jo24_banner
jo24_banner

خلاصة القول !

د. جهاد البرغوثي
جو 24 : مُنذ أنْ تـَسلم جلالته مسؤولياته الدستورية وهو في تجواله وندواته ولقاءاته مع الفعاليات السياسية في مختلف انحاء العالم اكدّ على الدوام على ضرورة تكاتف جهود جميع القوى والاطراف المؤثرة للعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإحياء عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ، وتذليل العقبات التي تقف حائلا أمام إستئناف المفاوضات إستنادا الى حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية .
فالعنف والقوة لا يحلاّن أية مشكلة بل يزيدانها تعقيدا وإلتباساً.
بقوله تعالى " لهم ايدٍ يبطشون بها أم لهم أعين يُبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها ". صدق الله العظيم .
الشعوب وحدها هي القادرة على البناء أو الهدم ، وأنْ تصنع او تدمر ، ولا يمكن ان يتم هذا أو ذاك إلا بدوافع داخلية او خارجية او الاثنين معا . فشعوبنا واعية ، فهي تقرأ وتسمع وترى، ولديها الالمام والمعرفة لما يحدث من حولها . ومع انتشار التقنية الحديثة والفضائيات اصبحت تمتلك كنزا من المعلومات في كل مناحي الحياة .
ولكن!! هناك شيء واحد ليس بالمستطاع ان تجده الشعوب في التقنية الحديثة – ذاك الشيء من الحواس الخمسة التي حباها الله للأنسان .
بعد هذه المقدمة الطويلة وإثر قراءاتي للصحف الكندية ترحيبا بالزيارة الملكية الناجحة بكل المقاييس ، عادت بي الذاكرة الى اخر زيارة قمت بها الى كندا قبل اربعة اعوام .
طلع علي الصبح المُشمس الدافئ بسمائه الزرقاء في 1/7/2011 في فندق الماريوت في مدينة مونتريال لأرى الناس يحتفلون في عيدهم الوطني أل 144 . رأيت إحتفالات عديدة في عالمنا الواسع ولكنها آنذاك كانت تختلف كثيرا عن مثيلاتها .
سارت الاحتفالات في الشوارع الرئيسة وانطلقت الى شوارع جانبية إشتركت الجاليات من مختلف انحاء العالم وقد رفعوا علم كندا وأعلام بلادهم التي هاجروا منها الى البلاد الجديده .
قرأت في صبيحة ذاك اليوم ما كتبته الجريدة الواسعة التوزيع في كويبيك / كندا The Globe and the Mail بأن الناس هنا في كندا في واقع الحال هم اكثر اهتماما في إيجاد الحلول للمشاكل بدل من المعارضة لشيء ما .
People are actually more involved in solving a problem instead of just opposing something.
قامت الجريدة نفسها في تقديم اسئلة لـِتـُرشح أحسن المجتمعات في كندا . " تقول الجريدة أن لا أحد بعث برسالة عن الاحياء الراقية والمنازل الفخمة والبنايات العالية أو إستعمال التكنولوجيا المتقدمة في البيئة التحتية في الحياة المعيشية للمواطنين ، وإنما كانت الإجابة وبشكل عام عن المكان الذي يعرف الواحد والاخر ليجمعهما الحب وحسن الجوار والاحترام ".
هناك أناسٌ بمختلف الأعمار والاجناس والالوان والمعتقدات والثروات المتباينة ليقول احدهم أننا نبني نوعا جديدا من المجتمعات الذي يعكس بالتساوي حقوق المواطنين في دولة القانون والمؤسسات ليرصدوا هم انفسهم اين تقع القوة والقياده! يمتلكون كل الفرص المتاحة ليجعلوا انفسهم سعداءاً وقانعين وعاملين من اجل بلادهم الجديده – كندا.
كل ُ هذا لا يأتي من لا شيء ، وإنما هو " الاحساس" في التطابق من خلال العمل الجماعي ، والجهد المشترك ، والتصميم الفعّال ، والارادة الحرة لبناء مجتمع الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.
نحن في الاردن ورغم إستشراف قائد المسيرة للكثير من تلك الأنظمة الديمقراطية ، لا زلنا نـُجيد لـُعبة " شد الحبل" ، ونمارسها منذ اكثر من خمسة عشره عاما. ومع ما يكتنز به صاحب القرار من طموحات وطاقات وتطلعات اصبحت بمثابة بركاناً صامتا ً لم تظهر على الأصعدة العملية اية بوادر لثورة بركانية ليتصاعد الدخان الابيض مُعلنا ً البدء قيادة وشعبا في بناء الاردن الحديث .
ما كتبه بيتر اتكنز الكاتب البريطاني في On Being " كيف يأتي شيء من لا شيء ؟ وقد قسَّم "اللاشيء " مضادات تسير في اتجاهات مختلفة ، وكل منها بحاجة الى شروحات خاصة بها ".
واننا في الاردن بحاجة ان نأتي بشيء من اللاشيء – واذا كان هناك شيء فهو يمر في مرحلة طوعية إنتقالية Community in transition فهو تارة يعبث بالوحدة الوطنية وتارة يلجأ الى عامل التخويف واذا ما ضعفت قوى الشد العكسي فإن ذلك بمثابة ناقوس الخطر لتلاشي الدولة الاردنية القائمة – حسب ما يدّعون !.
هذا هراء ! كيف سيتوافق جيل رسم سياساتنا منذ الخمسينات ، وبقي يعمل بها دون إحداث تغيير جوهري سوى بعض الرتوش . هناك اليوم فراغ سياسي كبير جعل من الدولة مؤسسة تابعة وليست صاحبة الولاية . هناك قوى مؤثرة في صياغة القرار تأخذ التوجيه ضمن أجندتها لتؤثر بها على إحداث العجز وعدم القدرة على السير بل بالإتكاء على عكازتها اذا اردات السير او عدمه .
فالمسافة إذا ما قيست بين جيل مرهق من قوى الشد العكسي وجيل الشباب والتغيير فيه عنفوان الملك الشاب وشبابنا وشاباتنا – فهي " الزمن " . فالمخزون وحدات طاقة في واقع الحدث لتكون فاصلا بين أجيال ثلاث في نفس الزمن – آباءاً وابناءاً واحفادا ً- فهو بحد ذاته المسافة التعددية التي تتميز بوقائع واحداث ونسيج اجتماعي تختلف من سابقاتها .
اعمدة خمسة كافية للأندفاع قيادة وشعبا الى الآفاق الواسعة والانجازات الكبيرة التي شاهدها الملك الشاب في كندا واوروبا وامريكا وغيرها . اربعة منها للداخل والخامسة لما نحن فيه في محيطنا العربي الذي أخذت ملامح سايكس بيكو رقم (2) تظهر في الافق .
1. الجمع بين الاصل والعصر من اجل احداث التغيير المنشود الذي يتواكب مع مسيرة " الزمن " ، لـِيدخل شبابنا وشاباتنا المستقبل من الباب الواسع مُتكئين على حاضر يستمد قوته واستمراريته من ماض ٍ أصيل ، وحاضر فيه بوارق أمل رغم طول الانتظار .
2. لا مكان للظلاميين واصحاب الثروات المتسلقين واللاعروبيين وفلول الايديولوجيات الفاشله والاقليميين والفاسدين وركاب الترانزيت العابرين لكل الحكومات والمؤسسات ، والانتهازيين الذين يتنقلون ما بين اليسار الى اليمين ولا شيء في جعبتهم سوى تبعيتهم !!.
3. لا للتغنّي بالديمقراطية بدون أحزاب فاعلة ومستقلة ومحدودة العدد بثلاثة الى خمسة ، حاضنة للديمقراطية ولدولة المؤسسات والقانون والقضاء المستقل بكل المفاهيم – فهي السياج الواقي والمنيع لحماية الوطن والمواطن .
4. لا للدوائر الوهمية واللوائح الباهته المبعثرة وللكوتات والاقليات والديمغرافيا المُصنفة – فالشعب واحد ،والاحزاب قومية تنافسية تعددية .
