعت الدولة، أحيانا، الجماعة.

ذلك التاريخ كان يجب أن يكون حاضرا في الذاكرة، وعند كل مرة تضع فيها أطراف في الدولة ملف الجماعة على الطاولة، لأن الوطن وانسجام مكوناته السياسية والاجتماعية أهم بكثير من نكايات "بعضهم" وحقد وجهالة آخر، أو للتماهي مع فاعل خارجي تائه مختل.

قد يكون للدولة ملاحظات على بعض أداء الإخوان وقد يكون لها ملاحظات أكثر على بعض القيادات، لكن ذلك كله لا يبرر أن تعمل، بأذرع مكشوفة، لشطر الجماعة وتفتيت كيانها المستقر منذ ما يقارب السبعين عاما، وفي كل هذه الأعوام لم تتآمر على الوطن ونظامه السياسي، بل اتهمت ووُسِمت بممالأته وخرقها قواعد عمل المعارضة.

وأياً تكن تلك الملاحظات، فهي ممكنة المعالجة بالتواصل عبر قنوات عديدة متاحة، وحتى الملاحظات على بعض القيادات يمكن معالجتها بغير طريقة سياسية، وفي أقله فإن آليات الانتخاب الداخلية كفيلة بأن تزيح مسؤولا أو قائدا إخوانيا تلقائيا بدون الحاجة إلى هجمة شرسة لا تبالي بالوطن وتماسكه.

إن من يقيِّم بموضوعية، ومن غير إنحيازات أيدولوجية أو شخصية، حالة "إخوان الأردن" ودورهم وعلاقتهم بالدولة، ويفهم أن الجماعة إطار معارض، وللمعارضة حقوق في الديمقراطيات، سينتهي به التقييم إلى ما يشبه اليقين أن ما يحدث للإخوان ومعهم ليس لشأن داخلي بل لشأن يرتبط عضويا بفاعل خارجي.

ذلك الفاعل تورط في مناوأة الإخوان، خارج قواعد اللعبة الديمقراطية وأحكام القانون وأصول العمل السياسي، وأشاع الفوضى والكراهية في كل الأرجاء، وهي فوضى شكلت واحدة من أهم روافع التطرف وشيوع التنظيمات المتشددة، لأن سد باب العمل السياسي والديمقراطي وخسف الأفق لا ينتج إلاّ ما تخشاه الأنظمة.

ففيما يحتاج الأردن إلى تماسك جبهته الداخلية، ورص الصفوف، لمواجهة الأخطار القادمة والمستجلبة، يفتح، من غير سبب وطني مقنع، ملفا لا مبرر لفتحه، بلا مسوغات مقنعة لفتحه، فقط يفتحه على المجهول، ينشغل بأخطاره الداخل ويستمتع به فاعل في الخارج، لايهمه الداخل، وإنما يشبع رغباته ويستمتع بكراهيته.. ويخسر الناس هنا قوة معارضة تنتقد الفساد وتطلب، ولو نظريا، حماية الناس من العوز والفاقة.

أقرب إلى ذلك، عندما غضت دول الخليج الطرف عن تمدد "الحوثي" في اليمن وفي ذهنها أن هذا "الحوثي" بمقدوره أن يستأصل "إخوان اليمن" ويسحقهم وينهي وجودهم، وعندما التقط الإخوان هناك ذلك تجنبوا التصادم، فسقط الخليج في شر أعماله وهاهو يعاني مأزقا أمنيا خطيرا بعدما ثبتت إيران أقدامها في خاصرة الخليج عبر ذراعها "الحوثي".

اليمن ملمح مهم، يُقرأ ويقَيَّم، لكل من يريد القراءة والفهم، والتحليل والاستنتاج، فالدول الكارهة للإخوان، لا يعنيها أن تدب الفوضى، كما في مصر وليبيا، فتونس وحدها التي أفلتت من أيديهم دون أن يتمكنوا من سحق إخوانها، وحتما لم يعجبهم أن يشارك "إخوان المغرب" في الحكم لأن الدولة هناك لم تحملها الضغوط الخارجية على ضرب وحدة صفها واستقرارها.

بيقين أقول أن الدولة الأردنية أخطأت، وتحث الخطى إلى الخطيئة، وهي تعامل جماعة الإخوان بهذه الطريقة، ولا أظنها تحسب حسابات دقيقة للمآلات والمخاطر السياسية والاجتماعية والأمنية، فكان الأولى أن ترسّم علاقتها بالإخوان كما اعتادت على ذلك في كل التاريخ الذي مضى.

أقول أن الدولة أخطأت، لانها أخطأت فعلا وقولا؛ دعمت طرفا لن تتاح له شرعية ولا قبول، وسيبقى متهما (...) وبالقدر الذي أخطأت فيه الدولة، أخطأت أيضا قيادات في الإخوان عندما لم تستجب بمرونة وذكاء كافيين للمخاطر والتحديات.

فعناد بعض تلك القيادات، ليس في صالح جماعة مهمة ولها دورها الوطني، وليس في صالح الوطن، وأظن أن المَخرج، إن بقي من مخارج، أن تولي قيادة الإخوان كل الصلاحية لـ"لجنة الحكماء" لعلها تعيد ترتيب الأمور على نحو ينهي الأزمة ويحفظ الجماعة.

الإخوان مكون وطني مهم، ومهم جدا، والتلاعب بوجوده يعاكس المصالح الوطنية.. فقضايا الوطن ليست لأخذ الخواطر أو للمساومة مع أي طرف خارجي فقد اتزانه وتوازنه..

إن خسرنا معارضة الإخوان سنكون بلا معارضة؛ أو معادل موضوعي للسلطة، الناس وحدهم في مواجهة حكومات الجباية وفرض السياسات والتوجهات، الداخلية والخارجية، حتى لو جنت علينا الويلات.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير