jo24_banner
jo24_banner

للتعالي والتلاقي

د. جهاد البرغوثي
جو 24 : نشأت ايديولوجيات عقائدية كالشيوعية والرأسمالية والليبرالية وتقوّت ثم أخذت تضعف بعد أن أفرزت في منطقتنا العربية احزابا سياسية كالبعث الاشتراكي وحركة القوميين العرب والاخوان المسلمين وحزب التحرير والحزب القومي السوري ، والتي فيما بعد حلـّت محلها الديكتاتوريات الفردية وحكم الطوائف العائلية الشبيهة بالنظام الاقطاعي الاوروبي في القرون الوسطى.
ومع هذا بقيت الايديولوجية الدينية في قوتها وازداد نفوذها بين الجماهير العربية لبقائها دون منافس، واتخذت منها بعض القوى الخارجية اشكالا متناقضة بعد ان خرجت عن نطاق الجوهر ، واحترام الاخر كما نراه اليوم في سلوكيات داعش والنصرة وغيرها .
كان هناك الكثير من اللقاءات والندوات والحوار بين الاديان – خطابٌ مقابل خطاب ! لينتهي الامر بأن تـعرَّف الاديان "كحوار الحياة " عبر امتداد الصداقة والثقة والاحترام المتبادل من كافة اصحاب الاديان والعقائد والمذاهب .
فإذا كانت الثقافة العربية واحده ، واللغة العربية واحده ، والقومية العربية واحدة ، والتراث العربي واحد – ولتتفيأ الاقليات بالقومية العربية غطاء وحماية حافظة لها حقوقها وتقاليدها ومناسكها – فلماذا نترك كل هذه الثروة لنختبئ وراء رموز الاديان ، والتشكك برساميلها ، والتوغل عليها ، ولربما تـُكفر الواحدة فيها الاخرى.
يصفها بعض اللاهوتيين "بتطابق الاضداد" ، لتخرج "الحداثة " منها كما جاء الخوارج بعد الفتنة – ظاهرة إنبثقت من المتناقضات وتخلت عن الاديان .
فأهل الكتاب من مسيحيين ومسلمين واصحاب العقائد والاجتهادات والمذاهب لها وسائلها وغاياتها وقيمها – فهي قادرة انْ تـُكوِّن إنسانها عبر تعاليمها المفتوحة على الغير دون ان تفرضها على الآخرين .
فإذا كانت المسيحية بتعبيرها الثقافي الديني التوحيدي الثلاثي "الاب والابن والروح القدس " ، وان سيدتنا مريم العذراء– وتم تثقيف مسيحيي الشرق العربي على هذا النهج – " فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم ." اين يكمن الخلل ؟ فمع تعدد الأديان وانقساماتها ، مسيحية كانت ام اسلامية ، فلا يوجد لدى الكثيرين إستعداد للتلاقي على منوال "لكم دينكم ولي دين" ، دون ان نـُحاصر انفسنا بما ليس لنا جدل فيه ولا نفع لنا به وما علينا الا ان نفرض على انفسنا احترام وسائل الغير في تكوينهم الثقافي الانساني العقائدي .
وفي الاصحاح العاشر إنجيل لوقا 10 " وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال احمدُك ايها الاب رب السماء والارض .... وقال كل شيء دُفع اليّ من ابي وليس احد يعرف من هو الابن الاّ الاب ُ ولا من هو الابُ الاّ الابن ومن اراد الابن ُ أن يُعلن له .
بقوله تعالى في سورة آل عمران " إذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ....... ويُعلمة الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل "صدق الله العظيم
“Then whoever will, let him believe, and whosoever will, let him disbelieve.”
بقوله تعالى في سورة البقرة " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" صدق الله العظيم

وفي المعتقدات الهندوسية
Yujurved (32-33&40)
“There is no image of HIM! He is bodiless and pure. There is no likeness of HIM and HE is ONE only, without a second “
There is no compulsion in religion.

