السعودية في مأزق..!!
راكان السعايدة
جو 24 : تدرك السعودية، أو هي في طور الإدراك، أنها تقف في مواجهة مأزق يمني مركب ومعقد، قد يتطور إلى مسألة وجودية، حال لم تكن لديها استراتيجية تجنبها الانزلاق إلى حرب استنزاف تضعف قواها بما يمهد للتلاعب بجغرافيتها.
فإذا كانت سوريا والعراق واليمن الأكثر تداولا واستهدافا بالتقسيم الإثني والمذهبي والعرقي، فإن دولا أخرى على القائمة، وإن لم تُصعّد إعلاميا كدول مستهدفة بالتقسيم، والسعودية واحدة منها بما تتوافر عليه من أسباب ذاتية وموضوعية تتيح ذلك.
المخاطر على السعودية، وربما الخليج كله، تبدت في أن "عاصفة الحزم" التي انتقلت، نظريا لا واقعيا، إلى "إعادة الأمل"، من غير ملامح واضحة للفروقات بين المرحلتين، ما يرفع من منطقية أن السعودية لا تملك استراتيجية متكاملة للملف اليمني.
يدعم ذلك أن العمليات الجوية لم تحدث فرقا حقيقيا على الأرض، فالشرعية المتمثلة بالرئيس الانتقالي "عبد ربه منصور هادي" لم تعد إلى صنعاء، والحوثي لم ينسحب من المدن ولم يسلم سلاحه، بل يواصل القتال في "عدن" و"تعز" و"مأرب" ويسعى إلى حرب استنزاف طويلة مع السعودية.
هذا يعني، ان عدم قدرة التدخل الجوي على الحسم وجلب الحوثي صاغرا إلى طاولة التفاوض، يستلزم التدخل البري، وهذه أم المآزق وأخطرها.
وخيارات السعودية، إما التورط في حرب برية لوحدها أو مع حلفاء بعضهم متردد، وإما البحث عن مخرج ينهي العمليات العسكرية ويلج إلى تسوية سياسية، محصلتها في صالح الحوثيين وإيران.
ومن الناحية الواقعية، الارتباك السعودي، استدعته عوامل كلها تلعب ضد الرياض التي تقف أمام لحظة تاريخية، إما تصعد بها وإما تغرقها، ومن أبرز هذه العوامل:
أولا: السعودية قلقة من التورط البري، لكنه بات استحقاقا، وهي قلقة من الاستنزاف المالي والعسكري، وأن ينتج الصراع وكلَفُه "بلبلة" داخلية، ويستجلب تهديدات وجودية.
ثانيا: حددت السعودية "المبادرة الخليجية" التي أنهت حكم "علي عبد الله صالح" مرجعا للتسوية، وهذا مأزق بذاته لأنها (أي المبادرة) ثبتت أمرين أساسيين: حصانة الرئيس السابق "صالح"، وتشكيل حكومة نصفها من حزب المؤتمر الشعبي العام (يتزعمه صالح) والنصف الآخر لأحزاب اللقاء المشترك (إخوان وناصريين ويساريين).. وعمليا فان "المبادرة" اصبحت غير واقعية لأنها لا تعالج مطالب الحوثيين وتعطي الأفضلية لـ"صالح"، ولا تراعي الواقع الجديد.
ثالثا: قرارات مجلس الأمن أشارت إلى اتفاقية "السلم والشراكة الوطنية" الموقعة بين الرئيس "هادي" والحوثيين بعد سقوط صنعاء، وهذه الاتفاقية منحت الحوثيين شرعية ما أحدثوه من تغيير، ولا تتماهى مع "المبادرة الخليجية"، ما يعني أن تصورا مختلفا، ولو نسبيا، بين التصور السعودي والتصور الأممي.
رابعا: يواجه التحالف الذي شكلته السعودية معضلة بنيوية، فلا تركيا ولا باكستان تنويان التورط في الداخل اليمني، ومصر تراوغ، والسعودية لا يمكنها ان تراهن على السودان والسنغال، والأردن قد يشارك برغم اختلاف الأولويات مع السعودية.
خامسا: وهو الأهم، أن الإدارة الأميركية قد تفرض تصورا محددا على السعودية تجاه الأزمة، تمثل ذلك في ما تسرب من معلومات عن استدعاء واشنطن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" ووضعت بين يديه عدة نقاط (أشبه بأمر عمليات)، أبرزها التالي:
1. واشنطن تريد استمرار الرعاية الدولية للمفاوضات السياسية، بمشاركة دول إقليمية.
وهذه تتعارض مع إصرار الرياض على أن يكون مجلس التعاون الخليجي هو الإطار المنسق والراعي للمفاوضات، كما أن التصور الأميركي يأخذ إيران، دون أن يسميها، بالاعتبار عندما يتحدث عن مشاركة إقليمية.
2. الطلب من "ولد الشيخ أحمد" قيادة تحويل المسار الراهن بسرعة من الحلول العسكرية إلى المفاوضات السياسية.
وهذه تعني أن أميركا تريد توقفا للعمليات العسكرية بما يتيح الطريق لتسوية سياسية، وهذه إشكالية كبيرة بالنسبة للسعودية التي تريد مفاوضة الحوثيين وهم تحت النار لخفض سقف مطالبهم.
3. واشنطن لا ترى جدوى من الحوارات السياسية بين الأطراف المتفقة في وجهات النظر والمصالح السياسية، وأن التفاوض يجب أن يتم بين الأطراف المختلفة أو المتصارعة.
أي أن واشنطن لا تريد أن تحاور القوى اليمنية المتفاهمة والمتقاربة نفسها، وبلغة أدق تريد الحوثي و"صالح" على طاولة الحوار، وهذان الطرفان يرفضان ذلك إلى الآن، والسعودية لن تقبل بمشاركة الحوثي من موقع قوة.
4. تؤكد واشنطن على مكافحة تنظيم "القاعدة" في اليمن، ولذلك تريد إشراك كل المكونات اليمنية في حوار يفضي إلى إشراك الجميع في مواجهة تهديد "القاعدة".
هذا يعني أن نطاق مصالح أميركا في اليمن مختلف، ولو نسبيا، عن نطاق مصالح السعودية، فواشنطن لن تسمح بحالة يمنية تستفيد منها "القاعدة"، وربما تتدخل لتفرض على الرياض وقفا للمسار الحالي.
5. حذّرت أميركا من كارثة إنسانية محتملة قد تنجم عن استمرار توقف إمدادات الدواء والغذاء.
وربما هذا الجانب الذي عكسته أميركا والمنظمات الدولية، هو ما دفع السعودية للإعلان عن فترات "هدنة" لغايات انسانية، ما بدا استجابة لمطلب اميركا وتجنب لتغيير توجهات اليمنيين الداعمين للسعودية.
إجمالا، الواقع الراهن للأزمة، وما بدأت أميركا تلح عليه، ستكون نتائجه كارثية على السعودية، إن لم تطور مقاربة عسكرية وسياسية، تخرجها قوية، وعلى الأقل تحفظ وجودها، قبل أن تكون قوة مجابهة لإيران.
السعودية أمام لحظة مفصلية فارقة.. إما تكون أو لا تكون..
فإذا كانت سوريا والعراق واليمن الأكثر تداولا واستهدافا بالتقسيم الإثني والمذهبي والعرقي، فإن دولا أخرى على القائمة، وإن لم تُصعّد إعلاميا كدول مستهدفة بالتقسيم، والسعودية واحدة منها بما تتوافر عليه من أسباب ذاتية وموضوعية تتيح ذلك.
المخاطر على السعودية، وربما الخليج كله، تبدت في أن "عاصفة الحزم" التي انتقلت، نظريا لا واقعيا، إلى "إعادة الأمل"، من غير ملامح واضحة للفروقات بين المرحلتين، ما يرفع من منطقية أن السعودية لا تملك استراتيجية متكاملة للملف اليمني.
يدعم ذلك أن العمليات الجوية لم تحدث فرقا حقيقيا على الأرض، فالشرعية المتمثلة بالرئيس الانتقالي "عبد ربه منصور هادي" لم تعد إلى صنعاء، والحوثي لم ينسحب من المدن ولم يسلم سلاحه، بل يواصل القتال في "عدن" و"تعز" و"مأرب" ويسعى إلى حرب استنزاف طويلة مع السعودية.
هذا يعني، ان عدم قدرة التدخل الجوي على الحسم وجلب الحوثي صاغرا إلى طاولة التفاوض، يستلزم التدخل البري، وهذه أم المآزق وأخطرها.
وخيارات السعودية، إما التورط في حرب برية لوحدها أو مع حلفاء بعضهم متردد، وإما البحث عن مخرج ينهي العمليات العسكرية ويلج إلى تسوية سياسية، محصلتها في صالح الحوثيين وإيران.
ومن الناحية الواقعية، الارتباك السعودي، استدعته عوامل كلها تلعب ضد الرياض التي تقف أمام لحظة تاريخية، إما تصعد بها وإما تغرقها، ومن أبرز هذه العوامل:
أولا: السعودية قلقة من التورط البري، لكنه بات استحقاقا، وهي قلقة من الاستنزاف المالي والعسكري، وأن ينتج الصراع وكلَفُه "بلبلة" داخلية، ويستجلب تهديدات وجودية.
ثانيا: حددت السعودية "المبادرة الخليجية" التي أنهت حكم "علي عبد الله صالح" مرجعا للتسوية، وهذا مأزق بذاته لأنها (أي المبادرة) ثبتت أمرين أساسيين: حصانة الرئيس السابق "صالح"، وتشكيل حكومة نصفها من حزب المؤتمر الشعبي العام (يتزعمه صالح) والنصف الآخر لأحزاب اللقاء المشترك (إخوان وناصريين ويساريين).. وعمليا فان "المبادرة" اصبحت غير واقعية لأنها لا تعالج مطالب الحوثيين وتعطي الأفضلية لـ"صالح"، ولا تراعي الواقع الجديد.
ثالثا: قرارات مجلس الأمن أشارت إلى اتفاقية "السلم والشراكة الوطنية" الموقعة بين الرئيس "هادي" والحوثيين بعد سقوط صنعاء، وهذه الاتفاقية منحت الحوثيين شرعية ما أحدثوه من تغيير، ولا تتماهى مع "المبادرة الخليجية"، ما يعني أن تصورا مختلفا، ولو نسبيا، بين التصور السعودي والتصور الأممي.
رابعا: يواجه التحالف الذي شكلته السعودية معضلة بنيوية، فلا تركيا ولا باكستان تنويان التورط في الداخل اليمني، ومصر تراوغ، والسعودية لا يمكنها ان تراهن على السودان والسنغال، والأردن قد يشارك برغم اختلاف الأولويات مع السعودية.
خامسا: وهو الأهم، أن الإدارة الأميركية قد تفرض تصورا محددا على السعودية تجاه الأزمة، تمثل ذلك في ما تسرب من معلومات عن استدعاء واشنطن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" ووضعت بين يديه عدة نقاط (أشبه بأمر عمليات)، أبرزها التالي:
1. واشنطن تريد استمرار الرعاية الدولية للمفاوضات السياسية، بمشاركة دول إقليمية.
وهذه تتعارض مع إصرار الرياض على أن يكون مجلس التعاون الخليجي هو الإطار المنسق والراعي للمفاوضات، كما أن التصور الأميركي يأخذ إيران، دون أن يسميها، بالاعتبار عندما يتحدث عن مشاركة إقليمية.
2. الطلب من "ولد الشيخ أحمد" قيادة تحويل المسار الراهن بسرعة من الحلول العسكرية إلى المفاوضات السياسية.
وهذه تعني أن أميركا تريد توقفا للعمليات العسكرية بما يتيح الطريق لتسوية سياسية، وهذه إشكالية كبيرة بالنسبة للسعودية التي تريد مفاوضة الحوثيين وهم تحت النار لخفض سقف مطالبهم.
3. واشنطن لا ترى جدوى من الحوارات السياسية بين الأطراف المتفقة في وجهات النظر والمصالح السياسية، وأن التفاوض يجب أن يتم بين الأطراف المختلفة أو المتصارعة.
أي أن واشنطن لا تريد أن تحاور القوى اليمنية المتفاهمة والمتقاربة نفسها، وبلغة أدق تريد الحوثي و"صالح" على طاولة الحوار، وهذان الطرفان يرفضان ذلك إلى الآن، والسعودية لن تقبل بمشاركة الحوثي من موقع قوة.
4. تؤكد واشنطن على مكافحة تنظيم "القاعدة" في اليمن، ولذلك تريد إشراك كل المكونات اليمنية في حوار يفضي إلى إشراك الجميع في مواجهة تهديد "القاعدة".
هذا يعني أن نطاق مصالح أميركا في اليمن مختلف، ولو نسبيا، عن نطاق مصالح السعودية، فواشنطن لن تسمح بحالة يمنية تستفيد منها "القاعدة"، وربما تتدخل لتفرض على الرياض وقفا للمسار الحالي.
5. حذّرت أميركا من كارثة إنسانية محتملة قد تنجم عن استمرار توقف إمدادات الدواء والغذاء.
وربما هذا الجانب الذي عكسته أميركا والمنظمات الدولية، هو ما دفع السعودية للإعلان عن فترات "هدنة" لغايات انسانية، ما بدا استجابة لمطلب اميركا وتجنب لتغيير توجهات اليمنيين الداعمين للسعودية.
إجمالا، الواقع الراهن للأزمة، وما بدأت أميركا تلح عليه، ستكون نتائجه كارثية على السعودية، إن لم تطور مقاربة عسكرية وسياسية، تخرجها قوية، وعلى الأقل تحفظ وجودها، قبل أن تكون قوة مجابهة لإيران.
السعودية أمام لحظة مفصلية فارقة.. إما تكون أو لا تكون..