jo24_banner
jo24_banner

اليمن، أتكون "فيتنام" العرب.. ؟!

راكان السعايدة
جو 24 : بقدر ارتكاب الطرف الحوثي خطأ استراتيجيا باحتلال العاصمة اليمنية صنعاء والتوسع لاحقا إلى محافظات أخرى، فإن السعودية قد ترتكب الخطأ الأفدح إن فكرت، من غير حسابات دقيقة، باجتياح بري يستهدف إعادة الحوثي إلى وزنه السياسي والاجتماعي الطبيعي.

والسعودية المطالبة بتوزين قرار الحرب البرية وأكلافه، مطالبة أيضا بتوزين صلابة تحالفها العشري، ومدى استعداده الجدي لخوض تلك الحرب، وهي التي يفترض انها تلقت إشارات من حيلفها الرئيسي (الباكستان) الذي بدا مترددا، وربما رافضا لدخول اليمن، بينما أقصى ما يمكن أن يقدمه هو المرابطة عند الحدود السعودية لحمايتها.

الحليف الآخر الذي تحتاج السعودية إلى توزين نواياه ونطاق مشاركته المحتملة في العمليات البرية، هي مصر التي بدأت مواقفها عندما لم يكن هناك أي أفق لتهديد دول الخليج، أكثر حماسة ووضوحا بالعبارة الشهيرة للرئيس عبد الفتاح السياسي "مسافة السكة" إلى أن "جيش مصر لمصر" إلى أن انتجت الضغوط عليه موقفا، لا يبدو نهائيا بطبيعة الحال، وهو الدفاع عن أمن الخليج، ومضيق باب المندب.

تلك إشارات في الأصل لابد وأن تحفز السعودية للتفكير بواقعية، كي لا تجد نفسها متورطة في مستنقع يميني، ربما بعض حلفائها يرغبونه، خصوصا من وزن الدول التي تراها، أي السعودية، منافسا لزعامة العالم العربي السني، وهي دول تعتقد أن استنزاف الرياض، ماديا ومعنويا، من شأنه أن يضعفها ويضعف تنافسيتها على زعامة السنة.

فمصر تحتاج مال الخليج للخروج من مأزقها الاقتصادي، وتعتبر ليبيا الساحة التي يجب أن تعطيها اهتمامها، وتتقاطع بذلك مع الإمارات، فيما باكستان تتوافر على مكون شيعي كبير يمكنه أن يزعزع الاستقرار الداخلي فضلا عن العداء التاريخي مع الهند، والأهم أنها لا تزال متورطة في افغانستان ولديها خطوط تماس ومصالح مع إيران.

تركيا ذاتها، التي تناوئ إيران في العراق وسوريا، وتنافس على زعامة العالم السني، لها حساباتها، وهي وإن تعلن دعمها للسعودية إلاّ انها ترتبط بمصالح مع إيران، وتطمح إلى رفع التبادل التجاري من 20 إلى 30 مليار معها، فضلا عن أن جزءا كبيرا من نفطها وغازها تستورده من إيران.

بالمجمل، فإن أطراف التحالف الرئيسية، تثير من القلق أكثر مما تثير من الإطمئنان، وتستدعي من السعودية والحلفاء الثانونيين تقييمات دقيقة وعميقة لمخاطر الأزمة اليمنية، ومآلاتها، وما قد تسببه من عدم استقرار واسع النطاق، خصوصا وإن إيران الحليف الأساسي للحوثيين مهما دعت إلى حلول سياسية، فهي بالنهاية لن تتخلى عن شريكها وستدعمه بكل الطرق دون أن يعني ذلك التدخل العسكري المباشر.

هل تكون اليمن "فيتنام" العرب..؟!

حتما، هي ستكون كذلك، في ظل تحالف يبدو "هشا"، ولا يتوافر على استراتيجية واحدة، وتسيطر على بعض دوله أجندات مصلحية متصادمة ومتناقضة في بعض تفاصيلها، وتحول اليمن إلى "فيتنام" بالمعنى الدقيق للكلمة يعتمد على نطاق التدخل البري وشكله.

فاسباب، أو فرص، أن تصبح اليمن "فيتنام" قائمة أساسا على تقييم الواقع اليمني، فالحوثي تحركه عقيدة دينية تؤثر في موقفه السياسي وتحفز فعاليته العسكرية، واليمن بيئة جغرافية صعبة للغاية، فضلا عن غموض يحيط طبيعة المحفزات المؤثرة في القبائل ومواقفها وأدوراها، كذلك ينتشر في اليمن السلاح بلا ضوابط، والتقديرات أن نحو من 60 قطعة سلاح لكل 100 يمني.

