jo24_banner
jo24_banner

عسكرة السياسة وتسييس العسكر / 1

د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل.

تزرع الأشجار الكبار والنباتات القوية حول البساتين كمصدات رياح لحماية النباتات الضعيفة والزروع وضغث النبات، كما في الآية الكريمة: «جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً» ترتيب الأنساق الزراعية في الآية: النخيل في الخارج ثم الأعناب بعده ثم الزرع، فقد جعل للزرع حمايتين من الأشجار.

وتتخذ الأسوار العالية لحماية الدار من اللصوص والأخطار والأنظار وتزرع الأشجار داخل الأسوار، لكن بعض الأشجار قد تضرب أسس الدار فتقتلع.. أعني الأشجار لا الدار بالطبع.

وحتى السورة القرآنية فإنها أحكمت حياطة الآيات التي تضمها فقال الله: «سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات..» «كتاب أحكمت آياته ثم فصلت».
والأب في الدار مهمته توفير الأمن الغذائي والمعيشي ودرء أي اعتداء على النساء والصغار. وليس من مهمته التدخل في لف الورق والكبة وأقراص السبانخ والمكدوس..

2- الجيوش.. العربية.

والجيوش العربية أنشئت نظرياً لحماية الوطن ولتكون السياج والدرع لدرء أي عدوان على الشعب والوطن والأمة..

لكنها مع الوقت، أو معه والتخطيط والتبييت، بدأت تنعطف إلى مهمات أخرى، فبدل أن تكون في حماية الوطن من العدو الخارجي، دخلنا مع العدو الخارجي في سلام ووئام وتداخل اقتصادي وتنسيق أمني وسياسي، وبدأ تدريجياً التفرغ للخطر الداخلي الموهوم المزعوم. ولم تخض الجيوش العربية معركة منذ أربعة عقود، لكن الجيش العراقي تفرغ لقتال أهل الأنبار والرمادي بدعوى القاعدة وداعش، والجيش السوري، بطيرانه، ودباباته ومدفعيته، وراجمات صواريخه، وحتى سلاحه الاستراتيجي الكيماوي، وعديد جنوده، وموازناته، فرّغ كل ذلك في محاربة شعبه لحماية فرد أو عائلة أو طائفة.. لقد احترق البيت بمصباحه، كما قال طاغور شاعر الهند. ووزير الدفاع السوري اللواء مصطفى طلاس بدل الكتابة في العسكرية والتكتيك والاستراتيجية، له كتب في التدبير المنزلي، والغزل عند العرب، وتنسيق الزهور وله في امرأته وملابسها وألوانها.. كتابات مستفيضة..

3- الجيش المصري.

وأخيراً دخل على الخط الجيش المصري الذي كان حتى عهد السادات جيشاً محترفاً حماية الوطن وقتال العدو مهمته. صحيح أنه صنع انقلاباً أتى بقادة عسكريين: محمد نجيب ومن معه. ثم انقلب العسكر على العسكر فأتى عبد الناصر بعد نجيب، وكان صلاح نصر مدير المخابرات، يتآمر مع عبد الحكيم ضد ناصر بعد 67، فأطيح بنصر وبالمشير عامر وقتل وادعي أنه انتحر.. وحتى هذا الوقت ظل الجيش إلى حد بعيد محترفاً منشغلاً بمهمته، حتى خاض حرب أكتوبر التي أبدع فيها وخذلته قيادته السياسية العسكرية (السادات) وحول النصر إلى هزيمة، ثم كان أن قتل عسكري من الجيش رئيس الدولة، فجاء جنرال مكان جنرال، هو حسني مبارك بدل السادات. وهل له أي مبارك ضلع في المؤامرة على السادات أو ليس له، هذا متروك للتاريخ.
وهل للسادات يد وضلع في تسميم عبد الناصر بالاشتراك مع الداهية حسن التهامي، هذا أيضاً متروك للتاريخ.

وبدأ الجيش في عهد مبارك يتوسع في العمليات الاقتصادية حتى تحول مع الوقت وبعد السلام والتطبيع إلى جيش مهمته حماية إسرائيل وتوسيع استثماراته وتأمين مكتسباته، ولقد تكلم هيكل صانع انقلاب السيسي ومخطط برنامجه السياسي، مثلما كان ملهم عبد الناصر ولسانه وعقله، أقول كتب عن مبارك والصفقات التي عقدت في زمانه وما استفاده منها.. وراجع كتابه ذا الأجزاء الثلاثة إن شئت: «مبارك وزمانه»

4- الجيش المصري والحكم العسكري.

مثّل الجيش المصري على الشعب أنه حريص عليه ويحميه ويرعاه، وذلك في ثورة يناير فلم يبطش بالناس في الميادين، وكانت لعبة ومؤامرة لا مشاعر حب صادقة. فكانت الخطة انحناء للعاصفة، والتضحية بشخص مؤقتاً، ثم الانقضاض لاحقاً، وهذا فوق مستوى خبرة الناس، ولذلك رفع المتظاهرون شعار: «الشعب والجيش ايد واحدة..» وهم لا يعلمون ما وراء الأكمة.. وجرى تعطيل الانتخابات والتسويف حتى بدأ الشعب يرفع شعار: «يسقط يسقط حكم العسكر»، ثم كانت مجزرة محمد محمود وقصر الإتحادية، التي يحاكم عليها مرسي ولا دخل له فيها. وجرت الانتخابات على كل حال، فقد كان هواهم أن ينجح شفيق الذي ضخّت له الدول إياها مليارات الدولارات لينجح ويبعد المسلمون. وشاء الله أن يأتي للحكم من كان العالم يحاربهم بأكمله، وجرى الإفشال المتعمد للتجربة والعرقلة والإعاقة والتأخير، والتآمر، وما قول السيسي (في آخر تسريب): «إن دخول الجيش في المعترك السياسي يعني أن تتحول مصر إلى سوريا أو العراق»، ما قوله إلا طعم ليخدع به مرسي وجماعته ونجح.. وبعد أن احتقن الشارع وشكلت جبهات وأحزاب كرتونية صورية كجبهة الإنقاذ وحركة تمرد وحزب الدستور..الخ . وجرى تسميم الأجواء وتطاول الرعاع على الرئيس وتم تحقيره والاستهزاء به حتى جرى الانقلاب.

5- جيش السيسي.

لقد عض السيسي اليد التي أحسنت إليه وغدر بمرسي الذي رقاه وعينه وزيراً للدفاع، وما نريد أن نحاكم مرسي الآن، فيكفيه ما هو فيه، وبدأت صناعة الزعيم الأوحد والقائد الفذ وعدنا إلى عبادة الأصنام كما قال القدوسي إنه وضعت تماثيل للسيسي في ميدان التحرير وطاف بها بعض أهل التغرير. لقد عدنا إلى العهد الحجري بمعنى الكلمة وحرفيتها. والجيش مع القوي، يخشى كل فرد أن يبطش به هذا القوي، وهنا الخطورة خلط السياسة بالرعب واستخدام الجيش أداة لذلك، ولتكتمل الخطة الجهنمية يجري اختراع مذابح وتفجيرات واغتيالات لترهيب الناس وفرض الأحكام العرفية وإشاعة مناخ الخوف والهلع والفزع..

الجيش الآن فوض السيسي. وهل يملك من بالقيادة إلا هذا؟ كل من قال لا سيطاح به كما قلنا. والآن هل يترشح أحد أمام السيسي؟ الاحتمالان واردان. فإن ترشح أحد كحمدين فتمثيل لتتم اللعبة وأنها ديموقراطية تنافسية حقيقية وسينجح السيسي بمعدل علامات أعلى من الدستور. وجرت ترقيته إلى أعلى رتبة في العالم، وهي الرتبة التي ما حصلها إلا مونتغمري وقليل، وحصلها العشرات في العالم العربي بلا حروب ولا انتصارات!

والخطير الآن أن مناخ الرعب والمجازر سيتسع والقضاء سيصبح أشرس، والإعلام أقذر، ومناخ الكراهية أشد، وانقسام الناس أكثر حدة، والتعصب للصنم على الأشد.. وإمكانات الجيش وهي فوق ما يتخيل ستسخر كلها لخدمة الصنم وتمجيده وقد لا يترشح أحد ليجري انتخابه بالتزكية بشبه إجماع.

وهذا أجمل ختام لأنها ستكون الضربة القاضية بإذن الله للعسكر ولكل الطواغيت والزبانية. والفشل المدوي المتوقع سببه أن الهالة الضخمة فوق الحقيقة ستنكشف عما قريب عن فقاعة. وقد أحاط السيسي نفسه بمجموعة فاسدين، فلقد أنفق العسكر في فترة حكمهم ذات الثمانية عشر شهراً (31) ملياراً من الدولارات.

وللموضوع عود نستكمل به الحديث بإذن الله.
تابعو الأردن 24 على google news