عسكرة السياسة وتسييس العسكر / 2
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل.
الجيش في أية أمة ملك لجميع الأمة وليس ملكاً لجهة أو جماعة أو شخص. والجيش قوته في هذا، فإن انحاز إلى فئة فقد انكسر الميزان، لأن الجيش مؤسسة ضخمة بعديدها وإمكاناتها ومعداتها وهيكلتها وتنظيمها. وأسوأ من كل هذا أن يترك الجيش ميادين القتال الحقيقية في مواجهة العدو الخارجي الذي يتهدد وجود الوطن والشعب والأمة ويطارد الأحرار من الأمة.. ويا ليته كان يطارد الأشرار. لكنه للؤم المقاصد صور الأحرار الشرفاء بصورة الأشرار الشياطين. وأما العدو الحقيقي فينعم بأمن وسلام في ظل اتفاقيات العار. وأسوأ انحدار أصاب أي جيش عربي هو في الدول الثلاث التي تزعم زوراً وكذباً أنها تحارب الإرهاب وما تحارب إلا الشعب، وهذه الدول أو جيوش الدول هي: سوريا والعراق ومصر. والدول الثلاث وإن بدت متباعدة فهي في واقع الأمر كتلة في الشر واحدة، يجمعها الولاء والتبعية لإسرائيل وأمريكا، ولا يغرنك العجيج والضجيج والثورية المدعاة افتراء وزوراً.
2- تحول الجيش إلى حزب سياسي مسلح يضر بالجيش ويضرب الأحزاب ويضر بالسياسة.
الاحتراف والمهنية مهم جداً للإبداع، والجيوش مهمتها التي ينبغي أن تتفرغ لها وتحترفها هي الجاهزية العليا للقتال. أما الترهل والاسترخاء وانتظار العلاوات والامتيازات ثم الانشغال بإدارة مصالح ومصانع ومؤسسات ومشاريع اقتصادية ثم نهب وسرقات وأرصدة تكدس، كل هذا انحرف بالجيش انحرافاً جعل عودته إلى سكة الاحتراف شبه محال.. بعد هذا الانحراف وأسوأ من الغرق في “البزنس” الاشتغال بالسياسة. بل هما وجهان لفساد واحد. فالاشتغال بالسياسة حماية لمشاريعهم ومؤسساتهم وضمان لاستمرارها فلا يهمهم معها ولا بعدها أن تُخْدم البلد وأن تتقدم، المهم أن تحرس المصالح الهائلة. وأمريكا التي أوجدت كل هذا النظام الفاسد المعشش بل رعته ونمته وغذته.. أفلا تعلم أمريكا كم نهب السادات ثم من هو أنهب منه مبارك. بل تعلم بل تريده بل تشجعه وتقول للفساد هل من مزيد؟!
خلاصة القول إن الجيش بهذا يتحول إلى أداة بيد ساسة فاسدين ويخرج عن خطه وخطته وطريقته وعقيدته القتالية وهو لا يشعر.
ويفسد الحياة السياسية إذ يدخل زعيم الجيش إلى الحياة السياسية بقوة وزخم ويحجِّم الأحزاب لأنه لا يقبل المزاحمة والمنافسة بل يعتمد الإزاحة والإقصاء والإبعاد والنفي ويعتمد لنفسه الشمولية والهيمنة والقهر والسيطرة، بمعنى أن ننشئ فرعوناً جديداً ودكتاتوراً بطاشاً دموياً يصغر الدولة والشعب ليكبر هو، كما قال فرعون الأسبق منذ آلاف السنين وسجله القرآن لا ليكون تاريخاً يقرأ، ولكن ليكون وعياً دينياً وسننياً واجتماعياً وسياسياً، قال: “أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون” واعتمد السياسة ذاتها التي يعتمدها العسكر منذ ستين سنة ونيف حتى الآن وهي القتل والترويع والتخويف والإرهاب والقمع والكبت.
ولئن نافس مرسي عدد كبير من المرشحين مثل حازم أبو إسماعيل وأبو الفتوح وحمدين وعمرو موسى وخالد المخرج والعوا وعبد الله الأشعل وغيرهم.. أما الآن فلن ينافس السيسي أحد. أليس هذا قتلاً للحياة السياسية. كان هناك حراك في الشارع السياسي وخطب ولقاءات وبرامج وخطط وتجمعات تشهدها وتعهدها مصر لأول مرة. أما الآن فرجعنا خمسين سنة إلى الوراء. وأعجب من الفرحين بهذا التحول أو الرجوع أو النكوص على الأعقاب. وسأستعرض في حلقة خاصة بعض الكتابات النشاز التي تهلل للنكوص والانحطاط والتخلف والقهر والقمع يشعرون أو لا يشعرون. واقرأ ما يكتب منافق في روزاليوسف في عدد 24/1/14 “السيسي ينتمي إلى الحزب الوحيد المنظم والمنضبط في مصر وهو القوات المسلحة..” إلخ.
