jo24_banner
jo24_banner

جريمة السلام العربي (7)

د. احمد نوفل
جو 24 : 1- مدخل حلقة الختام: ذهبنا إلى السلام بأوهام.
السلام موازين قوى كالحرب بالتمام. لا مجال في هذا للأوهام. وربما تعوض الشجاعة بعض عوض عن نقص المعدات، في جولات الحروب. لكن ماذا يعوض الخلل في موازين القوى إذا جلست أمام خصمك في ميدان المفاوضات على طاولة مباحثات السلام؟ وهم أتوك بدهاقنة متخصصين في القانون والمياه والعسكرية والسياسة والاستراتيجي والأمن والجغرافيا. وأنت شكلت وفدك من أصحاب الولاء لك، إن لم تكن إسرائيل تدخلت في تشكيلة الوفد، فطلبت صائب أو عباس في أوسلو.. واقرأ ماذا كتب البروفسور "رابينوفتش" في مذكراته عن أحمد قريع وكيف أنه كان إذا تعثرت المفاوضات ربط منديلاً على وسطه وقام يرقص. واقرأ ماذا قال رابين: كنا نفاوض أنفسنا ونحن نفاوض الفلسطينيين. وافهمها يا فهيم كما تشاء.
وتكلم أحدهم عن مباحثات عن المياه وكيف أن الذي أمامه يفاوض لم يكن عنده أدنى فكرة عما يفاوض في موضوع المياه، فكنا نعطيه المعلومات ونتلاعب به..
ولا نسترسل في هذا. فتشكيلة الوفد المفاوض أمر، وموازين القوى على الطاولة أمر، والاستعداد للتنازل عند طرف وعدم الاستعداد للتنازل عند طرف أمر.. ودهاء المفاوض وخبرته ودربته ودراساته في هذا الميدان أو عدم القدرة والكفاءة.. في الجانب الآخر أمر آخر. ولو قرأت ما كتب الصهاينة عن كمال حسن علي وزير الدفاع المصري.. وكيف كان يقضي الساعات الطوال في نتانيا.. ولا نطيل بذكر التفاصيل.. ولماذا كانت لنا قنوات سرية في أوسلو للتفاوض سوى العلنية؟
مفاوضات السلام عند من يقدرون الأمور قدرها جزء من المعركة وجزء من الحرب.. وكم تنازلنا عن مناطق بجرة قلم.. دون إدراك. وكانت المفاوضات فرصة لإسرائيل للتعرف على الشخصيات ودراستها أو ما بعد ذلك.. وافهمها كما تشاء.. واقرأ اعترافات تسيبي ليفني تفهم بعض الصورة.
والآن بعد عشرين سنة بالتمام من مفاوضات السلام أزعم أنّا لم نجن إلا مزيداً من الأوهام، ذهبنا بكثير منها إلى المفاوضات فرجعنا بركام من الأوهام فوق ركام.. هذا ما جنيناه. لأن الضعيف لا يحصد إلا الخيبة والخسران.. إن في الحرب وإن في السلام.
أما ماذا جنى عدونا فهذا الكلام الذي يطول. وإنّا سنعرض يسيراً مما جنى خصمنا من السلام وكنا ذكرنا بعضاً في الحلقات السابقة ونكمل بعضاً في حلقة الختام ونترك الكثير حتى لا تطول السلسلة أكثر من هذا..
فالسلام خفف أعباء إسرائيل وحسن صورتها ومكنها من اختراقنا سياسياً واقتصادياً وثقافياً.. ومكاسبها لا تحصى فإلى بعض الحديث عن هذا.

2- تخفيف أعباء إسرائيل واحد من مكاسبها من السلام.

مر بنا في كلام فنكلشتاين عن أن إسرائيل أتت بالسلطة لتتولى هي أمن إسرائيل ومطاردة المقاومين، حتى لا تتحمل إسرائيل تبعات تعذيب من تحقق معهم من مقاومين، فالسلطة باتت تقوم بكل هذا وعلى حساب الشعب الفلسطيني، صحيح أنّا نتلقى بعض الدعم من أمريكا وبعض الممولين العرب لدعم "إسرائيل"، لكن قسماً لا بأس به يتراكم ديوناً علينا، فالسلطة مدينة الآن بعدة مليارات، أو قل الشعب الفلسطيني مدين. لقد خففنا أعباء الاستعمار الإسرائيلي لبلادنا فصار استعماراً خفيفاً لطيفاً كله ثمرات بلا نفقات.. صفقة هائلة.. ونسميها معركة السلام، وهجوم السلام.. ولقد افتخر عرفات بأنه أمسك بألفي عملية انتحارية كانت تريد استهداف "إسرائيل".

3- زيادة الإجرام الإسرائيلي.

في الوقت الذي خففنا نحن أعباءها زاد إجرامها. فزاد هدم المنازل وزاد ضم الأراضي. وزاد تهجير البدو والقرويين من أماكن سكنهم. وزاد إبعاد الشباب عن مدنهم فابن الضفة يبعد إلى غزة، وبعض أبناء بيت لحم إلى روما كما تذكرون.. وزاد معدل اقتلاع الأشجار، وحرق الزروع. وزاد معدل الاستيطان في القدس. وحبذا لو روجعت دراسات "خليل تفكجي" عن الاستيطان وكيف زاد زيادات هائلة.. وصودر الحرم الإبراهيمي كلياً والأقصى في طريق المصادرة. وشنت حروب عدة على لبنان وعلى غزة. واغتيل الناشطون. كل ذلك تحت ظلال الزيزفون أو أغصان شجرة السلام.. وارفة الظلال.

4- التغلغل الاقتصادي وإنهاء المقاطعة.

من أعظم المكاسب ل"إسرائيل" إنهاء المقاطعة الاقتصادية التي كانت قائمة ولو نظرياً. فرفعت المقاطعة كبادرة لحسن نوايا العرب وهي حسنة دائماً، لكن لاتجاه بعضنا وليس تجاه العدو. وأصبحت أسواق العرب مفتوحة للبضائع الإسرائيلية، ونحن أمة مستهلكة غير منتجة ببركة النفط والسياسات التدميرية.. وفي أغلب البلدان الآن حتى التي لا تمثيل دبلوماسياً فيها هناك مفوضية اقتصادية. ولا تسل عن نشاط المفوضات غالباً أو المفوضين الاقتصاديين الإسرائيليين ولقاءاتهم مع التجار ومعرفتهم بهم واحداً واحداً ببركة المتعاونين!

إنه اختراق خطير. تعدانا إلى دول إسلامية ودول لا عربية ولا إسلامية كانت متعاونة معنا متعاطفة.. فلما رفعنا الحظر رفعت.. وهذا بديهي وطبيعي.

5- التنسيق الأمني.

هي العمالة الأمنية. وهي الحراسة الأمينة لا من الإسرائيلين وأمن "إسرائيل". هي التعاون بين السلطة و"إسرائيل" ومن طرف واحد. أن نعطيهم أسماء المطلوبين والخطرين بمصطلح العدو والإرهابيين بلغتهم والملاحقين الأمنيين والنشطين و.. ولا يعطوننا في المقابل إلا الاستخفاف والاستهزاء..
ولقد بلغ هذا التنسيق حدوداً خطيرة جداً. فلم تعد الأجهزة الأمنية الفلسطينية يعنيها شيء إلا الأمن الإسرائيلي. وهي على شعبها نار مشتعلة فالتعذيب عندهم يفوق الخيال من شبْح وجَلْد وإلقاء من أسطح عالية وادّعاء انتحار وتعليق بالمقلوب وتغطيس في الماء ووضع في الأكياس السوداء في حر أريحا حتى يصيح المحبوس في الكيس: أعترف!
وما تعجز عنه إسرائيل ينجز لدى الأجهزة من بني عميل. ومن قتل عرفات؟ إنها الأجهزة الأمنية الفلسطينية. الأمر أخطر مما نتصور وكله من بركات السلام وعوائد السلام.
ولا نعيد ما قلنا أو ما قال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن للجيش وحده (20) ألف عميل في الضفة يغطون كل كيلومتر مربع.. ومن وراء مقتل عياش والجعبري وكشف الأنفاق والرنتيسي وأحمد ياسين وإبراهيم مقادْمة وصلاح شحادة و.. القائمة لا تنتهي فتش عن التنسيق الأمني والاختراق الأمني والتغلغل في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

6- لكل مرحلة رجلها أو رجالها.

مرحلة صناعة السلام في خطواتها الأولى كانت تحتاج إلى عرفات فجيء به وأعطي نوبل وفتحت له المجالات والزيارات لدول العالم فكان ســـــــندباد جوي يطوف العالم مرحباً به، فلما تبين أنه لا يستطيع التوقيع على التنـــــــازل عن القدس والأقصى سمم وجيء بعباس. لا تقل انتخبته اللجنة التنفيذية أو المركزية أو الثورية أو ما لا أفهم من الأسماء والمسميات فهو رجل أمريكا و"إسرائيل".
والآن يبدو أنه توقف عند النقطة ذاتها فبدأت قذائف الردح توجه ضده، فإما أن يرضخ وإما أن يشدخ رأسه فيسمم كسابقه، وجيء بدحلان أداة تخويف، فإن سلم عباس سلم. وإن "عصلج" أعدم.. وتتابعت المسيرة. فلكل مرحلة رجالها ومتنازلوها.

7- وبعد.

فإنّا لم نكتف بجريمة السلام وتنازلنا فيها بل ألحقناها مبادرات للسلام تطرح مزيداً من خسائرنا وتنازلنا ويكون الرد مزيداً من التشدد الإسرائيلي والتعنت ورفع سقف المطالب والمطلوب منا مبادرة جديدة تتجاوز كرم حاتم العربي في العرض الأول والثاني إلى العرض الثالث.. وفعلاً إن الحماقة أعيت من يداويها. وصدق المعري إذ قال:
هذا جناه "السلام" علينا وما جنينا على أحد.
وأما شوقي فيقول:
سئلت سلماً على نصر فجدت به ولو سئلت بغير النصر لم تجب.
ونحن ذهبنا إلى السلام بمجموعة هزائم لا بنصر، وبانكسارات لا بانتصارات فكيف نحقق بالسلم ما لم نحقق بالحرب؟ إنها الأوهام وضيق الأفهام.
والسلام على القراء الكرام في ختام حلقات جريمة السلام.
تابعو الأردن 24 على google news