jo24_banner
jo24_banner

سأرفع رأسي عاليا ، ولكن!

د. جهاد البرغوثي
جو 24 :

انتقلت بلاد الشام بعد حكم الخلفاء الراشدين الى الحكم الاموي عام 661م وانتقل الحكم في عام 750 م الى العباسيين – وبعد مسلسل حكم إنتقل من مجموعة الى اخرى – حكم الطولونيون بلاد الشام عام 868 م وجاء ثانية العباسيون لفترة وجيزة عام 905 م الى ان استولى على الحكم الاخشيديون عام 937 م فحل محلهم في عام 969م الفاطميون ، الى ان اخذت افواج الفرنجة تغزو الاردن وفلسطين ولبنان وسوريا مع اطلالة بنو زنكي عام 1144م وظهور السلاجقة في سوريا عام 1070م ، وبعد الحروب الصليبية حكم الايوبيون بلاد الشام عام 1173م الى ان جاء المماليك عام 1260م ، فحل محلهم العثمانيون عام 1517 م ثم الانتداب البريطاني الفرنسي بعد مؤامرة سايكس بيكو وتقسيم الدولة العثمانية الى ماهي عليه اليوم عام 1920م. اما في لبنان فكان هناك ظهور للمعنيين عام 1604م والشهابيين عام 1790.ويستوجب الذكر على ان دولة الاندلس الاسلامية انقسمت في عام995 م الى ممالك الطوائف بإحدى وعشرين دولة واخذت كل دولة تستعين بالشمال بالكتالونيين ضد الدولة الاخرى .هكذا سقطت الاندلس ! ونحن اليوم اثنا وعشرون دولة . هكذا ضاع الحق العربي في فلسطين وفي جنوب السودان وفي صحراء الصومال وفي سوريا والعراق واليمن وغيرها .
كما ان للأمومة مخاض يأتي بعد انقضاء مدة النمو ليخرج الجنين الى الحياة ، فالتاريخ لا يبقى على حاله ويأتيه المخاض ليقوم بالتغيير في ازمان تطول احيانا وتقصر احيانا اخرى، والحياة نفسها تمر في مراحل شبيهة بالفصول الاربعة – شتاءا وربيعا وصيفا وخريفا – فيتقاتل الانسان مع نفسه ومع الطبيعة حوله من اجل النمو والثبات والقوة والثروة الى ان ينتهي به الحال في خريف العمر. فالانسان دوما يتصارع مع نفسه ومع بيئته ولا يمكنه مهما وصل من جبروت وسلطان ان يقف متحديا " التاريخ " وروح التغيير فيه .
اين تكمن عظمة الانسان ؟ هل هي في بناء نفسه وجبروته – ام ان يضع كل ذلك في الانجاز – بمختلف اشكاله العلمية والصناعية والتربوية والانسانية .
راينا كيف ان الاشتراكية دمرت العالم وافقرت الشعوب – وان البروليتاريا التي قامت على اكتافها الشيوعية عاشت في دول المنظومة الاشتراكية بمنتهى التخلف والحياة المعيشية الصعبة .وراينا في الدول الراسمالية التأمين الصحي والتعليمي في اوروبا جنبا الى جنب مع ظهور تضخم راس المال والصناعات الكبيرة والحياة المقبولة لمنتمي الطبقة الوسطى – رغم تباين ذلك مع تفكك الاسرة والانحلال الاخلاقي وضعف الانتماء الروحاني والابتعاد عن العبادة وتغليب المادة والربحية على كل شيء وتعاطي المخدرات .
فالعهود والايديولوجيات ترتبط دوما بالانجازات اولا وبرفاهية المجتمع ثانيا، والعمل على تماسكه لا إنحلاله، وتقويته لا إضعافه، واثرائه بالاستقامة والتعامل الحسن واخلاقيات الاديان، لا سلبه كل مسلكيات الايمان بالله وكتبه وتعاليمه .
هناك من ينتمي لنفسه ولبلده ولامته ، وهناك من ينتمي لنفسه اولا واخيرا دون الاكتراث بالغير ،وهناك من لا ينتمي ولا ينجز وهو في ذلك عالة على نفسه وعلى مجتمعه .
فإذا اردنا ان نـُقيـِّم ملكاً ،او اميرا، او رئيسا عربيا ،فالاهم من المهم هو ماذا أنجز لشعبه ؟ راينا الشيخ محمد بن راشد وانجازاته في امارة دبي – حضاريا وتنظيميا وامنا وصناعة. ربما خرجت بعض الاصوات وقالت ،هذا بذخ! ولكنها بقيت خارج الاطار . ما من زائر لا يُعجب بما انجزته امارة دبي ! اقول على ما رايت ولا اعلق على ما لم اره .
السيد اردوغان اخرج تركيا من دولة فقيرة متخلفة اعتمدت لسنوات طوال على المعونات وما يأتيها من انضمامها لحلف الناتو الى نمو نسبته 13.5 % وهي اعلى النسب في العالم والى عودة الطبقة الوسطى بتبيان مُطرِّد ،والى ازدياد وتميز الصناعات التركية والايدي العاملة وشركات البناء والتعمير. سيذكره اصدقاؤه واعداؤه بانه اتاتورك تركيا في عهدها الجديد – فاذا كان مصطفى اتاتورك قد منع تمزيق تركيا في نسخة سايكس بيكو التركية وحارب ووحدّ تركيا في الوقت الذي اذعن فيه العرب لنسختهم منها فتقسمت بلادهم وتلاشت عظمتهم واندثرت حضارتهم – فها هو اوردغان يبني تركيا ثانية صناعة وتجارة، وامنا ورفاهية ،وانجازا وانفتاحا على العالم العربي واوروبا.
علينا كشعوب عربية ان نـُكمل المشوار ونبدأ بتقييم انفسنا كمواطنين ، وبلادنا كمواقع جغرافية وتاريخية وحضارية، وحكامنا كقادة ارتضاهم الشعب ام هم فرضوا انفسهم على الشعب ليقاس كلٌّ منهم بمدى ارتباطه بشعبه ومدى تقدم انجازاته واستمراريتها ومدى تمسكه بعروبته وبدينه . فإذا ما جمع احدهم النقاط الثلاثة فعليه ان يرحل !.نحن كعرب - انظمة وشعوبا لسنا اقل ذكاءا من الغرب ورغم ذلك فإننا لا نجد لنا مكانا حتى في ذيل الحضارة القائمة والتقدم الكبير في كل مناحي الحياة .
تمر على بلادنا موجات تأتي وتروح كما ذكرت في بداية مقالتي – والتاريخ لا يتوقف ، وكل عهد له صفات سلبية كانت ام ايجابية وما يتبقى سوى السيرة الحسنة والذكر الحسن والانجاز الملموس – وما من احد يخلده التاريخ او يلعنه الا حسب ما يقوله الشعب فيه .
انه التاريخ الان يفرض على الشعوب ان تتكاتف مع بعضها البعض ، وان تقف الحكومات الديمقراطية في كافة انحاء المعمورة فوق مصالحها ومع الشعوب المضطهده وتقوم بحمايتها وتخليصها من كل طاغية ومحتل.
بعد ان عجز الانسان العربي عن تحقيق غاياته وطموحاته فقد وعيه وضععُف كفاحه النضالي عبر مراحل تاريخية متعاقبة من الاحباط والقمع والفردية والفئوية واستلاب ارادة الشعوب والتحكم بمصائرهم التي طفت على السطح ، الى ان وقعت على حافة وادٍ سحيق تحوطها مسميات متعدده من الارهاب الذي جاء من رحمها ... فأصبحت جماهيرنا العربية في عتمة مظلمة وضياع تام حتى توقف التاريخ وما عاد لدى المواطن العربي القدرة لينظر الى الوراء القريب حتى ولو كانت هناك نكسات وهزائم الا انه كان هناك سطور في الكرامة والقومية والعروبة وحتمية مواصلة المسيرة .
فالاحداث عِبر ، والحروب علوم تطبيقية ، وامال الشعوب وطموحاتها هي نبض الحياة الذي يتسارع احيانا فيتدفق الدم بسخونة في عروقنا وتارة يتباطأ فتخـِّف حيويتها – وفي كلتا الحالتين علينا ان نتدارك امورنا بابعاد مختلفة .
والكل يتساءل ماذا حدث ؟ لماذا كل ذلك حدث ؟ وكيف ذلك كله حدث؟ عندنا الصور متشابكة ومتماوجه ولا تظهر حقيقة الامور . هل كل ما يحصل هو طبيعي ام غير طبيعي ؟ والناس في حالة خوف وترقب، متخوفة من كل ما حصل حولها من تطورات .
ام ان الامر لا يعدو اكثر من غياب الديمقراطية والتي في غياب ممارستها على النحو المطلوب دفعتنا نحو معركة الاحباط النفسي حتى انهزم المواطن العربي في فكره وروحه تماما كما يتقهقر الجندي في معركة القتال .
عجلة التاريخ تدور وحضارات تبنى وتسموا واخرى تهدم وتتلاشى ، زعماء وقادة يأتون ويذهبون ، ومصلحون يقدمون ، واخرون يؤخرّون .
فالاحداث تتسارع ، والانظمة العربية تنغير ، والنزاعات مع اسرائيل تستمر ، والكراهية التي يبثها المستوطنون تزداد ، والتوتر يشوب المنطقة بكاملها – والولايات المتحده الاميركية حاضنة السلام والمبشرة به غير قادرة ان تتفق على سياسة ثانية لكيفية التعامل مع النزاع – إن كان في فلسطين او العراق او سوريا او مصر او اليمن او الصومال ... الخ والجامعة العربية بحاجة الى أطراف صناعية لتستطيع مزاولة رياضة المشي . والدول العربية الاخرى كلٌ لها خصوصياتها ومشاكلها وصراعاتها المحلية .
اننا الان نقف امام تيار جارف ليس بالمستطاع إيقافه عربيا او امريكيا او اسرائيليا ، وهو من ثمار ما عانته شعوبنا من الاستعمار القديم والحديث وكيانات هزيلة وحكم الكونتونات بحراساتها دون انتقالها الى مفهوم الدولة ، وهزائم متواصلة لا قدرة لاحد ان يتحداها وانما بالامكان استيعابها وتقليل اندفاعها – ولا زالت استراتيجيا تعتمد على الولايات المتحده الامريكية الصديق الوفي الذي خطط للفوضى الخلاَّقه التي اخذت لوافحها تظهر في الافق كداعش والنصره وغيرها .
ان الامر الواقع الذي يفرض علينا قادة وشعوبا ان نحدث تغييرا جذريا وتقوم بالاصلاح الشامل فعلا وقولا بعد ان مُلئت الاجواء كلها محليا وعربيا ودوليا وهم يتحدثون عن الاصلاح وهو المنال البعيد الذي لم يتحقق منه شيئا على ارض الواقع .
ما تطالب به الشعوب العربية اليوم يُصَّنف تحت كلمة "التغيير " ولو انه في واقع الامر عودة لما قصرَّت به الانظمة العربية امام شعوبها ، فهو بمثابة ترميم "للتقصير " الذي استفحل وطال مداه .
فالتاريخ له الكلمة النهائية والحاسمة . فإذا ما انهزمت الديمقراطية امام الاملاءات والهيمنة الخفية فلا بد لها ان تتغير ، واذا ما تابعت الحركات الشعبية مطالبها (لقيادة المسيرة واحداث التغيير المطلوب) كما جاء في خطاب جلالته في العيد الخمسين لصرحنا العلمي الجامعة الاردنية .
فأزمة الحرية والديمقراطية في واقعنا المعاصر تمتد جذورها الى الموروث الثقافي في الوعي القومي.
ليس جوهر الموضوع هو التصدي للفساد بحزم وجرأة وشفافية .
ليس هو إزالة العواقب البيروقراطية وقوى الشد العكسي التي تـُعيق البدء في حياة جديده .
وليس هو من اجل المزيد من الهواجس والقلق عند رؤيتنا تعاقب الحوادث المذهلة والمشاعر المأساوية في دول عربية شقيقة .
وانما هو امة تحاول النهوض وتصبو الى التطوير والاصلاح .
فلا اهمية للاستقرار الا باعتباره المناخ المناسب للعمل والتطوير والاستثمار .
فما جدوى الاستقرار في مُناح فقرٍ مدقع ، وبطالة تفاقمت ، وفساد استشرى.
في طاعتي لصاحب الامر ارفع رأسي عربيا اردنيا ! وهل لصاحب الامر ان يعمل جاهدا ليبقي رأسي مرفوعا بعزة وكرامة واباء؟
لا أظن ان شعوبنا العربية تطلب الكثير من حكامها كما خاطب الله جل جلاله النبي الامين عندما انزل عليه القران الكريم " انا سنلقي عليك قولا ثقيلا" صدق الله العظيم .
ان وقوع منطقتنا العربية اسيرة للأستبداد السياسي أثرّ سلبا على مسيرته الحضارية والعلمية والفكرية.
وكما جاء في افتتاحية لوموند الفرنسية " ان اجيال ما بعد 1993 لا تعرف سوى الموت والظلم والقهر لغة للحياة ".
وواقع الحال هو مابعد سايكس بيكو والانقلابات العسكرية والانظمة الفردية والفئوية والحزبية والقمعية .
لدى الفرنسيين وانا امضي وقتا لا بأس به بينهم مشاركة جماهيرية واسعة وفعّاله في العملية السياسية التي تستحق مفاهيمها ومُثـُلها الديمقراطية والحضارة بأقدم صورها وأبهاها من خلال التجارب النضالية التي عاشها الشعب الفرنسي عبر التاريخ .
هل لنا ان نبقى امة مُستهلـِكة دون انتاج ؟
هل لنا ان نبقى امة تعيش بطريقة "الفزعة " دون العودة الى الحكمة والاستشارة ، والعقل والمنطق.
اننا في الاردن نعتبر إعادة الولاية للحكومة واستعادة هيبة الدولة ووقف الفوضى المبرمجه من جراء الهيمنة المسلـّطة والعمل على تحقيق الاصلاح بكل روافده وباتزان وحكمة ، وتصويب العدالة الاجتماعية ونزاهة القضاء ، ونظام انتخابي مستقل دون مداخلات قوى متنفذة ،واجراء انتخابات حرة بلدية كانت ام تشريعية .
فالدول القوية قادرة ان تقوم بالاصلاح بكل جوانبه دون مواربة اوتلكؤ او تأخير او مداهنة او كسبا للوقت ، والدولة الضعيفة تخاف من الاصلاح ولا قدرة لها لعمل شيء.
يُجمع العالم على ان ما تقوم به داعش والقاعدة وجيوش فئوية هو ارهاب ؟ وهذا متفق عليه .
فهل ما قامت به امريكا وبريطانيا في فلسطين وافغانستان والعراق والصومال والسودان واليمن لا يُصنف بارهاب دولة ؟
ان شعوبنا العربية قاردة على مضاعفة قدراتها البشرية والبناء والعمران والتصنيع والزراعة والتعليم والصحة لدعم عجلة النمو الاقتصادي من خلال معادلة الحاكم الوازع والشعب المعطاء ، و دولة المؤسسات. " فمفتاح ثروات الشعوب هو الابداع البشري قبل اي مصدر اخر ، ومفتاح هذا الابداع هو نظام الحرية الطبيعي " ادم سميث 1776.
قال السيد المسيح " الحكمة نورٌ في القلب "، وانا ادعو الله ان يمنحنا الحكمة قادة وشعوبا ليسود الحق والعدل والسلام والاستقرار لكافة شعوب المنطقة .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير