jo24_banner
jo24_banner

الحقيقة المُرّة

د. جهاد البرغوثي
جو 24 : ما من أحداث الاَ وتفرز متغيرات على ارض الواقع . راينا ذلك من تداعيات الحرب العالمية الاولى والثانية وما قبلهما من حروب ، وإذ بحدود اختفت وبلدان تقزمت ، واخرى كبرت تلقائيا دون ان تكون ايٌ منها لاعبا اساسيا في معركة خلط الاوراق وتشعباتها ، وما آلت اليه الامور في نهاية المطاف.
ظهرت دويلات جديده بعد الحرب العالمية الاولى بعد ان قُسمت اراضٍ عربية بخط اعتراضي ، بشماله لفرنسا وجنوبه لبريطانيا . أما دولة الرافدين فقد بقيت مكونات شعبها من عرب واكراد واشوريين متماسكة سياسيا واجتماعيا – ولو قُدِّر لها ان تبقى في حلف بغداد الذي اسقطته جماهيرنا العربية لحمت نفسها من الانقلابات العسكرية والتي خططت لها القوى الكبرى تحت غطاء ، تارة قومي، وتارة شيوعي ، وتارة بعثي.
اما في مصر المحروسة وبعد انقلاب عام 1952 خرجت الى العالم كقوة قومية تحالفت مع القوى المناهضة للاستعمار ونجحت على كافة الاصعده الاّ انها فشلت في امور ثلاث :- اولهما ، اتباع النهج الاشتراكي الذي افرغ البلد من الاستثمارات الاجنبية ومن هروب الفعاليات الاقتصادية ، وتشكك امريكا من الحكم الجديد، فانقلبت الموازين التي كانت سائده في عهد الملك فاروق حيث كان الجنيه المصري يوازي الجنيه الاسترليني . وثانيهما ، خروج السودان من التحالف المصري السوداني الذي كان يتوجب بقاؤه وتقويته وترحيل الملايين من مصر والسودان الى جنوبه ، والابقاء على مصر فوق ينابيع النيل وفي عمق افريقيا . وثالثهما ، ان الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله لم يؤسس قيادة سياسية بنهج ديمقراطي فيه التعددية الحزبية ليكون الانتقال السياسي سلسا بعيدا عن العسكريتاريا التي بقيت تحكم الى يومنا هذا .
وهكذا ظهرت الديكتاتوريات وحكم المذاهب والعائلات وجمعت في جعبتها الطفيليات الوصولية والانتهازية وسارقي الثروات وبقيت شعوبها مهمشة وفقيرة وذليلة ، فاستسلمت للامر الواقع .
واليوم ، وبعد الربيع العربي الذي هلـّلنا له ، فبعث لنا الكوارث من كل صوب .
لست هنا اقف مع هذا او ضد ذاك . فأنا عربي قومي مسلم ادافع عن مسيحية الاهل و لاحبة من ابناء العروبة بقدر ما ادافع عن الاسلام . راينا في الفقه الاسلامي مدارسا ومذاهبا وبقي الحال على حاله بعد الفتنة المشؤومة التي قسمت الصف الاسلامي حينذاك الى شيعة وخوارج وبقي اهل السنة على حالهم .
فاذا تجرّدنا من كل شيء ونظرنا الى سياق "الحقيقة المرة" دون ان تــُـفطيّها اية شوائب او مساحيق او عواطف وآمال ، او اندفاعا لرفض ما اقول – كلها ما عادت تجدي نفعا.
فالعراق ما عاد واحدا – فالدولة الكردية في شماله قائمة والاعترافات بها جاهزة و المساعدات الامريكية الالمانية وغيرها مستمرة – فما عادت جزءا من العراق . كما ان ما قامت به حكومة المالكي من شق في الصفوف وزرع الكراهية وانتشار القتل والاغتيالات لاهل السنة وعلمائهم وطياريهم ورجالاتهم – وما قامت به قوى الحشد الشعبي من قتل وحرق المنازل واهانة اهل السنة كما حدث في تكريت - ليصبح ولسوء الحظ بينهما انهار من الدماء لا يمكن باي حال من الاحوال جمعهما من جديد في اطار العرااق الموحد والكل يأمل ان يسود الوئام والمحبة بين كل اطياف الشعب العراقي ليعود العراق قويا معافى ! وهذا مستحيل !!
اما في سوريا التي دُمِرّت ذاتيا واصبح نصف سكانها نازحين في الملاجئ في تركيا والاردن ولبنان واوروبا ، وقتل اكثر من ثلاثماية وخمسين الفا – وما بقي سالما معافى من آلة الدمار الا المنطقة الساحلية التي يسكنها العلويون . فالطائفة العلوية جزء من مكونات الشعب السوري ولا يحق لاحد ان يأخذ الحابل بالنابل . ومع هذا فانهار الدم والقمع والدمار أخرجت سوريا من لباسها القومي وابعدتها عن كل توافق وجعلت منها موقعا خصبا للصراعات الدولية والاقليمية ، فتحتمي فئة بروسيا التي لها مطامعها في امتداد نفوذها ما بين جزيرة القرم عبر البحر الاسود مرورا بايران الحليفة الى شواطئ البحر الابيض المتوسط . ناهيك عن طمعها في ابار الغاز في جوف البحر . اضافة الى تخوفها من امتداد المتشددين الاسلاميين الى ارضيها .
وفي استغلالها للاحداث والمتناقضات ومحاربتها لداعش لتأتي بالسلاح الاميركي فتحتل اراضٍ وتطرد سكانها العرب منها وتُعلنها حكما ذاتيا كرديا في شمال سوريا بمحاذات ديار بكر المتمرده .
كماان هناك فصائل عبثية تحارب على كل الجبهات دون الوقوف على سياسة واضحة وواقعية كجبهة النصرة على سبيل المثال . اما الفئة الاخيرة التي إحتمت بامريكا رغم خداع الاخيرة لها و وعودها الكاذبة ، ألا وهي المعارضة في الخارج وجيش الحر في الداخل .
ان معزوفة الحل السياسي اصبحت اضحوكة . روسيا تناور وتكذب وايران تساند والمعارضة تـُقصف – ويتحدثون عن انتخابات تشريعية ورئاسية . كيف ستتم الانتخابات ومن سينتخب من عرض البحر ، والاخرون تحت حكم هذه الفئة او تلك . وهل ستتم الانتخابات من خلال 18% من السكان . انها اضحوكة وستستمر الاضحوكة لغاية ان يصحوا الفيل الامريكي وقد طالت غفوته .
سوريا لن تعود لجغرافيتها وديمقراطيتها . هذه الحقيقة مُرة لا بد بالم وحزن ويأس ان نعترف بذلك – وهاهو الرئيس الاسد يهدد بالمزيد من الدمار ، فهل بقي شيء ؟
اما في فلسطين – فما حدث بعد اوسلو هو المزيد من التوسع الاستيطاني واستمراريته وتسارعه بعد ان اخذت السلطة الفلسطينية على عاتقها الشيء الكثير الذي كان يتوجب على الاحتلال ان يقوم به . واستطيع القول ورغم انجازات محدوده للسلطة لا نستطيع انكارها الا ان بقاء الاحتلال دون السلطة كان اكثر فائدة لقضية فلسطين برمتها .
اسرائيل من البحر الى النهر في مرحلة جيلنا ولا قدرة لاسرائيل ان تطرد (ترانسفير ) مليونين من فلسطينيي المحتل من أرضنا عام 1967 .
"فالحقيقة المرّة " تحتم على اسرائيل ربط المدن الفلسطينية الرئيسة بكثافتها السكانية وقراها عبر طرق ملتوية باتجاه الشرق واجهاض ما يسمى السلطة الفلسطينية – وها قد بدأ المخاض بعد ان خفضت امريكا من مساعدتها للسلطة بمبلغ 80 مليون دولار.
لاعود اخيرا الى ما قلته في مستهل المقالة "ما من احداث الا وتفرز متغيرات على ارض الواقع ".
فالاردن يعمل من خلال حٍسيـّه العربي القومي والانساني على ان تنتهي المأساة في سوريا عبر قنوات الحل السياسي والابقاء على وحدة سوريا الجغرافية والديمغرافية .
كما ان الاردن يعمل على ان يعود الاخوة في العراق من عرب شيعة وسنة واكراد الى روح التسامح والمحبة والعودة الى عراق قوي موّحد .
كذلك نادى الاردن وعلى المنابر الدولية بوجوب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية .
ومع هذا فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن . انها "الحقيقة المرة "!

فأنبار العراق وبعد تحررها ستكون اقليما تحت حكم ذاتي ليمد يده غربا ، والشريط السوري بعمق ثلاثين كيلومتر عرضا وبطول يمتد من السويداء المتاخمة لمنطقة الازرق الى درعا وريفها الى القنيطرة ، وفي ذلك حماية للشمال الاردني من المتسللين ومهربي المخدرات والاسلاميين المتشددين .
ومن الظواهر السياسية التي اخذت ملامحها تلوح في الافق هو ايجاد منطقة امنه في شمال سوريا على حدودها مع تركيا وتحت الحماية الجوية الاميركية مما يمنع اقامة دولة كردية في الشمال السوري .
اما الكثافة السكانية الفلسطينية فستكون تحت حكم ذاتي لتمد يدها شرقا .
خلاصة القول اننا امام نتاج صراعات المنطقة .
انها الكونفدرالية العربية الهاشمية The Arab Hashemite Confederation.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير