jo24_banner
jo24_banner

المستبدّون في الأرض

صلاح ابو هنود
جو 24 : الاستبداد لغة : هو غرور المرء بنفسه والأنفة عن قبول النصيحة والاستقلال بالرأي ومحاولة إلغاء الآخر. (الكواكبي(
الإستبداد في هذه الأيام يسيطر على جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع القوة العسكرية التي تحمي ذلك ، وكل ذلك يتمركز في إطار فكري مُحكم ، وهذا هو غرورالطرف المستبد بأفكاره و أرائه و اعتقاده أن هذه الأفكار تحمل في أحشائها الحق المطلق الذي لا يقبل نقاشا و لا جدالا ، و ما عدا ذلك هو الخطأ الذي لا يستحق الوجود.
بمثل هذا الفكر تؤمن داعش وأخواتها من تنظيمات أخف منها وطأة في بعض الجوانب ولا داعي لذكرها فهي معروفة جدا لدى الجميع ونعاني من أثارمنهجها من الماء الى الماء في هذه الأيام ، وينطبق فكر الإستبداد كما ورد في تعريف " الكواكبي " أيضا ، على الأحزاب والتنظيمات اليسارية وحركات التحرر التي لا تلتقي معها فكريا مع داعش ولكنها تلتقي معها في السلوك .
فكرة الإستبداد بهذا المفهوم ليست طارئة على البشرية ، فقد واكبت الإنسان منذ بدء تكوين الأسرة والعشيرة والقبيلة والمجتمعات ونشوء الحضارات ، وفي الحضارة العربية الإسلامية بخاصة ، إنطلقت شرارة الفكر الإستبدادي بعد موت الرسول صلوات الله عليه بقليل وظلت تصعد وتخبو عبر تاريخ الأمة ، وفي كل مرة تتجلى بشكل مختلف منذ بشاعة قتل عمر وعثمان وعلى غيلة وما نتج عن هذا الفعل القبيح من افكار واصطفافات تفوقت في التنظيروالتزويرلتبرير وجودها وممارساتها وإحكام سيطرتها ، الى حد التناقض مع مرتكزات اساسية في العقيدة وهي وحدة أمة الإسلام التي حضّ عليها القرآن وحذر المسلمين من أن يفرقوا دينهم ويصبحوا شِيَعا.
هذه الفُرقة بدأت مبكرا الى أن تجسدت في مذاهب وفِرَق شتّى ، لها خطابها الخاص الذي لا يعترف بالآخر، وإن اعترف يكون ذلك على مضض ، حتى اذا استحكم بدفة السفينة طغى وسفك الدماء حتى لو كانت من قربى الرسول واهل المستبد ، وأفسد في الأرض ، وتنكر لجوهر العقيدة واستبدّ بغلبة السيف والمال وشراء ذمم أهل الرأي وقادة القبائل وخير مثال على ذلك هو معاوية بن ابي سفيان في صراعه مع علي بن ابي طالب الذي ما زال سائدا حتى الآن رغم مرور قرون الزمن والشواهد كثيرة.
عقيدة الغلبة في جوهرها عادة قبلية جاهلية ، تسمح للمنتصر بالسيف والرمح ، أن يستبيح كل شيء " ارضا ومالا وسبايا " وتجلت في التطبيق العملي من خلال سياسة الفتح بالقوة ، بحجة نشر الدين مع وضوح تناقضها مع صلب العقيدة التي تقضي أن تدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن القتال كُره لكنّه يصبح ضرورة إذا أراد الطرف المقابل وعقد العزم للقضاء عليك جسديا.
هذه الشعوب التي دخلت عُنوة في الإسلام ، أظهرت ايمانا يبدو عميقا في ظاهره ، الا انها بدأت تُدخل في روح الإسلام ما لم تستطع التخلص منه من معتقداتها وثقافتها السابقة ، وبذلك انتقمت لهزيمتها بطرق مختلفة وبنفس الحجة عبر التاريخ و أكبر تجلياته في التاريخ المعاصرما نسمع من تصريحات المسؤولين الفرس هذه الأيام ، فالقوة ومذهب ديني يستند إلى الإسلام هو لأجل مجد فارس ، أو تركيا التي تريد استعادة ملكها المفقود الذي نالته بالإسلام لأربعة قرون.
مع عملية تدوين الحديث وتفسير النص القرآني بدأ الخلاف يزداد بين من يقولون أنهم علماء الأمة وبدأت هذه الفئة تنمو وتتطور وتضعف حسب قوة شخصية الخليفة أو ضعفة ومدى حاجته لإيجاد تبرير ديني لاستبداده هو أو مراكز القوى في عهده، واستمر نفس المنهج الى الآن بين خوف السيف وبين النفاق وتبادل المنفعة والممالأة للحاكم المستبد ، وكل ذلك أيضا ، تمت صياغته في كتب نالت صفة القداسة عند الإتباع ، فمثلا حين يقول عالم من وكالة ناسا أن تحريم ابن تيمية للكيمياء وانجازات جابر بن حيان الأزدي العربية وإرهاب شيوخ الدين للعلماء ، هو سبب انحسار تقدم الحضارة العربية الإسلامية ، وكيف اخذ الغرب هذه المنجزات وطورها وبها ساد العالم وغزا الفضاء وتحكم برقاب البشرية ، ففي حالة العالم الأمريكي فإن أقصى ما يمكن أن يفعل أويقال فيه ( (إنه من الغرب الصليبي ) أما اذا صدر ذلك عن مثقف عربي ، فإن عش الدبابير سينفلت عليه وقد يفتي الكثيربقتله ، معتمدين ليس على النص القرآني بل على حديث ضعيف مدسوس أو تفسير أحد العلماء لايات الله ، وهو بشر مثلنا ويحق لنا أن نعترض على ما يقول فلا عصمة عن الخطأ في الدين الآ للأنبياء فقط ، وصدورمثل هذه الأحكام هي قمة الاستبداد الفكري الذي تكون له انعكاسات على كل مجالات الحياة .
إن أساس الشريعة عند الله ، هو اقامة العدل من قبل المؤمنين قبل اقامة الحدود ، وهذا شرط الهي جعله الله عهدا على نفسه حين قال في كتابه الكريم (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) في القراءة البسيطة دون فلسفة التأويل ، يتضح بكل بساطة أن الله عادل في كل خلقه وليس متغطرسا وعليه فإنه يملك الحق المطلق في الثواب والعقاب وأكثر من ذلك فإنه يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات باستثناء الشرك بوحدانيته كإله لكل شيء موجود .
وهنا أسأل اهل العلم والمعرفة ، من منكم يدلني على خليفة أو أي مسمى آخر عبر تاريخنا أقام العدل كما يحب الله ؟؟
قد يقول قائل هذا (عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وكافور الإخشيدي ) ولهؤلاء اقول : ألا تخجلون من ربكم حين تحتجون بثلاثة لم تصل مدة حكمهم الى اربع عقود من أصل اربعة عشر قرن في عمر رسالة الهدى ودين الحق .
خلاصة قولي إن المسلمين الآن في أغلبيتهم من كل الأطياف ، هم في جاهلية وداعش وغيرها ليسوا على الإطلاق كما يدعون ، انهم يخدعون الناس بإدعاء تطبيق حكم الله ، وما يخدعون الا أنفسهم .
ايها المثقفون العرب بادورا الى إعادة قراءة ما ورثتم من مجلدات كل حسب اختصاصه ومنهجه العلمي "من أجل فهم الماضي وتصحيح الحاضر لبناء المستقبل " وتنظيف ثوب الدين مما لحقه من رجس ، حتى يرث الله الأرض ويكون ميزان الحساب ، كونوا علماء الله الذين ذكرهم في آياته وانصروا كتاب الله بوعيه الصحيح ووضع الخطط والبرامج وآليات تطبيق تثبت للعالم والبشرية أنه الدين القيّم الذي يصلح لكل زمان ومكان .
يا أمة المليار واكثر أنتم تعيشون الآن في زمن الفتنة والتخبط واختلاط الأوراق و ثقافة الكذب والتضليل بوسائل لم يكن مثلها في التاريخ ، وممارسة ثقافة التطرف والاقصاء وفرز البشر على أساس مذهبي وعرقي وسفك دمائهم وانتهاك أعراضهم وأكل مالهم بالباطل ، وهنا تبرز ضرورة دور الذين آتاهم الله العلم والحكمة ليعيدوا للأمة والبشرية الرحمة والرشد وينتهي الإستبداد الى الأبد.
تابعو الأردن 24 على google news