الدَّور الإيراني

• قبل أن تقرأ:

أكتب لا للتجييش، معاذ الله، ولا للتحريض والتهييج، ولكن للتوعية والتنبيه. ولست من، ولا مع، عرب المؤامرة، الذين يريدون أن يمزقوا العالم الإسلامي ويثيروا فيه عوامل الفرقة والمذهبيات والطائفيات والعصبيات. لكن كلمة حق يجب أن تقال ويعلم ما يجري، ولا تغطى الأمور بدعاوى نصرة فلسطين ودعاوى المقاومة والممانعة، وتحت هذه الأقنعة والشعارات المزيفة جرى ويجري تدمير العالم العربي ويجري التنسيق مع أمريكا ومع "إسرائيل"!

• دور تاريخي

كان مشرق العالم العربي ومشرق جزيرة العرب تابعاً للفرس، وكان جنوب الجزيرة والحبشة تابعاً للفرس، وكانت "الحيرة" العراق لاحقاً تابعاً لهذه الدولة الساسانية، وكانت هي تعين حكام العراق وتجدد لهم الولاية ما خدموا مصالحها، والتاريخ اليوم يعيد نفسه. ثم جاء الإسلام فأنهى إمبراطورية الشر وعبادة النار وتأجيج الشهوات وزواج المحارم واستعمار الدول أو الدويلات العربية الضعيفة الهزيلة العميلة، وشرقت (بالقاف) فارس بالإسلام وبالفتح الإسلامي لبلادهم ولو صدقوا الله لعدوا ذلك تحريراً لهم من الشرك والنار والكفر والمحرمات والمظالم والكسروية الفاجرة الظالمة، لكن العامل القومي يتغلب لديهم ألف مرة على البعد الديني.

وإذا خطونا خطوات واسعة مع التاريخ، فقد كان شاه إيران أحد أكبر عملاء أمريكا و"إسرائيل" في المنطقة، ولعب دوراً قذراً في إضعاف العراق من خلال دعم مطلق كانت تقدمه إيران و"إسرائيل"؛ لتفكيك العراق وتفتيت العراق وتعاون معهم في ذلك مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني، وقد كان يدعي أنه شيوعي ويتلقى الدعم من روسيا وأمريكا في لعبة قذرة معقدة. ثم جاء نظام الملالي والعمائم واستبشر الناس بزوال عميل أمريكا و"إسرائيل"، ويا فرحة ما تمت. وإذ بالدور الإيراني يستأنف على النهج ذاته، وإذ بالخط الاستراتيجي لا يتغير، وإذ بالنَّفس القومي يستعر، ولا دين ولا إسلام ثم، وتشيّع مصطنع لآل البيت، وهل العرب أعداء أهل البيت والفرس أولى بالبيت وآل البيت من العرب؟! عجب!
وتحت ستار هذا التشيع المصطنع كان يروج لكراهية العرب والحقد على العرب والتعبئة ضد العرب، وتستغل مواسم وذكريات لتأجيج مثل هذه المشاعر. وما اللطم المفتعل إلا من أجل التجييش وتأجيج المشاعر ضد العرب، ولعن أمة الإسلام بدعوى لعن قتلة الحسين.

ونتجاوز هذا وإذ بإيران التي كانت تغذي ثورة الأكراد زمن الشاه تحشد لحرب العراق، ثم تتعاون مع أمريكا تعاوناً سافراً لا مستتراً لاقتسام العراق، الأرض لإيران، والنفط للأمريكان في قسمة جائرة فاجرة.

وتعاونت إيران مع أمريكا في إسقاط أفغانستان في قبضة الأمريكان، وقبضوا الثمن تمدداً شيعياً في البلدين المحتلين، وتفاخروا مراراً على الملأ بأنهم وراء احتلال أمريكا للبلدين، وبعضهم صرح قبل أيام عن دور إيران في "استقرار" كل من أفغانستان والعراق، يقصد سكون الموت الذي خيم على البلدين بالاحتلال والمذابح المفتوحة في البلدين. هذا هو الاستقرار في المفهوم الإيراني وحكم الملالي. وإذا كانت إيران ضد أمريكا فلماذا تقف إيران وراء رجل أمريكا في العراق "النوري" ما غيره!؟ وهو أقذر من على سطح الأرض من البشر أو هو الصورة البشرية لإبليس!