5. قالها الملك الشاب قبل بضعة سنوات "الهلال الشيعي " ، وانهالت الانتقادات ، وما كانت هناك داعش ، وكان علي عبدالله صالح في جعبة امريكا يصول ويجول ويقصف الحوثيين بالطائرات والمدفعية .
ما كان ذاك القول على أرضية دينية ، فالاردن مسلم حتى العظم ، بل قيل حسب إمتداد سياسي .
كان المسلمون في كل ارجاء المعمورة ينظرون الى وحدة المذاهب وفقهها تحت كنف الاسلام الواحد لتلتقي به قوى اسيوية وافريقية – الا ان اتخاذ المحاور ما بين سنة وشيعة اساء للأسلام واضعف دولة الاسلام العلمانية المنشودة .
فاليوم الصورة واضحة المعالم والاهداف :-
أ. امريكا تؤيد ايران وامتدادها عبر العراق ولبنان وسوريا واليمن . كما انها في نفس الوقت تؤيد تركيا والسعوديه وقطر . كذلك فإن امريكا تقف بقوة امام عدم إيجاد حل ٍ لقضية فلسطين منذ عام 1948 ، ولربما اذا حسُنت النوايا في اخر المطاف ان تحدث المعجزة وتعترف ادارة اوباما بالدولة الفلسطينية قبل انتهاء ولايته .
ب. الاردن يقف مع وحدة العراق ، والا ّ فلا بأس في إقامة حكم فيدرالي ، والا ّ وحسب ما يجري في الكونغرس الاميركي وما نادى به السيد بايدن نائب الرئيس الاميركي قبل عدة اعوام عن تقسيم العراق ، فالاردن يتعاطف مع مليون وثمانماية الف عراقي من اهل السنة على ارض مساحتها 140000 كليومتر مربع امتداداً من القائم على ضفاف الفرات شمالا الى الغرب من النجف الاشرف – ليُذبحوا من قبل قوى الحشد الشعبي وتحرق مزارعهم ومنازلهم او ان يُذبحوا من قبل "داعش" . فالانبار يدخل وديعة في يد الاردن ريثما يعود العراق الى وحدته وعافيته ومن ثم تـُرَدُ الوديعة الى أهلها .
ج. والاردن يُثري مجلس التعاون الخليجي في حال طلب المجلس انضمام الاردن له . نحن لا نتسول على ابوابه ، ولا اقول اكثر من ذلك .
د. والاردن طالب دوما بايجاد حل سياسي في سوريا وانتقال السلطة سلميا عبر اجتماعات جنيف واحدواثنين وموسكو .
فالقتال الدائر في ريف درعا الى الجولان له انعكاسات سلبية على أمن الاردن واستقراره – واذا ما اقتضت الحال فالاردن يطالب بمنطقة آمنه في شماله كما تطالب تركيا بمنطقة عازلة على حدودها .
هـ. والاردن يقف بثبات وعزم دون استفزاز لأحد او لمواقف محورية - - فهو مع المملكة العربية السعودية ومنظومة دول الخليج على أمل ان يستبدل "الحزم " "بالامل" بالسرعة الممكنة واقامة السلام والاحترام بين الجارين الشقيقين .
ان قوتنا في ذاتنا وفي تضامننا وتكاتفنا معا وليست عن طريق امريكا او غيرها . لقد كثرت الاقاويل من المحللين السياسين سلبا او ايجابا عن القمة الامريكية الخليجية . لا بأس من الزيارة ولكنها لن تعطي النوم المريح لقادة دول الخليج العربي – فامريكا لها في كل قول معنيان ، وما يعلو على كل شيء هو مصالحها .
ان الاردن و دول الخليج العربي قوة لا يستهان بها – وهذا هو الرصيد الذي يجب ان نعتمد عليه .
فإذا كانت اوروبا بصدد تكوين جيش اوروبي موحد ، فلماذا لا تقوم الدول العربية المتحالفة مع بعضها البعض بتكوين جيش عربي موحد .
لـِيقرأ قادتنا ما جاء في سورة المؤمنين " وقل رب أنزلني منزلة مباركة وانت خير المنزلين " صدق الله العظيم .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير