صورة العالم العربي/ 2
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل
قلت في الحلقة السابقة إن الأفراد كالمجتمعات وكالدول يحرصون على أن يكونوا في أحسن مظهر حين يواجهون غيرهم. ولذلك ينظرون في المرآة قبل الخروج إلى العالم. على أنه ينبغي أن يكون النظر دقيقاً حقيقياً لا مفعماً بالوهم والنرجسية.. يغلب عليه النقد لا إطراء الذات. فكم من الأشخاص والأقوام يرون أنفسهم بعين الرضا لا بعين الانتقاد.. وبعين التعظيم والتفخيم والتضخيم لا بعين الموضوعية والوزن الحق.
وقلت إن علينا أن ننظر في أنفسنا أفراداً ودولاً ونرى صورتنا ونعدلها قبل أن نواجه الدنيا والناس. وبدأت بالنقطة الأولى من المراجعة وهي قدرتنا على التعايش وقلت في الحلقة السابقة إنها تراجعت إلى حد مخيف منذر بسوء العواقب.. لأن معنى عدم القدرة على التعايش ما تراه من استعداد للاحتراب، بل الاحتراب، إلى ما لا نهاية دون توقف، ودون هدف بالطبع، إلا إفناء الذات من خلال نية إفناء المكون الآخر في الأمة.. وضربت المثال بالعراق وما فيه من أعراق ومن مذاهب. والآن نواصل حلقتنا الثانية مع حلقة جديدة أو مقياس جديد أو مرآة جديدة بها نقيس الذات سواءها أو التواءها وحَيْدَتَها عن الصراط المستقيم.
وهذا المعيار الجديد نقيض الأول، فالأول القدرة على الالتحام والانسجام وهذا عن القدرة على التدافع والصدام مع الأعداء ومن يشكلون خطراً.
2- القدرة على الدفع والتدافع ودرء الأخطار.
كل الأمم تحدق بها الأخطار الداخلية والخارجية، ولا يختلف في هذا حتى الناموس الفردي. فالفرد يمكن أن يأتيه الخطر من داخل جسمه كالخلايا السرطانية، أو من خارجه كأنواع الفيروسات والمكيروبات والجراثيم.. والأمة السليمة المتعافية تدفع عنها الخطر عندما يقع وتستشرفه وتعد لمواجهته قبل أن يقع. والحياة صراع والحياة دفاع أو تدافع، كما قال الله عز وجل: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» البقرة.
ولئن كانت كل أمة معرضة للأخطار كما قلنا قبل قليل فإن أمتنا أوفر حظاً وأوفى نصيباً منها، لأنها مستهدفة ومقتصدة بالأذى والعدوان والمخططات الماكرة الشيطانية الخبيثة.
وما من بلاد وأوطان محتلة مباشرة، إلا أوطاننا للأسف، ليس فلسطين وحدها، بل كثير من البلدان محتلة مباشرة أو بشكل غير مباشر، فبعض البلدان تسرح فيها الطائرات الأمريكية بلا طيار، تقتل من تشاء وقتما تشاء كالباكستان واليمن، وتظل أمريكا صديقة حليفة لكل البلدان المعتدى عليها!
إن الجسم الذي لا يدفع المرض يفتك به المرض. وإن الأمة التي لا تدفع خطر العدوان يوشك أن تتداعى عليها الأخطار والأطماع من كل الجهات والأصقاع فلا تبقي لها مقوماً ولا وجوداً ولا سيادة ولا مقدرات ولا حاضراً ولا مستقبلاً ولا ثروات.
ودرء الخطر يحتاج إلى قيادة مقتدرة واعية مخلصة يلتف حولها الناس ويثقون بها. وتحتاج بعد ذلك إلى أمة ملتحمة مستعدة مضحية باذلة متراصة الصفوف وتحتاج إلى توظيف الطاقات والقدرات وتسخير الإمكانات كلها في حماية الذات ودرء الأخطار عنها.
وتحتاج إلى تعبئة وتدريب وكفاءات وخطة للمقاومة، ولقد خضنا عدة مواجهات وقلما أفلحت الأمة مع أنها تملك إنساناً لا نظير له. لكنها لا تملك الخطة والدربة والتعبئة والقيادة والمنهاج وتوظيف الطاقات. من هنا يعربد في أرضنا وفضائنا ومياهنا عدو بحجم بعض أصغر مدننا.
وهنا كلام يطول عن تواطؤ مع هذا العدو وتخاذل بلداننا ودولنا وأوطاننا. وأتوقع أن يأتي يوم نعيد فيه سيرة من أضاعوا الأندلس.. إذ كانوا يتحالفون مع عدوهم ضد بعضهم.
وهذا العالم كله يقيم علاقات سرية مع الكيان ويتآمر معه ويروج له فيما البعض يتظاهر بعدائه ومقاومته والممانعة إمامه، وهو غارق حتى الأذقان في التعامل معه. أليس من زعموا هذه الأوصاف كالنظام السوري منسقاً مع هذا العدو، وما يثبته في موقعه ولا يسكت العالم عن ملاحقته إلا هذا الكيان..
ولعلها من أول دول العالم في التقنية العالية في تطوير الطيران والطائرات بلا طيار وهي تصدر للصين والهند ومختلف دول العالم. وتجري الصيانة لطائرات كثير من دول العالم الكبيرة التي يعد سكانها بعشرات الملايين. وهي بهذا وغيره بالطبع تزداد عربدة وغطرسة وتمادياً في العدوان..
وقيل مراراً وتكراراً أنها دولة الاحتلال في فلسطين تنفق على البحث العلمي ما تنفقه الدول العربية مجتمعة وزيادة.
وكم كانت فاجعة مصر عظيمة عندما غزاها نابليون في القرن التاسع عشر ومعه البوارج والمدافع والبنادق، وهم يعيشون قبل العصر بمئة سنة على الأقل.. فاحتلها يسيراً وأعمل فيها التنكيل والتقتيل والتغيير كما يشاء..
كنا كقطعة من الجبن عملت فيها سكين ماضية..
لا يسعنا إلا أن نكون أبناء العصر. ومما أعان صلاح الدين على فك حصار الصليبيين عن عكا وجود خبراء نفط «نفاطين» وكيميائيين أحرقوا «دبابات» الصليبيين وأبراجهم.
3- إدراك العصر.
لا يجوز أن تنعزل الأمة عن عصرها ولا أن تغيب عن موقع شهوده والشهود عليه وإدراك ما يدور فيه بوعي وعمق وفهم.
وبعضنا انغمس في العصر ورذائله وماديته وبعده عن الدين إلى الأذقان فذاب في الآخرين واندغم اندغاماً كاملاً تاماً في ثقافتهم وفلسفتهم وفكرهم..
ولقد حقق أسلافنا في هذا المعنى إنجازاً مهماً فأدركوا عصرهم وفهموه ويوم تخلفوا كان يفوتهم النصر على عدوهم بل يتمكن منهم عدوهم. ولعل ما من مرحلة عاشت الأمة فيها التناقض بينها وبين عصرها، وبين مكوناتها في التعامل مع العصر، كما حصل لها في القرن العشرين.
فقد كنا في ذاك القرن خارج زماننا متخلفين عنه لا بما يقاس بالفراسخ بل بما يقاس بالسنوات الضوئية.. ولذلك وقعت كل بلداننا فرائس الاستعمار في ذاك القرن وفي سابقة أيضاً. فهل تحسنت الصورة أم أن الفجوة ما زالت أم أنها اتسعت؟ وأعتقد أن الفجوة اتسعت.. لأن من يقودون الأمة لا يريدون أن يردموا الفجوة بين أوطانهم وبين الدول المزاحمة المدافعة لهم والمزحزحة لهم عن حقهم وعن أوطانهم.
وبينما بعضنا ذاب في هوى الغرب بعجره وبجره، فإن بعضنا الآخر انغلق حتى عما يمكن أن يكون لنا فيه نفع كالتقنية وأساليب الزراعة والصناعة مثلاً. وكلا الموقفين سلبي ومذموم. إن عدونا لم يستوعب روح العصر فحسب بل إن دولة العدوان في وطننا تزاحم أوروبا وأمريكا في التقنية والاختراع والتطوير.
إلى هنا ونأسف.
(السبيل)
قلت في الحلقة السابقة إن الأفراد كالمجتمعات وكالدول يحرصون على أن يكونوا في أحسن مظهر حين يواجهون غيرهم. ولذلك ينظرون في المرآة قبل الخروج إلى العالم. على أنه ينبغي أن يكون النظر دقيقاً حقيقياً لا مفعماً بالوهم والنرجسية.. يغلب عليه النقد لا إطراء الذات. فكم من الأشخاص والأقوام يرون أنفسهم بعين الرضا لا بعين الانتقاد.. وبعين التعظيم والتفخيم والتضخيم لا بعين الموضوعية والوزن الحق.
وقلت إن علينا أن ننظر في أنفسنا أفراداً ودولاً ونرى صورتنا ونعدلها قبل أن نواجه الدنيا والناس. وبدأت بالنقطة الأولى من المراجعة وهي قدرتنا على التعايش وقلت في الحلقة السابقة إنها تراجعت إلى حد مخيف منذر بسوء العواقب.. لأن معنى عدم القدرة على التعايش ما تراه من استعداد للاحتراب، بل الاحتراب، إلى ما لا نهاية دون توقف، ودون هدف بالطبع، إلا إفناء الذات من خلال نية إفناء المكون الآخر في الأمة.. وضربت المثال بالعراق وما فيه من أعراق ومن مذاهب. والآن نواصل حلقتنا الثانية مع حلقة جديدة أو مقياس جديد أو مرآة جديدة بها نقيس الذات سواءها أو التواءها وحَيْدَتَها عن الصراط المستقيم.
وهذا المعيار الجديد نقيض الأول، فالأول القدرة على الالتحام والانسجام وهذا عن القدرة على التدافع والصدام مع الأعداء ومن يشكلون خطراً.
2- القدرة على الدفع والتدافع ودرء الأخطار.
كل الأمم تحدق بها الأخطار الداخلية والخارجية، ولا يختلف في هذا حتى الناموس الفردي. فالفرد يمكن أن يأتيه الخطر من داخل جسمه كالخلايا السرطانية، أو من خارجه كأنواع الفيروسات والمكيروبات والجراثيم.. والأمة السليمة المتعافية تدفع عنها الخطر عندما يقع وتستشرفه وتعد لمواجهته قبل أن يقع. والحياة صراع والحياة دفاع أو تدافع، كما قال الله عز وجل: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» البقرة.
ولئن كانت كل أمة معرضة للأخطار كما قلنا قبل قليل فإن أمتنا أوفر حظاً وأوفى نصيباً منها، لأنها مستهدفة ومقتصدة بالأذى والعدوان والمخططات الماكرة الشيطانية الخبيثة.
وما من بلاد وأوطان محتلة مباشرة، إلا أوطاننا للأسف، ليس فلسطين وحدها، بل كثير من البلدان محتلة مباشرة أو بشكل غير مباشر، فبعض البلدان تسرح فيها الطائرات الأمريكية بلا طيار، تقتل من تشاء وقتما تشاء كالباكستان واليمن، وتظل أمريكا صديقة حليفة لكل البلدان المعتدى عليها!
إن الجسم الذي لا يدفع المرض يفتك به المرض. وإن الأمة التي لا تدفع خطر العدوان يوشك أن تتداعى عليها الأخطار والأطماع من كل الجهات والأصقاع فلا تبقي لها مقوماً ولا وجوداً ولا سيادة ولا مقدرات ولا حاضراً ولا مستقبلاً ولا ثروات.
ودرء الخطر يحتاج إلى قيادة مقتدرة واعية مخلصة يلتف حولها الناس ويثقون بها. وتحتاج بعد ذلك إلى أمة ملتحمة مستعدة مضحية باذلة متراصة الصفوف وتحتاج إلى توظيف الطاقات والقدرات وتسخير الإمكانات كلها في حماية الذات ودرء الأخطار عنها.
وتحتاج إلى تعبئة وتدريب وكفاءات وخطة للمقاومة، ولقد خضنا عدة مواجهات وقلما أفلحت الأمة مع أنها تملك إنساناً لا نظير له. لكنها لا تملك الخطة والدربة والتعبئة والقيادة والمنهاج وتوظيف الطاقات. من هنا يعربد في أرضنا وفضائنا ومياهنا عدو بحجم بعض أصغر مدننا.
وهنا كلام يطول عن تواطؤ مع هذا العدو وتخاذل بلداننا ودولنا وأوطاننا. وأتوقع أن يأتي يوم نعيد فيه سيرة من أضاعوا الأندلس.. إذ كانوا يتحالفون مع عدوهم ضد بعضهم.
وهذا العالم كله يقيم علاقات سرية مع الكيان ويتآمر معه ويروج له فيما البعض يتظاهر بعدائه ومقاومته والممانعة إمامه، وهو غارق حتى الأذقان في التعامل معه. أليس من زعموا هذه الأوصاف كالنظام السوري منسقاً مع هذا العدو، وما يثبته في موقعه ولا يسكت العالم عن ملاحقته إلا هذا الكيان..
ولعلها من أول دول العالم في التقنية العالية في تطوير الطيران والطائرات بلا طيار وهي تصدر للصين والهند ومختلف دول العالم. وتجري الصيانة لطائرات كثير من دول العالم الكبيرة التي يعد سكانها بعشرات الملايين. وهي بهذا وغيره بالطبع تزداد عربدة وغطرسة وتمادياً في العدوان..
وقيل مراراً وتكراراً أنها دولة الاحتلال في فلسطين تنفق على البحث العلمي ما تنفقه الدول العربية مجتمعة وزيادة.
وكم كانت فاجعة مصر عظيمة عندما غزاها نابليون في القرن التاسع عشر ومعه البوارج والمدافع والبنادق، وهم يعيشون قبل العصر بمئة سنة على الأقل.. فاحتلها يسيراً وأعمل فيها التنكيل والتقتيل والتغيير كما يشاء..
كنا كقطعة من الجبن عملت فيها سكين ماضية..
لا يسعنا إلا أن نكون أبناء العصر. ومما أعان صلاح الدين على فك حصار الصليبيين عن عكا وجود خبراء نفط «نفاطين» وكيميائيين أحرقوا «دبابات» الصليبيين وأبراجهم.
3- إدراك العصر.
لا يجوز أن تنعزل الأمة عن عصرها ولا أن تغيب عن موقع شهوده والشهود عليه وإدراك ما يدور فيه بوعي وعمق وفهم.
وبعضنا انغمس في العصر ورذائله وماديته وبعده عن الدين إلى الأذقان فذاب في الآخرين واندغم اندغاماً كاملاً تاماً في ثقافتهم وفلسفتهم وفكرهم..
ولقد حقق أسلافنا في هذا المعنى إنجازاً مهماً فأدركوا عصرهم وفهموه ويوم تخلفوا كان يفوتهم النصر على عدوهم بل يتمكن منهم عدوهم. ولعل ما من مرحلة عاشت الأمة فيها التناقض بينها وبين عصرها، وبين مكوناتها في التعامل مع العصر، كما حصل لها في القرن العشرين.
فقد كنا في ذاك القرن خارج زماننا متخلفين عنه لا بما يقاس بالفراسخ بل بما يقاس بالسنوات الضوئية.. ولذلك وقعت كل بلداننا فرائس الاستعمار في ذاك القرن وفي سابقة أيضاً. فهل تحسنت الصورة أم أن الفجوة ما زالت أم أنها اتسعت؟ وأعتقد أن الفجوة اتسعت.. لأن من يقودون الأمة لا يريدون أن يردموا الفجوة بين أوطانهم وبين الدول المزاحمة المدافعة لهم والمزحزحة لهم عن حقهم وعن أوطانهم.
وبينما بعضنا ذاب في هوى الغرب بعجره وبجره، فإن بعضنا الآخر انغلق حتى عما يمكن أن يكون لنا فيه نفع كالتقنية وأساليب الزراعة والصناعة مثلاً. وكلا الموقفين سلبي ومذموم. إن عدونا لم يستوعب روح العصر فحسب بل إن دولة العدوان في وطننا تزاحم أوروبا وأمريكا في التقنية والاختراع والتطوير.
إلى هنا ونأسف.
(السبيل)