jo24_banner
jo24_banner

هل من فسحة للأمل؟

د. احمد نوفل
جو 24 : 1- اليأس عدو الحياة.
اليأس والقنوط والإحباط أخلص جنود الطواغيت، وهذا الثالوث ألد أعداء الشعوب والثورات ودعاة الإصلاح والتغيير.
ولذا فإن أعداء الحرية والأمل في التغيير والمتطلعين إلى غد أفضل، هؤلاء الأعداء لروح التفاؤل والاستبشار واستشراف آفاق رحْبة تأتي مع الغد، ينشرون في الأمة روحاً هدامة تسري كالسم في البدن. هذه الروح هي: أن لا أمل في الناس، شعب غوغاء لا يعتمد عليهم ولا يوثق بهم، وهم تبع لكل حامل عصا أو سوط.
وبعضهم يختزل المشهد في عبارات هي مركزات من السموم من مثل: «مفيش فايدة» والآخرون يرددون قولاً لسعد زغلول، وكأنه الذكر الحكيم «هو سعد قال إيه؟ مفيش فايدة!» ويختصرون الحكاية ويلخصون الحاضر والمستقبل. وبعضهم يلبس اليأس ثوباً دينياً فيردد الآية بلا وعي: «ليس لها من دون الله كاشفة» وبعضهم يتعلق بالمهدي، والبعض يردد: أليست هذه هي العلامات الكبرى للقيامة، بعد أن انتهت كل العلامات الصغرى؟ «قربت يا شيخ. صحيح؟» هذه الروح من اليأس من نفثات الشياطين وهمزهم وحاشا لكلام الله ورسوله أن يوضع في مثل هذا السياق.
هذه الروح نقيض مطلق لروح الدين وإن كساها بعضهم سربال الدين، ومعاذ الله أن تكتسي روح القنوط والخنوع والقعود لبوس الدين أو كسوة النصوص، أو تلبيس إبليس بالبحث في بعض أحاديث الفتن أو غيرها مما حوته بعض الكتب ومحاولة المواءمة بين الواقع وتلك النصوص باعتماد منهج سوء الفهم والحكم المسبق. هذا الطريق خاطئ قاتل مهلك فحذار أن تسلكوه!
2- حقيقة موقف الدين من مفردات اليأس وأخواته.
حقيقة الدين أمل واستبشار، وتطلع دائم للأفضل، ويقين بالله أنه لا يأتي إلا بما هو أفضل، وبما هو خير؛ وبالتالي فإن الدين عدو اليأس واليأس عدو الدين. ولو تأملت الآيات المتحدثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والرسل عموماً، تجد أن مهمة التبشير هي أبرز المهمات لهم، بل إن البشير من أسمائه عليه الصلوات التي درج الجمهور على تعدادها في المناسبات.
وتأمل كلمة «بشير» ومواردها في القرآن: «أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير»/ المائدة.
«يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وبشر المؤمنين» الأحزاب والفتح تشترك معها في القسم الأول، بل إن القرآن يذكر بصيغة القصر والحصر أنه مبشر: «وما أرسلناك إلا مبشراً..» الإسراء والفرقان.
بل هذه مهمة كل الرسل: «رسلاً مبشرين» البقرة. «وما نرسل المرسلين إلا مبشرين» الأنعام والكهف. «إنا أرسلناك بالحق بشيراً» البقرة وفاطر. «بشيراً ونذيراً» فصلت. «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً»
وأما عيسى فقد ذكر من مهمته: «ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» وقد ذكرت البشرى 14 مرة في القرآن كلها أو جلها للمؤمنين: «وهدى وبشرى للمؤمنين» البقرة والنمل. «وما جعله الله إلا بشرى» آل عمران والأنفال. «وبشرى للمسلمين» النحل 89 و102. «لهم البشرى» أي ليست لغيرهم.. والنصوص كثيرة.
وفي قصة يوسف في القرآن الكريم عندما فقد يعقوب عليه السلام ولده يوسف ما زاد على أن قال: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» وعندما فقد ولده الآخر قال: «فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً» ثم قال وهنا موضع الشاهد المباشر الذي يدل على أنه لم يزدد مع تزايد المحن إلا صلابة وصبراً، بل إنه يبث الأمل في من حوله: «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون»87 ثم عقبت السورة على القصة ومغازيها بهذا المعنى والمغزى المهم أوردته الآية قبل الأخيرة من السورة: «حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين» 110، إنه النصر القادم لكن بعد معاناة الصبر ومكابدة المكر الذي يمكره المجرمون. أما هؤلاء الذين يحاربون الله، فإن بأس الله وعقابه لن يرده عنهم أحد. ولماذا يأتي النصر في اللحظات الحرجة؟ هنا تكمن معان عظيمة؛ أولها: أن ثمن النصر ليس بالهين حتى تعلم أن سلعة الله غالية ودين الله غال، وما جاء غالياً يستميت الناس في الذود عنه.
وثانياً: إن امتحان الصبر لا يكون شكلياً، ولكن عملي وصعب ومرّ ويحتاج إلى إرادة وصلابة وقوة احتمال.
وثالثاً: إنها الجنة مخلداً أفلا تستحق هذه المعاناة.
ورابعاً: إن قيادة الأرض تحتاج إلى مؤهلات وأهمها الاستعداد للتضحية.
وخامساً: أليس ينتظر الكافرين خلود في جهنم، فليأخذوا وقتهم وفرصتهم وليتمتعوا فسوف يعلمون.
وفي قصة إبراهيم عندما قال هو للملائكة بعد أن قالت الملائكة: «إنّا نبشرك..» «قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون. قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون».
3- ثورات «الربيع العربي» والأمل.
إن المعنى الأول لثورات «الربيع العربي» أنها قهرت الخوف وتغلبت على اليأس، وانتصرت على الإحباط والقنوط والترويع والإرجاف والقهر والتهديد، وهي في المقابل أحيت الأمل والبشر والرجاء والتطلع إلى الأفضل في النفوس، وأحيت اليقين وطردت الشك من احتمال النجاح الذي كان أي الشك يهد الحيل ويهدم العزم ويفل القوة والإرادة.
وأما مهمة الثورات المضادة التي حصلت في كل من تونس ومصر وكل بلاد ثورات «الربيع العربي»، فكانت هذه المهمة إعادة الخوف ليسكن في النفوس، وخاصة انقلاب السيسي والترويع والصدمة الذي أحدثه عند فض الاعتصامات، إنْ في رابعة أو في ميدان النهضة أو رمسيس أو سائر ميادين مصر. وإن سياسة الإعلام في التخوين والتخويف خدمة لهذا المخطط. وإن عدد القتلى المهول والمبالغ فيه على يد الجيش والشرطة قصده قمع الأمل ووأد نبتته قبل أن تشق طريقها نحو النور. فلتفهم الأمور على حقيقتها، إنها انتكاسة للأمل والرجاء والتطلع نحو آفاق المستقيل، وعودة بمصر إلى كهف الخوف وبيت الطاعة والقمع والتعذيب والوحشية والتسلط والتخلف والتقهقر والظلام. وليست ثورة ما كانت تستكن كل هذه البذور الخبيثة في ثناياها، بل هي انقلاب قيم وانحطاط مُثُل وتدهور أخلاق، وقتل روح الأمل والثقة واليقين في نفوس الشعب.
4- المستقبل والأمل.
ليس ابن الشعب ولا منه أصلاً، من أراد وأد الأمل في نفوس الناس. إنه ابن الأعداء، إنه نسل المستعمرين، إنه بقية الاحتلال؛ ولذا تأمل كيف تقمع السلطة في الأراضي المحتلة كل تظاهرة بمنتهى العنف؛ ليقطعوا الرجاء ويجتثوا جذور الأمل، ويمنعوا نبتة البشْر والبشرى من أن تنبت ويئدوا الفجر الوليد. ولاحظوا كذلك كيف أنه في ظل هجمة الإحباط التي أتى بها فلول المستعمرين وأذنابهم، في ظل هذا الشعور الأسود زحفت الأيادي السوداء على الأقصى تريد تهويده وهي تعلم أنه لا يقتل المقاومة إلا انسداد أفق الرجاء، وضعف روح الأمل واليقين.
فهل بعد هذا الظلام من نور؟ وهل بعد هذا الليل الحالك من فجر صادق ساطع؟ الجواب نعم بالتأكيد. ووالله إننا لا نزداد على الظلمة وظلم ذوي القربى إلا رجاء بوجه الكريم وأملاً بغد باسم يتهيأ فجره للانبلاج.
فلا يغرنكم هذا البطش الأرعن والقضاء المجند لخدمة الطاغوت، ألم يكونوا بهذا القضاء المزور المسيس يحكمون على من يحفظ سورة الأنعام بسبع سنوات من السجن؟ بلى والله كانوا، أفهذا قضاء؟ ولقد رأيت محاكمة مسجلة على شريط فيديو من عهد الحقيد الفقيد، كانت محاكمة الدكتور المهندس «مصطفى..» تستغرق دقيقة يقول فيها المجرم الذي يتولى القضاء: «لقد اعترف المتهم بأنه من جماعة..». «وقد حكمت عليه المحكمة حضورياً بالإعدام شنقاً» وفوراً يسحب للشنق في الملعب البلدي حيث تجري المحكمة وتجري جموع الوحوش الهائجة من جموع هتيفة الحقيد يضربون الجثة المعلقة ويطفئون فيها السجائر.
ثم الذي بعده والشاكلة تتكرر حتى أعدم خمسة كما أذكر الآن (بعد 30 سنة).
إن شدة البطش الذي يبديه السيسي وزبانيته ورجاله ورجال إعلامه وقضائه وأمنه وعسكره وبلطجيته، يدل على رعب يسكن قلوبهم، وخوف من المستقبل أن تدور فيه الدوائر. إنهم يكرهون الغد ويكرهون المستقبل كما يكره اللص طلوع النهار حتى لا ينكشف.
هؤلاء قتلة ولصوص وأهم ما يغتالونه: الأمل والبشرى والرجاء. هذه البراعم الغضة ستنتصر على الفأس وسكين الجلاد، وسينتصر الدم على الرشاش، والضّعف على القوة والغد الباسم على اليوم الغائم. والفجر والشمس على الليل والغسق والظلمة. وكما لا يطفأ نور الشمس وإن غابت أو غربت فإن لها بعد الغروب شروقًا، لن يطفأ نور الأمل والاستبشار والرجاء واليقين.
سيصبح هذا الواقع الأسود جزءاً من الماضي الدفين نذكره للاعتبار وللشحن بالعزيمة والإصرار على مواصلة المشوار حتى تحقيق الانتصار ولليل آخر وبعد الليل نهار، والباطل سينهار.
وحديث الاستبشار له استمرار.


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news