• إيران وثورات "الربيع العربي"

رحبت إيران بثورات "الربيع العربي" ولم تستثن أحداً، فتونس ثورة شعب ومصر ثورة شعب، وليبيا ثورة شعب (مع أنها سكتت عنها إلى حد ما؛ لأن القذافي الفاطمي الباطني كان مع إيران ضد عراق صدام، وكان يمد إيران بالأسلحة والمال، واغتياله موسى الصدر ربما -بل غالباً ما- تم بنوع من التواطؤ مع إيران، وإن أغضب حزب الله، فالسياسة أعقد مما تتخيل!) وبالطبع فإن البحرين عندهم ثورة شعب، واليمن ثورة شعب، حتى جاءت ثورة الشعب في سوريا وهي أنقى وأصدق وأشرف ثورة شعب في كل ثورات الشعوب العربية، وقدمت من الضحايا ما لم يقدمه شعب عربي في بلد عربي ضد نظام تسلط عربي. فلما كانت هذه الثورة وإذ بإيران ترفع البرقع عن وجهها الطائفي القبيح، وإذ بها تتهم ثورة الشعب بأنها مؤامرة وأن قوى خارجية تدعم الثورة. وفي الحقيقة ما من قوى خارجية تلعب بسوريا إلا إيران وحزب الله وروسيا والصين. أما "زعبرة" العرب وحتى "زعبرة" تركيا فكلام وفرقعات إعلامية، لكن على أرض الواقع لا شيء.

لقد ارتكب في سوريا من المجازر ما لم يعرفه التاريخ، ولا في زمن هولاكو وجنكيز ولا زمن الحروب الصليبية من الأوروبيين البرابرة الهمج.

لقد فاق عميل إيران على كل ما كان من إجرام حفلت به صفحات التاريخ. ولكن الغطاء الطائفي كان يغطي كل جرائمه بذكاء ودهاء وخبث إنه يقاوم من العالم الخارجي لأنه.. السيمفونية السمجة.. من الممانعة والمقاومة.. إلخ

ولا أدري أين هي الممانعة التي لم يطلق نظامها طلقة، ولا شجع المقاومة في الجولان، بل قمعها بالمطلق، وكان يلعب دور المقاومة في لبنان ليدمر لبنان، وهو يتفرج ويشجع المباراة من مقاعد المتفرجين!

• إيران والتصعيد في سوريا

يرى كثير من المحللين أن إيران كانت هي وراء تصعيد إجراءات النظام ضد الشعب السوري، مع أن الشعب لم يكن بوارد رفع شعار إسقاط النظام أول الأمر.
كانت كل مطالب أهل درعا منحصرة في محاسبة محافظ درعا، وهو من أقرباء الرئيس، وهو الذي تطاول على شيوخ عشائرها واستفزهم بالتطاول على أعراضهم ونسائهم، وهو ما لم تفعله فرنسا؛ مما استفز شيوخ العشائر فقاموا ببعض المظاهرات، وسقف مطالبهم كان في البداية الإفراج عن الأطفال المعتقلين، ثم ارتفع السقف، بعد قلة أدب المحافظ إلى تغيير المحافظ. حتى الآن والأمور كانت تحت الأضواء والسيطرة، لولا أن نظام الملالي في إيران أراد أن يشعل المنطقة ليشغل الناس والعالم ودول الدنيا عن برنامجه النووي، بإشعار العالم أن المنطقة مقبلة على قلاقل، وأن الإسلام السني المتطرف (كما قال لافروف) يوشك أن يستلم المنطقة، وأن روسيا لن تسمح بهذا. وما دخل روسيا في شؤوننا الداخلية؟ وما دخل إيران الفارسية في شؤوننا الداخلية؟ نقول هذا لبعض عروبيينا ممن ينصرون "المنشار" ظالماً أو ظالماً جداً! أين عروبتكم والمعركة أرادتها إيران حرباً إيرانية على أرض عربية.

وأرادتها إيران استنزافاً لطاقات العرب. ومثلما فجرت إيران أمن العراق ونسيجها الاجتماعي، فعلت الفعل ذاته في سوريا وجرتها بقوة إلى حرب أهلية يعمل فيها الطائفيون. وبالمناسبة فإن تمثيلية فاروق الشرع مصطنعة، فهو علوي "درعي"، وليس سنياً من درعا كما تزعم الإشاعات. وهو من مقربي النظام، وهو آخر من يقفز من سفينة النظام كما قال قائل، فلا تنخدعوا، للنظام ألاعيب شيطانية معقدة، فانتبهوا!

• إيران وضرب "إسرائيل" منشآتها النووية

كل بضعة شهور في مهل لا تنتهي كمهل الأمم المتحدة للوحش (هو اسم عائلته قبل أن يصطنع اسماً فنياً حركياً: الأسد!)

أقول تتفلت "إسرائيل" وتحاول أن تجر العالم إلى حافة الهاوية، فيبدأ العالم يسترضيها ويخطب ودها، ويشتري صمتها برشوة تبلغ مئات طائرات الـ إف20 والكاش بالمليارات والدبابات بالمئات. فتهدأ ثائرتها، ثم تنتفض مرة ثانية وثالثة في لعبة باتت معروفة مكشوفة مفضوحة. ولماذا في حالة العراق مرت الطائرات في صمت فوق "الأواكس" العربية، وقصفت مفاعلات العراق دون تهديد ولا وعيد ولا تفلت ولا حركات بهلوانية ونرفزات بلطجية!

وإذا كانت المعركة مع "إسرائيل" جدية فلماذا تركل إيران العالم العربي برمته وتضحي بتضامنه معها، وهو تضامن طبيعي، ولو اعتدي عليها من قبل "إسرائيل"، ولم تكن أسلفت ما أسلفت من سفالة في حرب شعب سوريا! لماذا وهي مقبلة على حرب لا تحرص على خطب ود العالم العربي؟ بل تحرص كلما علت دقات طبول الحرب تحرص على مزيد من توتير الأجواء وتصعيد الخلاف؛ مما يكشف أن الحرب كلها لعبة شد حبل، وإيصال العالم إلى حافة الهاوية ثم العود من جديد إلى وسط الملعب.

• إلى الدول العربية

وأخيراً يا دول المنطقة الثنتين وعشرين: لماذا تلعب بكم إيران في استخفاف وتراكم أمامها لا شيء؟ وحتى أنت يا تركيا لماذا تستخف إيران بك وبقيادتك وبشعبك فتقفين عاجزة عن نصرة سوريا؟ مع أن إيران من الداخل في منتهى الهشاشة والقابلية للتفكك! لماذا تكتفي دولنا العربية بإرسال المرسلين من الموفدين الأمميين ودولنا.. من كوفي.. إلى غاي.. إلى الأخضر.. ومن قبلهم.. ومن بعدهم في مهل لا نهائية!؟

ما سر هذه العربدة الإيرانية والاستهتار بكل دولنا عربية وغير عربية؟
ولماذا بلد في حجم مصر لا حضور له أمام إيران بعد أن دمر مقومات مصر حاكم فاسد مهترئ؟

المطلوب تشكيل إرادة، لا أقول من أجل محاربة إيران، لكن لا بد لهذا الوحش الهائج الطائفي العنصري البغيض المبغض للعرب لا بد من أن يلجم ويردع لا بالحرب، ولكن بالقوة الكافية والوحدة والتصميم؛ مما يجعله ينكمش في جحره في بلده ولا يفكر في التمدد في العراق وسوريا ولبنان واليمن!

يا دولنا النائمة في العسل.. صح النوم. إن فلتت منكم سوريا فتحسسوا رؤوسكم ومواضع أقدامكم!


(السبيل)