كل طائفة لها الحق في الابقاء والالتزام بما تؤمن به ما دامت جادة بوسائلها . أمَّا ان نستعمل كلمة "التسامح "، فهذا خارج النص ما دام هناك "قبول الغير " ، وللأديان اتباعها ومُصلـِّيها والمؤمنين بها .
الكل يرى في هذا "التعالي المطلق " تكتمل فيهم الانسانية والشعور بالراحة ونقاوة العبادة والتقرب من الخالق .
ما يهمني كمواطن عربي في هذه المنظومة العربية المهمشة هو ما يجمعنا بانسانيتنا ، وهويتنا العربية ، وعيشنا المشترك ، وتراثنا الواحد ، وثقافتنا العربية .
تبقى "الحرية الدينية" حق لكل مواطن ، وتـُعتبر من ركائز حقوقه المدنية ومن اسس المجتمعات المثقفة – وعلى الجميع احترامها وعدم المساس بها .
رايتهم يوم الاحد في مدينة تورنتو / كندا يقومون بممارسة شعائرهم الدينية في مكان مخصص لهم دون ازعاج ٍ لاحد او استفزاز ٍ من احد .
ان الربع الخالي في نفوسنا يجب ان نملأه بحب الغير واحترام ما هم يحترمونه .
لا احد منا يريد ان تأخذ "العلمانية او الحداثة " كل مناحي الحياة بل علينا ان نمضي قـُدما في بناء المجتمع المدني الذي يستوعب الجميع . فالدين ثقافة وعلم اجتماع وعلم اخلاق وعلم تربية وعدالة وقانون وتنظيم الاسرة – هو الرابط الاساس بين الانسان وخالقه ، وبين الانسان واخيه الانسان. لـِتقم كل طائفة بوسيلتها التي تخاطب بها " الله" بلغتها ، فلا ضيم ولا تكفير في ذلك ، ما دام "الله" هو المنشود .
"فالاضداد المتناقضة " من خلافات وصراعات وكراهيات ما بين السُنة والشيعة، متوارثة عبر الاجيال ، وعلوية ، ودرزية واسماعيلية، وزيدية، وبروتستنتية وارثوذوكسية ولاتينية ..... الخ جعلت من الاديان قضية نزاع واثارة ، وقنبلة موقوته Religion is a contentious risk. ما عاد لها اسباب بتعميق تلك الخلافات وتحويلها الى صراعات سياسية او القفز بها الى أبعاد سياسية .
لا يحق لأحد ان يحكم باسم مذهب او طائفة . فالدين يبقى رمزا اصيلا لا تشوهه السياسة، وقاعده اصيلة لا تشوبها شائبة للتعالي به لا للتلاعب عليه .
انها فقط "القومية العربية " والاحزاب الوطنية التي تنبثق عنها هي سياج المجتمع المدني الديمقراطي الذي ينبثق عنها المجتمع المدني الديمقراطي الذي نعمل من اجله ليجمع لا لـِيـُفرِّق ، ويصون ولا يُبدِّد .
من اعطى الحق لطرد وتكفير المسيحيين الاشوريين العراقيين وهم سكان العراق الاصليين .
ان "القومية العربية " هي وحدها القادرة على جمع شملنا السياسي الذي تشتت في نزاعات طائفية مذهبية لا طائل ولا جدوى لها سوى المزيد من القتل والكراهية والفرقة والتشرذم والانقسام .
عبدالقادر الحسيني – القائد العربي الفلسطيني المقدسي المسلم (السني ) – فهو ابن العروبة !
الدكتور جورج حبش – القائد العربي الفلسطيني القومي المقدسي المسيحي (الارثوذوكسي ) – فهو ابن العروبة !
الدكتور يعقوب زيادين – السياسي الايديولوجي العربي الاردني المسيحي (اللاتيني ) نائب القدس وابن الكرك – رافقته الاعلام الفلسطينية الى مثواه الاخير – فهو ابن العروبة !
الدكتور مروان البرغوثي – القائد العربي الفلسطيني ابن قرى بني زيد – المسلم (السني ) – فهو ابن العروبة !
ايلي فرزلي السياسي العربي اللبناني المسيحي (الارثوذوكسي ) – فهو ابن العروبة !
عماد مغنـّيه القائد العربي اللبناني المسلم (الشيعي) فهو ابن العروبة !
فالدين لله والوطن للجميع .
لـِنبني مجتمعنا المدني ونؤسس احزابا سياسية عاملة وفاعلة لا كاريكاتورية او من اجل الدعاية والنشر ، وعلى اسس فكرية وموضوعية بعيدا كل البعد عن "الدين" دون ان تخرج عن اطاره وتعاليمه .
لـِتقرع اجراس الكنائس فتزيدنا مسلمين ومسيحيين نشوة واندفاعا – وتعال ٍ وتلاق ٍ ، ولـِـيُرفع الأذان ليزيدنا مسيحيين ومسلمين قوة وايمانا – ولـِنعمل معا من اجل بناء الاردن الديمقراطي الحديث بعيدا عن الهيمنة وقوى الشد العكسي لنكون نموذجا للبناء والرخاء والعدالة المتحالف مع قيادته التاريخية ، ومُكوِّنه السياسي الاجتماعي من تعددية حزبية ، وبُعده القومي ، وسياجه الوافي بقواته المسلحة وقواه الامنية الساهره .
وخلاصة القول ان الخلافات الدينية والمذهبية هي بلاء هذه الامة منذ ان استغلـّها الاستعمار البريطاني – وما ان تهمش الدور القومي حتى اصبحت تعمل بلا منافس فجاءت بنا بالتطرف والتكفير و داعش والقاعدة .
" الحكمة خير من ادوات الحرب . اما خاطئٌ واحد فيفسد خيرا جزيلا " الاصحاح العاشر جامعه 8 و 9 .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير