نيلسون مانديلا/ 2
د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل
تجارب البشر مدرسة مفتوحة للتعلم. والتاريخ الإنساني أحد أهم مصادر المعرفة. وقد وجهنا ربنا لقراءة التاريخ والتعلم منه والاستفادة وأخذ العبرة والدروس. فلا أدري من أين جاءنا فكر الانغلاق والتقوقع والحبس في الكهف؟ ألم يقل الله تعالى: «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا..»
وقلت في حلقة سابقة هناك فرق بين أبي طالب وأبي لهب وكلاهما عم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكلاهما لم يؤمن. لكن واحداً منهما كان يحب النبي ويحميه وواحد يترصد لأذاه ويقابله بالتسفيه وحاشاه. فهل موقفنا منهما واحد؟ واستحضرت الآية الكريمة: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
وقلت: إني ما رأيت المسلمين في بلد في وضع المسلمين في جنوب أفريقيا راحة وحرية عبادة ومستوى اقتصادياً ومساجد وأنشطة. فهل نغلق أعيننا عن كل هذا؟
ثم لماذا كل دولنا «الإسلامية جداً» تقيم علاقات غرامية مع الغرب ولا يعترض أحد، فإذا تكلم أحد عن مناضل خدم شعبه ووطنه وبلده قمنا نستحضر أنه مشرك وكافر؟ لماذا ننام ملء عيوننا عن حقائق يومية ونستيقظ في المناسبات؟ لماذا ما يفعله «أولياء الأمور» دائماً شرعي وما يقوله شخص عادي مغمور من غمار المسلمين تقوم القيامة عليه؟ من هنا سنتكلم عن مانديلا من خلال المعاناة المشتركة فهو من شعب احتل بلده واستعمرت أوطانه واستعبد شعبه تماماً كالشعوب العربية التي عانت الاستعمار المباشر عشرات السنين ثم عانت الاستعباد والاستعمار غير المباشر عشرات السنوات بعد الاستقلالات العربية.
وشعبه عانى التمييز كما يعاني شعبنا في فلسطين –مثلاً- لا حصراً التمييز؟ والقواسم كثيرة. ويكفي أن نستحضر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي قبل أن يسلم وشهادته فيه وله: إنه رجل لا يظلم الناس عنده. أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وكان عند حسن ظن النبي.. حتى أسلم أخيراً. وقيام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي.
2- مانديلا.. الوجه الآخر.
عرف العالم مانديلا نسخة عن غاندي السلمي المسالم الذي لا يحمل سكيناً.. ويناضل بالصبر والموقف والكلمة والصمود في السجون والمنافي.. لكن قل من يعرف أن لهذا الداعية السلمي وجهاً آخر هو الكفاح المسلح لمدة تقرب من عشرين سنة، من قبل السجن وفي فترة السجن. وأن هذا الكفاح هو الذي أجبر الغرب على الإفراج عنه والتفاوض معه، وقبول تشكيله لحزب سياسي، ثم ترشحه في مواجهة الرئيس الأبيض المستعمر وفوز مانديلا عليه، وقبل الغرب النتيجة لتغير مجمل الظروف. بينما لم يقبل النهابون والفاسدون والعملاء في مصر أن تخرج الرئاسة إلى غير المافيا السياسية وإلى غير الفساد والنهب والتدمير والإثراء المحرم.
مانديلا يشكل في النهاية رمزاً من رموز الكفاح، وما الضير أن نلتقي مع العالم في الكفاح السلمي وغير السلمي ضد المستعمر، ولقد طاف مانديلا العالم العربي، عدة دول منه، يجمع التبرعات للكفاح المسلح الذي يخوضه شعبه..
قاتل مانديلا بالسلاح وقاتل الشعب الجنوب أفريقي ضد محتل بلاده. وفجروا خطوط القطارات، وطرق المواصلات، ومستودعات البيض للسلاح والسلع، ومصالحهم.. حتى ظفروا باستقلالهم.
هو من هذه الناحية ومن ناحية دعوته التغييرية السلمية يلتقي معنا كشعوب عانت، وجربت كل السبل لرفع المعاناة عن نفسها بالكلمة ثم بعد لأي بالرصاصة.
3- جوامع الإنسانية.
نحن في النهاية بنو الإنسان والإنسانية وبنو البشر. تجمعنا هموم الإنسانية. ولو دعينا إلى هذه القواسم الإنسانية لن نتردد وسنستجيب. وكيف أباح الله لنا الزواج من الكتابيات، فهل تراه فرض علينا كرههن وأمهاتهن؟ وفرض على أولادنا كره أمهاتهم وخالاتهم وجداتهم؟
وكيف نقوم بأشرف أعمالنا وهو الدعوة إلى الله إن لم نتواصل مع الناس؟ وهل نتواصل مع الناس إلا بالشفقة واللين والحب والرحمة والإحسان؟
وكم مرة نادى قرآننا الكريم الناس والإنسان في آيات كثيرة توجت بيا أيها الناس ويا أيها الإنسان؟
ولتعلم أن أول نداء في القرآن حسب ترتيب المصحف هو في سورة البقرة «يا أيها الناس» وثاني نداء للناس فاتحة سورة النساء وفي الآية 133 من السورة نفسها «إن يشأ يذهبكم أيها الناس». وفي الآية (170) من السورة نفسها أيضاً «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحسنى من ربكم فآمنوا خيراً لكم» وآخر نداء في السورة للناس قبل آخر السورة بآيتين: «يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً» 174 وهل لاحظت «جاءكم» و «إليكم»؟ فهذه 4 نداءات في السورة رقم 4 وتتوالى نداءات الناس في القرآن ففي الأعراف: «يا أيها الناس اتقوا ربكم..» ثم في ختام لقمان: «يا أيها الناس اتقوا ربكم..» ثم 3 نداءات في فاطر وختمت النداءات بما في سورة الحجرات «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فمجموعها 19 نداء موزعة على 26 جزءاً.
أما لفظ الناس مطلقاً عن النداء فجاء فقط (241) مرة في 25 سورة في البقرة وحدها 39 مرة وهي سورة مدنية.
ولا أريد أن أفصل مزيداً وأما الإنسان فقد ورد (65) مرة وأول وروده في سورة النساء «وخلق الإنسان ضعيفاً» وهي سورة المستضعفين. فمجموعهما: الناس والإنسان (306) مرات. هذا ليس بلا دلالة. وآخر كلمة في القرآن هي كلمة «الناس» وهذا كذلك له دلالة: فأول نداء للناس وآخر كلمة الناس!
أطلت في هذا حتى نعلم أن ديننا دعوة للناس وتواصل مع الناس.
4- هل من زعمائنا مثله؟ مبارك نموذجاً!
يؤسفنا ويؤلمنا ويحزننا ويؤسينا ألا يكون في زعمائنا مثله! لا في حجم تضحيته لوطنه وشعبه وأمته. ولا في صبره معاناته. ولا في ثباته وعدم ممالأته لمستعمر بلده ولا تلونه ولا تقلبه. نحن نتكلم عن صفات إنسانية يلتقي عليها البشر ولا يختلفون، ويعجب بها الناس بقطع النظر عن صاحبها وفكره ومذهبه. فأنت تعجب بالبطولة ولا ضير. وتعجب بالقيم والشخص الذي يجسدها. ولا حرج. وكما قلت فقد أعفانا الله من الحرج بالنسبة لعدونا لأنه ليس فيهم من يمثل هذه القيم والشجاعة والبطولة دون عدوان وظلم للآخرين!
وشتان بين من سجن لأنه يناضل عن وطنه، سجنه مستعمر بلاده، وبين من ثار عليه شعبه فأسقطه فاضطر العسكر أن يودعوه السجن «ولو على عينك يا شاطر!» أو يا تاجر زي بعضه. شتان بين بطل ولص وإن كان العمر قريباً.. ألا نشعر بالحرج أن الذي دمر بلده وأذل شعبه ينتسب (شكلاً) للإسلام!؟ وأن الذي يمثل القيم والشرف والبطولة ليس من ديننا. ألم يكن جورج حداد يتكلم أحسن من الشيخ علي جمعة؟ أليس رامي جان أشرف موقفاً من البرهامي؟ الجزاء عندالله والفصل بين الناس هذا أمره إلى الله. نحن نتكلم عن مواقف يمكن قياسها، بمقاييس يتفق عليها البشر والعقلاء والشرفاء في العالم كله.. بهذه المقاييس مانديلا إنسان بطل رجل ذو موقف ووطني شريف ناضل حتى استقل شعبه.. وكثير من زعمائنا على نقيض صفاته وقد ضربت لهم مثلاً. والحديث موصول.
(السبيل)
تجارب البشر مدرسة مفتوحة للتعلم. والتاريخ الإنساني أحد أهم مصادر المعرفة. وقد وجهنا ربنا لقراءة التاريخ والتعلم منه والاستفادة وأخذ العبرة والدروس. فلا أدري من أين جاءنا فكر الانغلاق والتقوقع والحبس في الكهف؟ ألم يقل الله تعالى: «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا..»
وقلت في حلقة سابقة هناك فرق بين أبي طالب وأبي لهب وكلاهما عم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكلاهما لم يؤمن. لكن واحداً منهما كان يحب النبي ويحميه وواحد يترصد لأذاه ويقابله بالتسفيه وحاشاه. فهل موقفنا منهما واحد؟ واستحضرت الآية الكريمة: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
وقلت: إني ما رأيت المسلمين في بلد في وضع المسلمين في جنوب أفريقيا راحة وحرية عبادة ومستوى اقتصادياً ومساجد وأنشطة. فهل نغلق أعيننا عن كل هذا؟
ثم لماذا كل دولنا «الإسلامية جداً» تقيم علاقات غرامية مع الغرب ولا يعترض أحد، فإذا تكلم أحد عن مناضل خدم شعبه ووطنه وبلده قمنا نستحضر أنه مشرك وكافر؟ لماذا ننام ملء عيوننا عن حقائق يومية ونستيقظ في المناسبات؟ لماذا ما يفعله «أولياء الأمور» دائماً شرعي وما يقوله شخص عادي مغمور من غمار المسلمين تقوم القيامة عليه؟ من هنا سنتكلم عن مانديلا من خلال المعاناة المشتركة فهو من شعب احتل بلده واستعمرت أوطانه واستعبد شعبه تماماً كالشعوب العربية التي عانت الاستعمار المباشر عشرات السنين ثم عانت الاستعباد والاستعمار غير المباشر عشرات السنوات بعد الاستقلالات العربية.
وشعبه عانى التمييز كما يعاني شعبنا في فلسطين –مثلاً- لا حصراً التمييز؟ والقواسم كثيرة. ويكفي أن نستحضر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي قبل أن يسلم وشهادته فيه وله: إنه رجل لا يظلم الناس عنده. أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وكان عند حسن ظن النبي.. حتى أسلم أخيراً. وقيام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي.
2- مانديلا.. الوجه الآخر.
عرف العالم مانديلا نسخة عن غاندي السلمي المسالم الذي لا يحمل سكيناً.. ويناضل بالصبر والموقف والكلمة والصمود في السجون والمنافي.. لكن قل من يعرف أن لهذا الداعية السلمي وجهاً آخر هو الكفاح المسلح لمدة تقرب من عشرين سنة، من قبل السجن وفي فترة السجن. وأن هذا الكفاح هو الذي أجبر الغرب على الإفراج عنه والتفاوض معه، وقبول تشكيله لحزب سياسي، ثم ترشحه في مواجهة الرئيس الأبيض المستعمر وفوز مانديلا عليه، وقبل الغرب النتيجة لتغير مجمل الظروف. بينما لم يقبل النهابون والفاسدون والعملاء في مصر أن تخرج الرئاسة إلى غير المافيا السياسية وإلى غير الفساد والنهب والتدمير والإثراء المحرم.
مانديلا يشكل في النهاية رمزاً من رموز الكفاح، وما الضير أن نلتقي مع العالم في الكفاح السلمي وغير السلمي ضد المستعمر، ولقد طاف مانديلا العالم العربي، عدة دول منه، يجمع التبرعات للكفاح المسلح الذي يخوضه شعبه..
قاتل مانديلا بالسلاح وقاتل الشعب الجنوب أفريقي ضد محتل بلاده. وفجروا خطوط القطارات، وطرق المواصلات، ومستودعات البيض للسلاح والسلع، ومصالحهم.. حتى ظفروا باستقلالهم.
هو من هذه الناحية ومن ناحية دعوته التغييرية السلمية يلتقي معنا كشعوب عانت، وجربت كل السبل لرفع المعاناة عن نفسها بالكلمة ثم بعد لأي بالرصاصة.
3- جوامع الإنسانية.
نحن في النهاية بنو الإنسان والإنسانية وبنو البشر. تجمعنا هموم الإنسانية. ولو دعينا إلى هذه القواسم الإنسانية لن نتردد وسنستجيب. وكيف أباح الله لنا الزواج من الكتابيات، فهل تراه فرض علينا كرههن وأمهاتهن؟ وفرض على أولادنا كره أمهاتهم وخالاتهم وجداتهم؟
وكيف نقوم بأشرف أعمالنا وهو الدعوة إلى الله إن لم نتواصل مع الناس؟ وهل نتواصل مع الناس إلا بالشفقة واللين والحب والرحمة والإحسان؟
وكم مرة نادى قرآننا الكريم الناس والإنسان في آيات كثيرة توجت بيا أيها الناس ويا أيها الإنسان؟
ولتعلم أن أول نداء في القرآن حسب ترتيب المصحف هو في سورة البقرة «يا أيها الناس» وثاني نداء للناس فاتحة سورة النساء وفي الآية 133 من السورة نفسها «إن يشأ يذهبكم أيها الناس». وفي الآية (170) من السورة نفسها أيضاً «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحسنى من ربكم فآمنوا خيراً لكم» وآخر نداء في السورة للناس قبل آخر السورة بآيتين: «يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً» 174 وهل لاحظت «جاءكم» و «إليكم»؟ فهذه 4 نداءات في السورة رقم 4 وتتوالى نداءات الناس في القرآن ففي الأعراف: «يا أيها الناس اتقوا ربكم..» ثم في ختام لقمان: «يا أيها الناس اتقوا ربكم..» ثم 3 نداءات في فاطر وختمت النداءات بما في سورة الحجرات «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فمجموعها 19 نداء موزعة على 26 جزءاً.
أما لفظ الناس مطلقاً عن النداء فجاء فقط (241) مرة في 25 سورة في البقرة وحدها 39 مرة وهي سورة مدنية.
ولا أريد أن أفصل مزيداً وأما الإنسان فقد ورد (65) مرة وأول وروده في سورة النساء «وخلق الإنسان ضعيفاً» وهي سورة المستضعفين. فمجموعهما: الناس والإنسان (306) مرات. هذا ليس بلا دلالة. وآخر كلمة في القرآن هي كلمة «الناس» وهذا كذلك له دلالة: فأول نداء للناس وآخر كلمة الناس!
أطلت في هذا حتى نعلم أن ديننا دعوة للناس وتواصل مع الناس.
4- هل من زعمائنا مثله؟ مبارك نموذجاً!
يؤسفنا ويؤلمنا ويحزننا ويؤسينا ألا يكون في زعمائنا مثله! لا في حجم تضحيته لوطنه وشعبه وأمته. ولا في صبره معاناته. ولا في ثباته وعدم ممالأته لمستعمر بلده ولا تلونه ولا تقلبه. نحن نتكلم عن صفات إنسانية يلتقي عليها البشر ولا يختلفون، ويعجب بها الناس بقطع النظر عن صاحبها وفكره ومذهبه. فأنت تعجب بالبطولة ولا ضير. وتعجب بالقيم والشخص الذي يجسدها. ولا حرج. وكما قلت فقد أعفانا الله من الحرج بالنسبة لعدونا لأنه ليس فيهم من يمثل هذه القيم والشجاعة والبطولة دون عدوان وظلم للآخرين!
وشتان بين من سجن لأنه يناضل عن وطنه، سجنه مستعمر بلاده، وبين من ثار عليه شعبه فأسقطه فاضطر العسكر أن يودعوه السجن «ولو على عينك يا شاطر!» أو يا تاجر زي بعضه. شتان بين بطل ولص وإن كان العمر قريباً.. ألا نشعر بالحرج أن الذي دمر بلده وأذل شعبه ينتسب (شكلاً) للإسلام!؟ وأن الذي يمثل القيم والشرف والبطولة ليس من ديننا. ألم يكن جورج حداد يتكلم أحسن من الشيخ علي جمعة؟ أليس رامي جان أشرف موقفاً من البرهامي؟ الجزاء عندالله والفصل بين الناس هذا أمره إلى الله. نحن نتكلم عن مواقف يمكن قياسها، بمقاييس يتفق عليها البشر والعقلاء والشرفاء في العالم كله.. بهذه المقاييس مانديلا إنسان بطل رجل ذو موقف ووطني شريف ناضل حتى استقل شعبه.. وكثير من زعمائنا على نقيض صفاته وقد ضربت لهم مثلاً. والحديث موصول.
(السبيل)