وإذا ما أخذنا الكراهية المتجذرة عند اليمنيين للسعودية، منذ الثلاثينيات، فان الأمور تصبح أكثر تعقيدا وخطورة، خصوصا وأن بعثا يجري في اليمن الآن، وإن كان على نطاق ضيق، لجهة الدعوة لاستعادة ثلاث مناطق سعودية (نجران وعسير وجازان) بوصفها أرضا يمنية انتزعتها السعودية بداية الثلاثينيات.

تلك عوامل تشكل رادعا لفكرة العمليات البرية غير المحسوبة والمقيمة تقييما دقيقا، ويمكن القياس على تورط الجيش المصري زمن الرئيس السابق جمال عبد الناصر في اليمن، ومقتل نحو من 10 ألاف مصري في الحرب بين الملكيين والجمهوريين، وكذلك الاحتكاك بين السعودية والحوثيين في العام 2009، دون أن ننسى ستة حروب بين الدولة اليمنية والحوثيين منذ العام 2004 إلى العام 2010.

أمام هذا الواقع، فخيارات الحرب البرية التي تدرس تتراوح بين اجتياح بري واسع، أو عمليات إنزال جوي وبحري على مناطق منتقاة لتنفيذ عمليات محددة، مع تأمين العاصمة المؤقتة "عدن" والاعتماد على قوى محلية منظمة ومنسق بينها لمواجهة الحوثيين.

وربما تكون العمليات الخاصة، أقل ضررا وكلفة، ومخرجا للمأزق المحقق حال اتخذ قرار عمليات برية واسعة، قد تعرف السعودية بدايتها، لكنها بشكل حتمي لا تعرف متى تنتهي، وطالما أن هدف العمليات في اليمن إضعاف إخضاع الحوثي وتاليا جلبه إلى طاولة التفاوض والتسويات مع الأطراف الأخرى وحسب أوزانها الحقيقة لا المفتعلة، فان ذلك قد يشكل مانعا لتورط واسع النطاق.

ما يجب الإقرار به وعدم إنكاره، أن الحوثي من المكونات الاجتماعية اليمنية، وفكرة استئصاله عبثية، وهو مكون وجد نفسه تاريخيا مهمشا ومستهدفا، وحتى عندما أزاحت المبادرة الخليجية الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الحكم لم تأخذ هذا المكون بالاعتبار، فجاءت الحكومة الانتقالية، وفقا للمبادرة، مقسمة مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق) وأحزاب اللقاء المشترك (الإخوانية، والناصرية، والاشتراكية) في إهمال لافت لطرفين أساسيين (الحوثي، والحراك الجنوبي).

ذلك لم يكن الخطأ الوحيد لدول الخليج، وتحديدا السعودية، إذ عندما بدأ الحوثي يزحف من معقله في محافظة "صعدة" وبلغ محافظة عمران وتصادم مع السلفيين والإخوان وطردهم منها واستولى عليها، لم تستشعر السعودية الخطر، وربما كانت حينها قادرة على التحرك ولجم الحوثي ومنع تمدده.

غير أن ذلك لم يحدث، بل أن الحوثي استولى على صنعاء وفي ذهن الخليج انها الفرصة التاريخية للقضاء على حزب الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح) لكن الإخوان التقطوا مبكرا مغزى الصمت الخليجي، وتجنبوا التصادم مع الحوثي، والاخير بدا أيضا انه لعب على كل المتناقضات اليمنية وعلى الحسابات الخليجية ليحكم سيطرته على شمال اليمن قبل أن يتمدد إلى جنوبها.

إجمالا، الدول العربية تتحمل جزءا أساسيا من أزمتها الرهنة عندما همشت وأقصت المكون الشيعي ولم تحتويه كمكون وطني، فوجد نفسيه يعاني مظلمة تاريخية، التقطتها إيران وبنت عليها منذ سنوات، فصنعت "غولا" تتحكم به وتوجهه، ووفرت له المظلة التي يحتاجها، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا وثقافيا وعسكريا..

وبعد توقيعها، أي إيران، الاتفاق النووي باتت قوة إقليمية صاعدة ومعترف بها، أميركيا وأوروبيا، والتصدي لها يحتاج إلى مقاربة مختلفة أكثر تنسيقا وإحكاما وبلا أي ثغرات وهشاشة وتناقض في الأجندات.

لكن قبل ذلك لا بد من تجنب خطأ الحسابات في اليمن.. وفهم المقاربة الأميركية في المنطقة فهما صحيحا..
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير