jo24_banner
jo24_banner

عودة للأنسان!

د. جهاد البرغوثي
جو 24 : تعاصرت الارض مع النشوء الشمسي ، ووضعت الكواكب في نظام رسمه الخالق . فالارض لها من العُمر قرابة 2000 مليون سنه ، بينما الشمس عن خمسة بليون سنه . اما النجوم والمجموعات والمجرات فيقول العلماء انها عن عشرة مليون سنه ( (اود نغتون).
قال تعالى "والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ". صدق الله العظيم.
وقبل التحدث عن ولادة الانسان – كانسان- قبل ان يُصاب بمرض الفصام والعظمه – وقبل ان يتشعوذ ويقاتل ويتعنصر ويتلوث كما هو الحال – لِنعود الى الطبيعة فنرى ان نواة الذرّة تفصل جزءا منها ليكسب ذاك الجزء شخصية تختلف عن اصلها ، إمّا بكتلتها الجديده التي انقسمت عن النواة الام او بشحناتها الكهربائية او الاثنين معا .
فالمخلوقات تتكون من خلايا تنقسم الى جزيئات. قال تعالى "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ".صدق الله العظيم.
فالانسان يتميز بمادة الهيموغلوبين الناقلة للأوكسجين في الدم ، وهي كبيرة نسبياً ووزنها الجزئي 69000 ، وكل وحده مبنية على ذرّة من حديد .
اما مادة الكلوروفيل الخضراء فهي مبنية على ذرّة من الماغنيسيوم ووزنها الجزئي 904 ، في حين ان المادة الملونه للأنسجة في القواقع والحلزونات فهي مبنية على ذرّة من النحاس .
فالتطور في حياة الانسان او التحول من حيوان الى انسان بدءا بالمستوى الوظيفي او التشريحي للأنسجة الى البُعد الروحي والاخلاقي لم يكتمل بعد ، ومنذ الخليقه !
فمن اجل ان يتوصل الانسان في تطوره ليرتقي الى أعلى الدرجات من التحول البدائي السلفي الى الانسان ، فعليه ان يكون سيّد قدره . وأنه من خلال هذه الهيمنة على ذاته تتكون لديه معادلة الاختبار . فإمّا يتيّع طريق إرضاء "غرائزه الحيوانيه " او الانطلاق نحو "الروحية " التي تتغلـّف فيها كرامة الانسان .
فإذا كتب العلماء ان "الذاكره " هي الحالة الاساسية لاستمرارية الحياة ، نجدها في معظم الحيوانات البدائية – كما ان قابلية الإثارة Irritability ميزة الكائن الحي ، وهي اساس الذاكره .
فالانسان تعمل فيه الغدد الصماء في مختلف المسارات . فالغدة الدرقية تنظم الذكاء ، والغذة ما فوق الدرقية مسؤولة عن الجهاز العصبي ، والغدة النخامية مسؤولة عن العظم.
إذن ! فأساس الانسان التكويني ككائن حي هو مادي كيميائي مثله مثل الحيوان .
فإذا ما تطور الانسان عليه أن لا يُطيع "الطبيعة " بل يُحتـّم عليه ان لا يلتزم بالقانون الاول في سايق خلقه ، بل يتصارع مع ذاته لتقزيم وتحجيم نزواته وغرائزه ويتقدم في سُلم التحول من حيوان الى انسان .
فإذا أخِذت "الحرية " ميزاناً للتطور وقياساً له – فالانسان يبقى حيوانا من الناحية الاحيائية، وضرورة التطور تقتضي محاربته بغرائزه الحيوانية حتى يتلاءم ذلك مع تكوينه كانسان وتحوله الى ذلك .
فالحيوانات بدون استثناء كالعبيد المأمورين او الشعوب المطهدّه تأتمر للوظائف الفيزيولوجيه والهورمونية والافرازات الغددية مثلما تخضع لهيمنة حاكميها المستبدين او المأجورين او المعتوهين.
فإذا لم يتطور الانسان ليتحول في هذا الشأن ويبقى تحت سيطرة غرائزه الحيوانية، لتبقى لها الطاعة في سلوكياته وتعامله مع الغير ، فهو في صراع دائم مع ذاته وإلاّ فعليه ان يُحطم القوى الحيوانية الدافعة ، ويُكرّس نفسه لانتصار الروح في إنسانيتة – وما عليه إلاّ ان يتخذ من شدة القوة المضادة لاظهار درجة ملاءمته للصيغة البشرية المنظوره.
وفي سياق التطور فلا بد ان نتطرق الى " التحصار" او انتقال العادات والتي في ظهورها تبقى من صلب التطور التي تأخذ مجرى اخر في تطورها من خلال آلية اخرى حتى يكون بالمستطاع التحسن العقلي والروحي .
"فالخير " هو التطور الانساني . لنرى فيه المصلحين والعلماء والمخترعين والمؤمنين بالانسان وبحريته وكرامته والعاملين في الانجاز والفكر والتعليم والبحث والعمران ... الخ.
"والشر" هو اللاتطور، والثبات على سلفية التكوين البدائية الحيوانية . لنرى فيهالانانيين والوصوليين والمجرمين والانتهازيين .هم ظلاّمٌ وحكامٌ مستبدين، واناسٌ همهُّم ارضاء نزواتهم الحيوانية .
فالخير والشر ومنذ الازل يتصارعات.
فإذا شارك "الخير" في مسار التطور الانساني فسيقودنا بعيدا عن السلفية الحيوانية ويتجه بنا نحو الحرية . فالشر يعترض التطور ويهرب منه ليرتد نحو السلفية المتوّخاة .
ومن هنا وعبر قراءاتنا للاحداث اليوم وليس بالامس ، مع انها مرتبطه ببعضها البعض – قتال وحشي بين شيعة وسنة في العراق وسوريا وباكستان واليمن – فئات خرجت وارتضت على ما هي عليه كالدروز والبهائيين والعلويين وغيرهم – وكذلك اليهود الذين انوا من بلاد الخزر، أما غيرهم من اليهود فهم مِنـّا وإلينا – وامريكا القوة الرادعة الظالمة التي خرجت عن مبادئها وأ ُسس بنيانها لتدعم الظـُلا ّم وتتطهد الانسان بكل القمع والقهر والقتل .
اخرجت الفلسطينيين من ديارهم وبتعاون مع ام الاجرام بريطانيا – وها هي ترسم خارطة الشرق الاوسط الجديد عملا بسياسة "الفوضى الخلاقة ".
فما على الانسان – كإنسان- في حدسه ومنطقه وادراكه الا ّ ان يعمل من اجل الحفاظ على القيم الاخلاقية بعيدا عن السلوكيات السلفية التي رأيناها البارحة في تصريحات ليبرمان الروسي المنشأ "علينا قطع رقاب فلسطيني 48"!! هذا هو الانسان البدائي "القاتل الذي يعيش فيه " .ما هو الفرق بينه وبين داعش . فهو داعش اصلا وفصلا بعد ان خرج الانسان منه واصبح مخلوقا بدائيا هائجا مفترسا . انه الانحطاط السايسي !.
فالله هو الخير ، والانسانية هي الخير . اما العنصرية والكراهية والفئوية والارهاب فهم الشر بعينه الذي يُرد الانسان الى قانون الغاب .
محاولات عديده قامت لايقاظ الضمير العالمي – بتواصلٍ وتقاربٍ وتفاهمٍ بين الناس اجمعين . هنا يستطيع ان يفكر الانسان بشكل عمومي بلا استثناء.
فإذا كانت امريكا راغبة في "تأنيب الضمير " في تطورها الانساني ،لا العمراني او الحربي او التكنولوجي، فعليها ان ترد على تصريحات نتنياهو وخداعه واكاذيبه وبلطجة ليبرمان بالاعتراف الواضح والصريح بالدولة الفلسطينية - كما فعلت السويد وغيرها من الدول التي تؤمن بكرامة الانسان وحريته وتطلعه نحو الضمير العالمي .
لا بد للزمن مهما طال ان يَفرز دولتين تتعايشين مع بعضهما البعض دون هيمنةٍ للواحده على الاخرى ، والابقاء على حدودٍ مفتوحة وتعاون ومشاركة مع الحفاظ على خصوصية كل منهما ، وامتداد تعاونهما مع الدول الاسلامية والعربية والعالم اجمع .
"فالضمير العالمي " يجب ان يعلو من اجل الارتقاء خارج حدود الجغرافيا والقومية والدين ونحو المجتمعات الحرة والحياة الكريمة والسلام الدائم . فالدولة خادمة للأنسان في امتداد نشاطه وفكره الفردي والجماعي ، وعليها ان تعتني به لا ان تهيمن عيه لنتعايش ونحترم كافة الشعوب مهما اختلفت تقاليدها واديانها ومعتقداتها.
فلا بد للروح ان تنتصر ولو طال المدى ، وللأنسانية ان تسمو، ولبدائية الانسان الغريزية ان تضعف وتندثر .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير