الثورة السورية.. تعقيدات وتشابكات
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- أطول الثورات وأكثرها تضحيات
التغيير في العالم العربي من أشد المحرمات والممنوعات؛ ذلك أن الواقع المتفسخ المتعفن فاقد الصلاحية، والمليء بالسلبيات والشلل والعجز واللافاعلية، وهو الواقع الذي صنعه الخارج بتواطؤ مع الداخل، يراد له أي هذا الواقع أن يعيد إنتاج نفسه إلى ما لا نهاية، كما قال المثل العربي: وهل تلد الحية إلا الحية! من هنا فإن المفاجأة الصاعقة هي التي كانت وراء سرعة إنجاز الثورات ونجاحها.
على أن العدو بعد أن أفاق من الصدمة، عاد لينقض على الثورة في هجمة مرتدة أفقدت الشعب معنوياته، وملأته بالإحباط حتى ردد اليائسون البائسون: «نار مبارك ولا جنة مرسي» وهو نداء فاجر منحط، فما دمر أحد وطنه كما صنع مبارك، ولا قزم بلداً أحد مثل هذا الدنس، ومع هذا تبرئه محاكم بلده التي أفسدها على عينه.
ولذلك لاحظوا أن كل ثورة كانت تطول قليلاً عما قبلها، وتغلو تضحياتها أكثر ممن سبقوها. حتى كانت ثورة ليبيا فقدم الشعب فيها عشرات الألوف، وقبله اليمن قدم الألوف، وأما الثورة السورية فستدخل تضحياتها مئات الألوف وتدخل بذلك الأرقام القياسية، وما طال عمر الثورة ولا كثرت تضحياتها إلا بسبب من هذه التعقيدات.
وسنحاول في هذه الكلمات أن نقف على طرف أو على يسير من هذه التعقيدات والتشابكات والتداخلات.
2- الصورة التي رسمها النظام لنفسه في أذهان الناس
أشهد أن هؤلاء الباطنيين مهرة سحرة فجرة، وقد أتقنوا فن التمويه والتخفي ومواراة حقيقتهم عن العيون والعقول، بل إنهم رسموا لأنفسهم صورة البطل المناضل المقاوم داعم الثورات، ورسموا لحزب الله صورة مثالية، وأحاطوه بهالة مبهرة وتبنوه بعد ذلك، وسلحوه ودعموه، وما أشعروك يوماً أن المسألة برمتها مشروع طائفي بعيد المدى، وأن هذا الغطاء سينجح في رفع تكلفة الثورة.
ثم بالغ النظام في تزيين صورته وزخرفتها وبهرجتها، وأبعدها عن شبهة الطائفية بتبني حماس والجهاد، وهما حركتان سنيتان مجاهدتان لا غبار عليهما إن شاء الله، وقد يتفاصح بعض أعراب المؤامرة فيقول: إن من ذكرت مسؤولون عن تزيين صورة هذا الشيطان وتسويقه. وأقول: بل المسؤول من سدوا المنافذ في وجوه المقاومة، حتى اضطروها إلى جحر الضب أو الذئب أو الضبع أو الأسد. هؤلاء دائماً مبرؤون مثلما قطعت الدول العربية الضالعة في المؤامرة رفدها عن غزة، حتى اضطرت حماس إلى اللجوء لإيران وهي وكر الشيطان، ومن المسؤول يا أمة العربان؟ يا دول المؤامرة التي تضطر الشرفاء للذهاب إلى الذئاب؟
من الذي يخنق مصر الآن ويضطرها إلى اللجوء إلى البنك الدولي وإلى إيران وهما شيطانان فاجران؟ من المسؤول؟ يا أيها المتآمرون في كل مرة تضطرون الشرفاء إلى خطيئة مد اليد لأحقد الخلق ثم ترجمونهم وتنعتونهم بأقبح الصفات، وما المنعوت إلا أنتم.
إيران صنعت حزب الله فأصبح في يدها قوة هائلة ضاربة، وذراعاً شديد البأس فما صنعتم يا دول النفط والزفت؟! إيران دولة تهيمن الآن على العراق وسوريا ولبنان، وستظل تخلق مشكلات للبحرين حتى تحتله، وشيعة شرق الجزيرة سترون ما المستقبل بما يخصهم والأيام بيننا. والحوثيون تديرهم إيران، ويتضخمون يوماً بعد يوم، والأيام بيننا أيضاً إن لم يرثوا اليمن وجنوب الجزيرة، لماذا التعامي والتفكير النعامي؟
أقول: هذه الصورة وإخفاء حقيقتهم الباطنية أسهمت في تعقيد الصورة، وحتى الآن فإن أغلب التيارات اليسارية والقومية والعلمانية والشيوعية وكثير من الليبراليين يدعمون النظام الأسدي وهم بالتالي ويا للتناقض يدعمون دولة رجعية مذهبية دينية باطنية متعصبة عندها مشروعها التوسعي، لها من العرب موقف مخز سيئ معاد شعوبي عبر التاريخ. فكيف التوفيق يا حركات اليسار والقفز على الحبال؟ أين علمانيتكم الكاذبة؟ تحاربون مرسي لأنه يريد دولة دينية، وأنتم ضمناً أو مباشرة تدعمون مشروعاً طائفياً دينياً- مذهبياً منغلقاً! فكيف؟
هذا أسهم في تفتيت الموقف الشعبي، دعك من الدول المتخاذلة المشلولة المشوهة العاجزة.
اللعبة معقدة جداً خفية على أغلب العقول.
3- شراسة النظام.. وطبيعته الدموية
هذا النظام والغ في الدم منذ أول يوم، مشبوه منذ لحظة الميلاد، منذ الانقلاب الذي دبرته القوى الكبرى للأسد فمكنت طائفة من الأقليات العميلة للاستعمار عبر التاريخ من تسلم بلد ذي موقع استراتيجي حاكم خطير على صلة بالوطن المحتل فلسطين، أعني جغرافياً لا وطنياً. وعلى صلة بتركيا أعني أيضاً جغرافياً لا أخوة ولا مودة، فسوريا هي التي كانت تدعم ثورة الأكراد التي أنهكت تركيا، وأوقعت قرابة الخمسين ألفاً من القتلى والخسائر المادية التي لا تقدر. وعلى صلة بلبنان، وهيمنت عليه لعشرين سنة وما تزال بتواطؤ عربي دولي، والعرب مشتركون في كل مؤامرة، فمن الذي مكن سوريا من الهيمنة على لبنان؟ ألا تذكرون المؤتمرات التي عقدت قبل دعوة سوريا للاستيلاء على لبنان؛ بدعوى إنهاء الانقسام في لبنان فمزقته وضربت الفلسطينيين، وأعلت من شأن الشيعة والدروز، وعلى صلة بالأردن، وعلى صلة بالعراق، وهو الذي كان يرسل القاعدة إلى العراق لئلا تمتد نار الاحتلال الأمريكي إلى سوريا.
والقاعدة قتلت من أهل السنة أكثر مما قتل الشيعة. وكررت أن الأئمة العراقيين حدثوني أن القاعدة قتلت منهم قرابة 1400، بأي دعوى؟ لست أدري. فالتقت القاعدة مع إيران كيف لست أدري.
هذا النظام في موقعه الاستراتيجي المتحكم وظف موقعه ووظف الجغرافيا والسياسة والبعث والثروة والدعم العربي والدولي في دعم الطائفة وتمكينها من مفاصل بلد عظيم هو سوريا.
هذا النظام دموي بامتياز، وما موقعة حماة الأولى المصغرة، والموقعة الثانية سنة 82 بعد قرابة عقدين من الأولى وقد قتل في الثانية قرابة الأربعين ألفاً.
وتجربة سجن تدمر وآلاف الجثث المدفونة تحت رمال صحراء تدمر شاهدة على وحشية هذا النظام.
فروع المخابرات شهدت من الانتهاكات لإنسانية الإنسان والسلخ والتعذيب والاغتصاب والقتل الوحشي ما تشيب له الولدان.
لقد حكم سوريا بالنار والحديد والقبضة الفولاذية، ونهب الثروة وقوى الطائفة ومكنها من الثروة وشراء الأراضي والبيوت حتى تملك مساحات من مواقع السنة وركز على دمشق وحمص وهي التي كانت سنية خالصة. وأراد بكل السبل تغيير ديموغرافيتها. كان يعمل ليل نهار ونحن غافلون. راكم من الخبرات والرعب وقمع الشعب وصمت الناس حتى كانت الثورة، وكانت التعقيدات، ولنا عودة. (السبيل)
التغيير في العالم العربي من أشد المحرمات والممنوعات؛ ذلك أن الواقع المتفسخ المتعفن فاقد الصلاحية، والمليء بالسلبيات والشلل والعجز واللافاعلية، وهو الواقع الذي صنعه الخارج بتواطؤ مع الداخل، يراد له أي هذا الواقع أن يعيد إنتاج نفسه إلى ما لا نهاية، كما قال المثل العربي: وهل تلد الحية إلا الحية! من هنا فإن المفاجأة الصاعقة هي التي كانت وراء سرعة إنجاز الثورات ونجاحها.
على أن العدو بعد أن أفاق من الصدمة، عاد لينقض على الثورة في هجمة مرتدة أفقدت الشعب معنوياته، وملأته بالإحباط حتى ردد اليائسون البائسون: «نار مبارك ولا جنة مرسي» وهو نداء فاجر منحط، فما دمر أحد وطنه كما صنع مبارك، ولا قزم بلداً أحد مثل هذا الدنس، ومع هذا تبرئه محاكم بلده التي أفسدها على عينه.
ولذلك لاحظوا أن كل ثورة كانت تطول قليلاً عما قبلها، وتغلو تضحياتها أكثر ممن سبقوها. حتى كانت ثورة ليبيا فقدم الشعب فيها عشرات الألوف، وقبله اليمن قدم الألوف، وأما الثورة السورية فستدخل تضحياتها مئات الألوف وتدخل بذلك الأرقام القياسية، وما طال عمر الثورة ولا كثرت تضحياتها إلا بسبب من هذه التعقيدات.
وسنحاول في هذه الكلمات أن نقف على طرف أو على يسير من هذه التعقيدات والتشابكات والتداخلات.
2- الصورة التي رسمها النظام لنفسه في أذهان الناس
أشهد أن هؤلاء الباطنيين مهرة سحرة فجرة، وقد أتقنوا فن التمويه والتخفي ومواراة حقيقتهم عن العيون والعقول، بل إنهم رسموا لأنفسهم صورة البطل المناضل المقاوم داعم الثورات، ورسموا لحزب الله صورة مثالية، وأحاطوه بهالة مبهرة وتبنوه بعد ذلك، وسلحوه ودعموه، وما أشعروك يوماً أن المسألة برمتها مشروع طائفي بعيد المدى، وأن هذا الغطاء سينجح في رفع تكلفة الثورة.
ثم بالغ النظام في تزيين صورته وزخرفتها وبهرجتها، وأبعدها عن شبهة الطائفية بتبني حماس والجهاد، وهما حركتان سنيتان مجاهدتان لا غبار عليهما إن شاء الله، وقد يتفاصح بعض أعراب المؤامرة فيقول: إن من ذكرت مسؤولون عن تزيين صورة هذا الشيطان وتسويقه. وأقول: بل المسؤول من سدوا المنافذ في وجوه المقاومة، حتى اضطروها إلى جحر الضب أو الذئب أو الضبع أو الأسد. هؤلاء دائماً مبرؤون مثلما قطعت الدول العربية الضالعة في المؤامرة رفدها عن غزة، حتى اضطرت حماس إلى اللجوء لإيران وهي وكر الشيطان، ومن المسؤول يا أمة العربان؟ يا دول المؤامرة التي تضطر الشرفاء للذهاب إلى الذئاب؟
من الذي يخنق مصر الآن ويضطرها إلى اللجوء إلى البنك الدولي وإلى إيران وهما شيطانان فاجران؟ من المسؤول؟ يا أيها المتآمرون في كل مرة تضطرون الشرفاء إلى خطيئة مد اليد لأحقد الخلق ثم ترجمونهم وتنعتونهم بأقبح الصفات، وما المنعوت إلا أنتم.
إيران صنعت حزب الله فأصبح في يدها قوة هائلة ضاربة، وذراعاً شديد البأس فما صنعتم يا دول النفط والزفت؟! إيران دولة تهيمن الآن على العراق وسوريا ولبنان، وستظل تخلق مشكلات للبحرين حتى تحتله، وشيعة شرق الجزيرة سترون ما المستقبل بما يخصهم والأيام بيننا. والحوثيون تديرهم إيران، ويتضخمون يوماً بعد يوم، والأيام بيننا أيضاً إن لم يرثوا اليمن وجنوب الجزيرة، لماذا التعامي والتفكير النعامي؟
أقول: هذه الصورة وإخفاء حقيقتهم الباطنية أسهمت في تعقيد الصورة، وحتى الآن فإن أغلب التيارات اليسارية والقومية والعلمانية والشيوعية وكثير من الليبراليين يدعمون النظام الأسدي وهم بالتالي ويا للتناقض يدعمون دولة رجعية مذهبية دينية باطنية متعصبة عندها مشروعها التوسعي، لها من العرب موقف مخز سيئ معاد شعوبي عبر التاريخ. فكيف التوفيق يا حركات اليسار والقفز على الحبال؟ أين علمانيتكم الكاذبة؟ تحاربون مرسي لأنه يريد دولة دينية، وأنتم ضمناً أو مباشرة تدعمون مشروعاً طائفياً دينياً- مذهبياً منغلقاً! فكيف؟
هذا أسهم في تفتيت الموقف الشعبي، دعك من الدول المتخاذلة المشلولة المشوهة العاجزة.
اللعبة معقدة جداً خفية على أغلب العقول.
3- شراسة النظام.. وطبيعته الدموية
هذا النظام والغ في الدم منذ أول يوم، مشبوه منذ لحظة الميلاد، منذ الانقلاب الذي دبرته القوى الكبرى للأسد فمكنت طائفة من الأقليات العميلة للاستعمار عبر التاريخ من تسلم بلد ذي موقع استراتيجي حاكم خطير على صلة بالوطن المحتل فلسطين، أعني جغرافياً لا وطنياً. وعلى صلة بتركيا أعني أيضاً جغرافياً لا أخوة ولا مودة، فسوريا هي التي كانت تدعم ثورة الأكراد التي أنهكت تركيا، وأوقعت قرابة الخمسين ألفاً من القتلى والخسائر المادية التي لا تقدر. وعلى صلة بلبنان، وهيمنت عليه لعشرين سنة وما تزال بتواطؤ عربي دولي، والعرب مشتركون في كل مؤامرة، فمن الذي مكن سوريا من الهيمنة على لبنان؟ ألا تذكرون المؤتمرات التي عقدت قبل دعوة سوريا للاستيلاء على لبنان؛ بدعوى إنهاء الانقسام في لبنان فمزقته وضربت الفلسطينيين، وأعلت من شأن الشيعة والدروز، وعلى صلة بالأردن، وعلى صلة بالعراق، وهو الذي كان يرسل القاعدة إلى العراق لئلا تمتد نار الاحتلال الأمريكي إلى سوريا.
والقاعدة قتلت من أهل السنة أكثر مما قتل الشيعة. وكررت أن الأئمة العراقيين حدثوني أن القاعدة قتلت منهم قرابة 1400، بأي دعوى؟ لست أدري. فالتقت القاعدة مع إيران كيف لست أدري.
هذا النظام في موقعه الاستراتيجي المتحكم وظف موقعه ووظف الجغرافيا والسياسة والبعث والثروة والدعم العربي والدولي في دعم الطائفة وتمكينها من مفاصل بلد عظيم هو سوريا.
هذا النظام دموي بامتياز، وما موقعة حماة الأولى المصغرة، والموقعة الثانية سنة 82 بعد قرابة عقدين من الأولى وقد قتل في الثانية قرابة الأربعين ألفاً.
وتجربة سجن تدمر وآلاف الجثث المدفونة تحت رمال صحراء تدمر شاهدة على وحشية هذا النظام.
فروع المخابرات شهدت من الانتهاكات لإنسانية الإنسان والسلخ والتعذيب والاغتصاب والقتل الوحشي ما تشيب له الولدان.
لقد حكم سوريا بالنار والحديد والقبضة الفولاذية، ونهب الثروة وقوى الطائفة ومكنها من الثروة وشراء الأراضي والبيوت حتى تملك مساحات من مواقع السنة وركز على دمشق وحمص وهي التي كانت سنية خالصة. وأراد بكل السبل تغيير ديموغرافيتها. كان يعمل ليل نهار ونحن غافلون. راكم من الخبرات والرعب وقمع الشعب وصمت الناس حتى كانت الثورة، وكانت التعقيدات، ولنا عودة. (السبيل)