3- الرئيس القوي.
مازلنا ندور في حلقة الفرد والزعيم الأوحد والقائد الملهم والعبقري. وأسوأ من هذا ما طرحه محمد عبده: “المستبد العادل” وهو مصطلح بغيض بئيس متناقض. فلا يمكن أن يكون مستبد عادلاً.
ولن نتعرض الآن لمن يصفون السيسي بأنه “دكر” فلسنا في حاجة إلى تيس غنم. وعار أن تطرح مثل هذه الأوصاف، ولولا أنها ذكرت ألف مرة ما أشرت إليها.
زمن الفرد ولّى وهذا زمن المؤسسات. ثم ما مواصفات القوي؟ أهو من يقتل شعبه؟ إنه إذاً القوي الفاجر الذي أشار إليه الفاروق وعلي من بعد حين عجبا من عجز الأمين وقوة الفاجر.
ومن يضمن أن القوة التي لا تلجمها مؤسسات، بل تغذيها مؤسسات ستتحول إلى لعنة من اللعنات وسبة من السبّات وعلة وعاهة من العاهات؟
إننا مولعون بتصنيع فراعنة جدد بدعوى قوتهم. والمقاييس المبتذلة والمرتجلة للقوة مصيبة من المصائب. ولقد أشاعوا مناخاً من التشكيك في مرسي وأنه ضعيف ليخدموا المؤامرة. وما هو بضعيف بل هو أسد قوي في الحق. لكن الصلاحيات لم تكن بيده فقد استحوذ عليها العسكر.
4- امتيازات الجيش.. بلا حدود.
لن نعيد ونكرر أن الجيش المصري يتحكم في أكثر من نصف اقتصاد مصر، وأن قادة الجيش وكبار الضباط يديرون إمبراطورية اقتصادية ضخمة. لن نعيد هذا.
لكن نذكر مثالاً ذكره وزير الإعلام في حقبة مرسي، الأستاذ صلاح عبد المقصود، وكان عمل صحفياً في الأردن لا أقل من عشرين سنة في الدستور.. ثم عاد إلى مصر.. يقول: دخلت وزارة الإعلام فوجدت(250) مستشاراً للوزير برتبة لواء عسكري، ولكل مستشار مكتبه وسكرتيرته، وسيارته وسواقه، ولا يعملون شيئاً إطلاقاً. ولم يكن له في وزارة الإعلام أي نفوذ، فكانت تدار من مافيات الدولة العميقة.
وفي برنامج بلا حدود تكلم السفير إبراهيم يسري عن الفساد في وزارة البترول وعن الشركات التي تتبعها(100) شركة، يعين فيها كبار الضباط وكبار الإعلاميين(أي من يديرون الأمور زمن العسكر الأسود!) حتى شبهها أي وزارة الإعلام بمستنقع فساد.
إن ما يطفح على السطح من أسرار وخبايا هنا وهناك هو الطافي من جبل الجليد. وأما الخافي من جبل الجليد فأدهى وأمر وأخزى وأشد في القهر.
بالمختصر إن قوت الشعب ومقدراته يعبث بها العسكر، وتكلم عن تنازل مصر لقبرص وإسرائيل عن حقول تقدر قيمتها بثلاثمئة مليار دولار، وتكفي ما بين 30-50 سنة.
هذا دخول الجيش إلى ميدان السياسة فساد وإفساد للبلاد والثروات والإعلام والأخلاق والأذواق والأمانات وضياع المستقبل بعدما ضمنا ضياع الماضي والحاضر.
وفي ختام هذه الحلقة نقول لمن يريدون أن يصنعوا من السيسي فرعوناً أو متألهاً في الأرض ويصوروه بصورة رسول الرحمة والمنقذ، وهو استمرار لسياسات مبارك التي نهبت مصر وأرجعتها (50) سنة إلى الوراء..
نقول لهم: كل تواطؤ مبارك على غاز مصر وحقولها أمضاه وأقره سيسي، والزيارة الوحيدة التي قام بها عدلي منصور هي لليونان، وكنا نظنها زيارة مغايظة لتركيا ومناكفة صبيانية وإذ بإبراهيم يسري يقول إنه كان يريد التنازل لليونان عن حقول النفط الواقعة في المياه الإقليمية لمصر.
وللحديث عن عسكرة السياسة بقية.
الجيش في أية أمة ملك لجميع الأمة وليس ملكاً لجهة أو جماعة أو شخص. والجيش قوته في هذا، فإن انحاز إلى فئة فقد انكسر الميزان، لأن الجيش مؤسسة ضخمة بعديدها وإمكاناتها ومعداتها وهيكلتها وتنظيمها. وأسوأ من كل هذا أن يترك الجيش ميادين القتال الحقيقية في مواجهة العدو الخارجي الذي يتهدد وجود الوطن والشعب والأمة ويطارد الأحرار من الأمة.. ويا ليته كان يطارد الأشرار. لكنه للؤم المقاصد صور الأحرار الشرفاء بصورة الأشرار الشياطين. وأما العدو الحقيقي فينعم بأمن وسلام في ظل اتفاقيات العار. وأسوأ انحدار أصاب أي جيش عربي هو في الدول الثلاث التي تزعم زوراً وكذباً أنها تحارب الإرهاب وما تحارب إلا الشعب، وهذه الدول أو جيوش الدول هي: سوريا والعراق ومصر. والدول الثلاث وإن بدت متباعدة فهي في واقع الأمر كتلة في الشر واحدة، يجمعها الولاء والتبعية لإسرائيل وأمريكا، ولا يغرنك العجيج والضجيج والثورية المدعاة افتراء وزوراً.
2- تحول الجيش إلى حزب سياسي مسلح يضر بالجيش ويضرب الأحزاب ويضر بالسياسة.
الاحتراف والمهنية مهم جداً للإبداع، والجيوش مهمتها التي ينبغي أن تتفرغ لها وتحترفها هي الجاهزية العليا للقتال. أما الترهل والاسترخاء وانتظار العلاوات والامتيازات ثم الانشغال بإدارة مصالح ومصانع ومؤسسات ومشاريع اقتصادية ثم نهب وسرقات وأرصدة تكدس، كل هذا انحرف بالجيش انحرافاً جعل عودته إلى سكة الاحتراف شبه محال.. بعد هذا الانحراف وأسوأ من الغرق في “البزنس” الاشتغال بالسياسة. بل هما وجهان لفساد واحد. فالاشتغال بالسياسة حماية لمشاريعهم ومؤسساتهم وضمان لاستمرارها فلا يهمهم معها ولا بعدها أن تُخْدم البلد وأن تتقدم، المهم أن تحرس المصالح الهائلة. وأمريكا التي أوجدت كل هذا النظام الفاسد المعشش بل رعته ونمته وغذته.. أفلا تعلم أمريكا كم نهب السادات ثم من هو أنهب منه مبارك. بل تعلم بل تريده بل تشجعه وتقول للفساد هل من مزيد؟!
خلاصة القول إن الجيش بهذا يتحول إلى أداة بيد ساسة فاسدين ويخرج عن خطه وخطته وطريقته وعقيدته القتالية وهو لا يشعر.
ويفسد الحياة السياسية إذ يدخل زعيم الجيش إلى الحياة السياسية بقوة وزخم ويحجِّم الأحزاب لأنه لا يقبل المزاحمة والمنافسة بل يعتمد الإزاحة والإقصاء والإبعاد والنفي ويعتمد لنفسه الشمولية والهيمنة والقهر والسيطرة، بمعنى أن ننشئ فرعوناً جديداً ودكتاتوراً بطاشاً دموياً يصغر الدولة والشعب ليكبر هو، كما قال فرعون الأسبق منذ آلاف السنين وسجله القرآن لا ليكون تاريخاً يقرأ، ولكن ليكون وعياً دينياً وسننياً واجتماعياً وسياسياً، قال: “أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون” واعتمد السياسة ذاتها التي يعتمدها العسكر منذ ستين سنة ونيف حتى الآن وهي القتل والترويع والتخويف والإرهاب والقمع والكبت.
ولئن نافس مرسي عدد كبير من المرشحين مثل حازم أبو إسماعيل وأبو الفتوح وحمدين وعمرو موسى وخالد المخرج والعوا وعبد الله الأشعل وغيرهم.. أما الآن فلن ينافس السيسي أحد. أليس هذا قتلاً للحياة السياسية. كان هناك حراك في الشارع السياسي وخطب ولقاءات وبرامج وخطط وتجمعات تشهدها وتعهدها مصر لأول مرة. أما الآن فرجعنا خمسين سنة إلى الوراء. وأعجب من الفرحين بهذا التحول أو الرجوع أو النكوص على الأعقاب. وسأستعرض في حلقة خاصة بعض الكتابات النشاز التي تهلل للنكوص والانحطاط والتخلف والقهر والقمع يشعرون أو لا يشعرون. واقرأ ما يكتب منافق في روزاليوسف في عدد 24/1/14 “السيسي ينتمي إلى الحزب الوحيد المنظم والمنضبط في مصر وهو القوات المسلحة..” إلخ.
3- الرئيس القوي.
مازلنا ندور في حلقة الفرد والزعيم الأوحد والقائد الملهم والعبقري. وأسوأ من هذا ما طرحه محمد عبده: “المستبد العادل” وهو مصطلح بغيض بئيس متناقض. فلا يمكن أن يكون مستبد عادلاً.
ولن نتعرض الآن لمن يصفون السيسي بأنه “دكر” فلسنا في حاجة إلى تيس غنم. وعار أن تطرح مثل هذه الأوصاف، ولولا أنها ذكرت ألف مرة ما أشرت إليها.
زمن الفرد ولّى وهذا زمن المؤسسات. ثم ما مواصفات القوي؟ أهو من يقتل شعبه؟ إنه إذاً القوي الفاجر الذي أشار إليه الفاروق وعلي من بعد حين عجبا من عجز الأمين وقوة الفاجر.
ومن يضمن أن القوة التي لا تلجمها مؤسسات، بل تغذيها مؤسسات ستتحول إلى لعنة من اللعنات وسبة من السبّات وعلة وعاهة من العاهات؟
إننا مولعون بتصنيع فراعنة جدد بدعوى قوتهم. والمقاييس المبتذلة والمرتجلة للقوة مصيبة من المصائب. ولقد أشاعوا مناخاً من التشكيك في مرسي وأنه ضعيف ليخدموا المؤامرة. وما هو بضعيف بل هو أسد قوي في الحق. لكن الصلاحيات لم تكن بيده فقد استحوذ عليها العسكر.
4- امتيازات الجيش.. بلا حدود.
لن نعيد ونكرر أن الجيش المصري يتحكم في أكثر من نصف اقتصاد مصر، وأن قادة الجيش وكبار الضباط يديرون إمبراطورية اقتصادية ضخمة. لن نعيد هذا.
لكن نذكر مثالاً ذكره وزير الإعلام في حقبة مرسي، الأستاذ صلاح عبد المقصود، وكان عمل صحفياً في الأردن لا أقل من عشرين سنة في الدستور.. ثم عاد إلى مصر.. يقول: دخلت وزارة الإعلام فوجدت(250) مستشاراً للوزير برتبة لواء عسكري، ولكل مستشار مكتبه وسكرتيرته، وسيارته وسواقه، ولا يعملون شيئاً إطلاقاً. ولم يكن له في وزارة الإعلام أي نفوذ، فكانت تدار من مافيات الدولة العميقة.
وفي برنامج بلا حدود تكلم السفير إبراهيم يسري عن الفساد في وزارة البترول وعن الشركات التي تتبعها(100) شركة، يعين فيها كبار الضباط وكبار الإعلاميين(أي من يديرون الأمور زمن العسكر الأسود!) حتى شبهها أي وزارة الإعلام بمستنقع فساد.
إن ما يطفح على السطح من أسرار وخبايا هنا وهناك هو الطافي من جبل الجليد. وأما الخافي من جبل الجليد فأدهى وأمر وأخزى وأشد في القهر.
بالمختصر إن قوت الشعب ومقدراته يعبث بها العسكر، وتكلم عن تنازل مصر لقبرص وإسرائيل عن حقول تقدر قيمتها بثلاثمئة مليار دولار، وتكفي ما بين 30-50 سنة.
هذا دخول الجيش إلى ميدان السياسة فساد وإفساد للبلاد والثروات والإعلام والأخلاق والأذواق والأمانات وضياع المستقبل بعدما ضمنا ضياع الماضي والحاضر.
وفي ختام هذه الحلقة نقول لمن يريدون أن يصنعوا من السيسي فرعوناً أو متألهاً في الأرض ويصوروه بصورة رسول الرحمة والمنقذ، وهو استمرار لسياسات مبارك التي نهبت مصر وأرجعتها (50) سنة إلى الوراء..
نقول لهم: كل تواطؤ مبارك على غاز مصر وحقولها أمضاه وأقره سيسي، والزيارة الوحيدة التي قام بها عدلي منصور هي لليونان، وكنا نظنها زيارة مغايظة لتركيا ومناكفة صبيانية وإذ بإبراهيم يسري يقول إنه كان يريد التنازل لليونان عن حقول النفط الواقعة في المياه الإقليمية لمصر.
وللحديث عن عسكرة السياسة بقية.